رداً على رئيس الحكومة.. د. غسان طيارة لـ«قاسيون»: هل يكفي استبدال آلة بآلة لينتقل القطاع العام من الخسارة إلى الربح؟!
• وضع رئيس الحكومة منشآت القطاع العام ضمن ثلاث خانات مختلفة، خانة لرابح باقٍ، وخانة لمن بحاجة إلى إصلاح، وخانة للميؤوس منه، والسؤال: من أوصل القطاع العام إلى هذا المستوى السيئ؟! وهل هذا التصنيف مقدمة لوضع القطاع العام بأكمله في خانة الميؤوس منه؟!..
طرحنا هذا السؤال على وزير الصناعة السابق د. غسان طيارة فأجاب:
التخطيط الاقتصادي في بلدنا ليس تخطيطاً جيداً، والخطة الخمسية التاسعة والعاشرة أدت لتدهور وضع القطاع العام، والحقيقة أنه لا وجود لقرار اقتصادي دون دراسات اقتصادية واجتماعية، فإيصال الدعم لمستحقيه قرار اقتصادي، لكن عندما نتخذ هذا القرار ويكون مشوباً في طريقة تنفيذه، سيؤدي بالضرورة إلى شكاوى وتذمر وفشل بالنتيجة، فالتخطيط هو الذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى. طريق الاقتصاد الاشتراكي طرح منذ ثورة الثامن من آذار عبر الاقتصاد الموجه، لكن الاقتصاد الموجه لم ينفذ على أرض الواقع، ولهذا السبب يقال إن الاقتصاد الموجه قد فشل وإنه خطأ.
تصنيف رئيس الوزراء من حيث المبدأ أصبح أمراً واقعاً، ولكن إذا أخذنا الأسباب فهي قديمة، بدأت مع تخفيض ميزانيات الاستثمار منذ خمس أو ست سنوات، ما أدى إلى ضعف بعض الشركات التي يمكن إنقاذها، وإيصالها للوضع المتردي الحالي، كما أن الحكومة قامت ببناء هذه الشركات دون دراسة الجدوى الاقتصادية، ولم تعطها الأموال اللازمة للاستبدال والتجديد.
وصول معظم الشركات للخسارة والفشل كان بسبب عدم تجديد آلاتها، بالإضافة إلى أنه لم يتم تطوير طرائق إنتاجها، فالكثير من الشركات كانت تحتاج على فترات طويلة لتجديد كامل خطوطها الإنتاجية، ولم تتمكن من ذلك بسبب نقص السيولة التي لديها بفعل القانون الصادر في العام 1969، والذي يجبر الشركات على تحويل فوائضها وأرباحها إلى وزارة المالية، فإذا أرادت هذه الشركات القيام بالتجديد فتكون الأموال غير متوفرة. والذي يخشى منه الآن انهيار بقية الشركات بسبب هذه القوانين، فشركات الزيوت مثلاً رابحة الآن، ولكن عندما لا تستطيع هذه الشركات تأمين أقل ما يمكن لتطوير إنتاجها وتأمين المواد الأولية لها وهي بذور القطن، ستتراجع أوضاعها وتتحول تدريجياً إلى شركات خاسرة، كما أن هذه الشركات تضطر حالياً لبيع زيوتها للقطاع الخاص، لأنه يمتلك آلات جديدة ومتطورة قادرة على تكرير وتعليب مادة الزيوت بطريقة جيدة غير متوفرة بآلات شركات القطاع العام، لذلك بدأت أرباح شركات الزيوت في القطاع العام تنحدر تدريجياً. فالزيوت تصنف اليوم ضمن الحالة الأولى (الرابحة)، ولكن نخاف أن يتم إيصالها بعد فترة من الزمن بسبب إهمالها إلى الحالة الثانية أو الثالثة (الخاسرة)، كما وأنه عندما نقول: لن يكون هناك استثمارات جديدة مباشرة في القطاع العام، فهذا يعني إيقاف القطاع العام عند هذه المرحلة السيئة!! فأحدث معمل كونسروة عمره 25 عاماً، إذاً الموضوع ليس تجديد آلة أواستبدال آلة بآلة، فالتكنولوجيا تغيرت، وهذه الآلات التي تعمل بها معامل القطاع العام اليوم لم يبق لها وجود أساساً في العالم لكي يتم تجديدها، بل يجب تجهيز خط إنتاج جديد لنكون قادرين على مواكبة تطور عملية الإنتاج في العالم وتحقيق الربح. كما أن أحدث معامل للأسمنت في سورية عمره 37 سنة، فهل يكفي إجراء تغيير على مبرد أحد هذه المعامل؟! وهل يكفي شراء مطحنة بدلاً من مطحنة قديمة لكي ينتقل المعمل من الخسارة إلى الربح؟!
الأزمة الاقتصادية العالمية أدت للجوء الدول الرأسمالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لعمليات التأميم، فعندما تضع الولايات المتحدة 70 مليار دولار لإنقاذ شركاتها المنهارة عبر شراء أسهم في هذه الشركات، ألا تعد هذه عملية تأميم، كما أن بعض الاقتصاديين الرأسماليين تكلموا عن تأميم الرأسمالية، بينما نحن الآن لا نفكر حتى بتجديد القطاع العام لا بتأميمه. فالجميع قرر نسيان أننا منذ عام 1969 حتى الآن نسحب أموال القطاع العام الرابحة، ولا نعطيها إلا بقروض وفوائد، فالكثير من شركات القطاع العام تعمل وقيمة آلاته ليرة، ومع ذلك نأخذ أرباحها المحققة، فحتى العام 2007 وقبل صدور المرسوم الأخير، كنا نأخذ منها 50% من قسط الاستهلاك الأخير. فمن أين ستأتي هذه الشركات بالأموال لتجديد ذاتها، وهي لا تستطيع التصرف بأموالها وأرباحها؟! كما أن قانون الري الحديث الذي صدر أواخر العام 2005 رُصد له 55 مليار ليرة سورية على 10سنوات، لكنه وبعد مرور أربع سنوات على صدوره لم يتم صرف سوى ملياري ليرة إلى الآن، فهل تستطيع وزارة الزراعة أن تقول لنا لماذا تأخرت؟!
هذه الأسباب هي التي أفشلت القطاع العام، وجعلت منه تاجراً فاشلاً كما هو شائع لدينا، لكن هذا ليس منطقياً ولا واقعياً، فشركة كهرباء فرنسا شركة قطاع عام، وهي اشترت مثلاً كهرباء هنغاريا، هل تستطيع شركة من شركاتنا حتى لو كانت قوية، أن تشتري من دولة أخرى صناعة لكي تدعم صناعاتها؟! أم أن هناك الكثير من القوانين والإجراءات التي تعيق عملها؟! هناك قوانين وأنظمة وروتين، وانخفاض الاستثمار هو الذي أوصل الشركات إلى هذا الوضع المزري.
• يصر رئيس الحكومة على أن السياسات الزراعية لحكومته حسنت وضع الزراعة وثبتت الفلاح في أرضه، فأين الواقع من هذا الكلام؟! وما هي مرتكزاته؟! وكيف يمكن تبريره؟!
ما حصل ويحصل في سورية خلال السنوات القليلة الماضية هو تخفيض وتناقص الإنتاج الزراعي، فهل هذا التخفيض هو نجاح لسياسات الحكومة الزراعية؟!
إنتاج الشوندر السكري تناقص من 1,600 ألف طن إلى 700 ألف طن الآن، وأدى هذا إلى نتائج طبيعية تمثلت بارتفاع أسعار إنتاج السكر في معاملنا، وتضرر الفلاح، والقطن هو الآخر تناقص إنتاجه كثيراً وأنتجنا أقل من المفترض وهو 1,200 ألف طن.
التخطيط الزراعي لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، وكذلك التخطيط بشكل عام. فالاهتمام بالزراعة يعطي حياة أفضل وصناعة متميزة، فلو أن خططنا الاقتصادية جيدة وفاعلة لما وصلت منطقة الغاب إلى ما وصلت إليه، فلم تعد تقدم شيئاً في مجال الزراعة، وهولندا التي تساوي مساحة الغاب تعيش على الزراعة مثلاً، والمشكلة الأخرى أننا نأتي بخبراء لديهم قوالب جاهزة لا تتناسب مع واقعنا، ولا نستفيد من الخيرات السورية الموجودة في مجال الزراعة، فلو أخذنا التجربة الماليزية، هل درسوا الإنسان الماليزي، كيف يعمل؟ وكيف يجب أن يعمل الإنسان عندنا؟!
• يكثر الحديث الحكومي اليوم على أن النمو السكاني يمثل أكبر معوقات التنمية، فما مدى دقة هذا الكلام؟!
الحكومة اعتبرت النمو السكاني معيقاً، لأنها غير قادرة على تأمين مشاريع تستوعب هذه الزيادة، فمن خلال النمو السكاني نكون قادرين على التأسيس لصناعات متطورة ومتنوعة أكثر، وتأمين فرص العمل لهؤلاء الشباب. فحل مشكلة الجيل الفتي في سورية مثلاً أسهل من حل مشكلة كبار السن في تونس مثلاً، فكبار السن يأكلون ولا ينتجون.. والعكس بالعكس..