الحق على «التيسير الكمي»!

الحق على «التيسير الكمي»!

تداولت الوكالات الاقتصادية العالمية الأسبوع الماضي، أن البنك المركزي الأوروبي هو السبب في تخفيض العائد الاقتصادي، في سوق سندات الشركات الأوروبية، والتي تمثلت بانخفاض عوائد سندات شبكة النقل العام الفرنسية بنسبة 0,4%، وشركة سيمنز، ومشغل القطارات الفرنسية SNCF، وشركة النفط Sagess، كلها انخفضت بحدود تقارب 0,4%.

 

لا يتوقف الأمر على سندات الشركات، فالعائد على السندات الحكومية الأوروبية التي تقارب 2,6 ألف مليار يورو، أصبحت عوائدها سلبية كذلك الأمر.

تشير تقارير وكالة بلومبرغ بأن السبب هو شراء البنك المركزي الأوروبي لنسبة كبيرة من السندات الأوروبية، للحكومات والشركات، ضمن عمليات التيسير الكمي، أي عمليات شراء السندات للشركات والحكومات، وإقراضها الأموال، بفوائد صفرية تقريباً..

شماعة جديدة

وهكذا يستمر الإعلام والأكاديميون الاقتصاديون العالميون، بالبحث مجدداً عن شماعة جديدة، لتعليق الأزمة عليها، فبينما كان «جشع البنوك وشركات الاستثمار» في عام 2008، وانفلاتها من عقالها، هو  شماعة انفجار أزمة عام 2008، فإن الأزمة المالية التي توشك على التفجر في أوروبا، أزمة الديون الحكومية، والمصارف الكبرى، والقطاع المالي المتضخم.. تحتاج إلى شماعة من وزن «سياسة البنوك المركزية»، وسياسة التيسير الكمي..

يتوجه اللوم الاقتصادي العالمي اليوم مع تتابع مؤشرات عمق الأزمة الاقتصادية، واقترابها من عتبة انفجارية مالية جديدة، إلى هدف جديد وهو دور البنوك المركزية، وسياسة التيسير الكمي..

حيث أصبحت الفوائد الصفرية، وسيل الأموال المتدفق من البنوك المركزية في أوروبا وفي مراكز منظومة الاقتصاد الرأسمالي الأخرى، في الولايات المتحدة واليابان، هي السبب في أزمة اليوم، حيث أصبح الجميع يتداول بأن أسعار الفائدة السلبية والصفرية، تعطي الانطباع بضرورة تراجع العوائد على السندات، وبالتالي تخفض من قيمتها..

نكران أداة المرحلة السابقة

ينبغي التذكير بأن هذه الأموال المخصصة وفق سياسة التيسير الكمي، المتوسعة بعد ازمة عام 2008، قد عملت على انتشال القطاع المصرفي والمالي، ومنع الانتقال السريع لآثار الركود الاقتصادي العميق، إلى أسواق المال العالمية، وعلى أسعار الأسهم والسندات والأصول المالية للحكومات والشركات الكبرى.

إلا أنها اليوم أصبحت بالفعل تفعل مفعولاً عكسياً، بعد أن تبين أنها غير قادرة على تحفيز النمو الاقتصادي، وأنها تحولت إلى مال ينتقل بيعاً وشراءً بين مراكز المال العالمية، ويشكل فقاعة متضخمة، يدرك الجميع أنها على وشك الانفجار..

فكل هذا المال المتدفق لم يجد صداه في توسيع وتحفيز النشاط الاقتصادي العالمي.. ذاك الذي لم يتوقف نتيجة نقص السيولة، أو عدم توفر فرص إقراض للمنتجين الكبار عالمياً، بل المتوقف والمتراجع بسبب عمق الأزمة الاقتصادية، المتمثل بتراجع كبير في إمكانيات الاستهلاك العالمي، بعد أن وصل تمركز الثروة إلى مستويات تعيق أن يقوم الآخرون بالاستهلاك، وبعد أن أصبح انخفاض معدل الربح يمنع كبار المنتجين عن توسيع نشاطهم الاقتصادي الذي لن يقابله طلب فعلي..

ورقة التيسير الكمي انتهت وأصبحت شماعة للفشل، ولكنها ليست «خطأً إدارياً»، أو «اتجاهاً اقتصادياً وأحد الآراء» كما يروج الفكر الاقتصادي العالمي اليوم، بل هي ردة الفعل الطبيعية المتوافق عليها بعد عام 2008، في محاولة إبقاء الأسواق المالية منتعشة، ومركزة الربح في إطاراتها الضيقة، إلى حين «قدوم الفرج».. ذاك الذي تنتظره قوى رأس المال العالمي، عبر أداتها الأمضى في وقت الأزمات، وهي أداة الحرب، تلك التي لم تعد تجدي، طالما أن قوى السلم العالمي، ومن يمتلك فرصة تجاوز المنظومة والنمو لديه مشاريع أخرى لتقدم البشرية للأمام..