228 ليرة سعر الصرف في بداية 2016.. وهم أم حقيقة؟!
تراجعت قيمة الليرة السورية خلال عام 2015 بمقدار 46% وفق سعر الصرف في السوق، إلا أن التراجع الفعلي في قيمة الليرة خلال هذا العام يتبين من خلال الأرقام الصادرة مؤخراً حول تراجع الناتج في عام 2015، والكتلة النقدية الإضافية المطبوعة في ذلك العام..
ينبغي التنويه إلى أن هذا الحساب يقوم وفق معادلة رياضية معروفة تحدد الكتلة النقدية المثالية المرتبطة بكتلة الناتج، وبكتلة النقد، وبسرعة دوران النقد.
الناتج تراجع 15%
يبين تقرير لصندوق النقد الدولي صادر في شهر 6-2016، بعنوان (اقتصاد الصراع في سورية) بأن الناتج الحقيقي في سورية قد تراجع في عام 2015 بمقدار 15%. حيث بلغ تقدير الناتج السوري في عام 2014 بمقدار 29 مليار دولار، بينما مقداره في عام 2015 حوالي 27 مليار، وهذا التراجع في الناتج يساهم في تراجع قيمة الليرة بمقدار 13.5%.
الكتلة النقدية ازدادت بنسبة 8.3%
يبين من تقرير مصرف سورية المركزي، حول أعماله في عام 2015، بأن الكتلة النقدية التي مول بها المصرف حاجات الحكومة، عبر الدين العام، أي حجم الأموال المطبوعة، قد بلغ قرابة 495 مليار ليرة، بما يقارب 40 مليار ليرة شهرياً.
وهذه الأموال الفائضة تعتبر كتلة مضافة إلى كتلة السيولة الموجودة بالليرة السورية، والتي سجلت في بداية عام 2014 قرابة 3900 مليار ليرة، دين عام خلال سنوات 2011-2012-2013، ويضاف إليها الكتلة الموجودة سابقاً والبالغة 2000 مليار تقريباً، أي أن مجموع الكتلة النقدية بالليرة السورية الموجودة في بداية عام 2015 كانت 5900 مليار ليرة تقريباً، والزيادة في عام 2015 تشكل نسبة 8.3% فقط.
وهذه الزيادة في الكتلة النقدية تساهم في تراجع قيمة الليرة بمقدار 7.48%.
التراجع الفعلي في قيمة الليرة 21%
إذا بناء على العناصر الرئيسية المحددة لقيمة العملة الوطنية، وهي تراجع الناتج الإجمالي، وزيادة الكتلة النقدية، فإن التراجع في قيمة الليرة يجب أن يكون بمقدار 21% تقريباً. أي إذا ما اعتبرنا أن سعر الصرف الرسمي في بداية عام 2015 والبالغ 180 ليرة مقابل الدولار هو سعر متوازن، فإنه وفق التراجع الفعلي لقيمة الليرة السورية، يفترض أن يبلغ 228 ليرة مقابل الدولار، ولكنه وصل إلى سعر 307 ليرة مقابل الدولار، وفق السعر الرسمي.
أي بارتفاع عن السعر التوازني 34%، أما سعر السوق فقد وصل إلى 390 مليار ليرة في نهاية 2015، بارتفاع بنسبة 71%.
خسرت الليرة وفق سعر السوق في عام 2015: 46% من قيمتها، بينما وفق معايير الخسارة الحقيقية في قيمة الليرة، يفترض أن تكون الخسارة 21% فقط، 65% من هذه الخسارة تعود إلى تراجع الناتج، و35% منها تعود إلى زيادة الكتلة النقدية.
نصف خسارة قيمة الليرة «سياسي»
أكثر من نصف خسارة الليرة لقيمتها في السوق، تعود إلى عناصر غير أساسية، من الممكن التحكم بها، أي تعود إلى دور العرض والطلب على الليرة والدولار، وتحديداً إلى زيادة الطلب على الدولار، وتراجع الطلب على الليرة.
وقد كانت سياسة الحكومة تجاه زيادة الطلب على الدولار، هو تلبية هذا الطلب، عبر ضخ أكثر من 1,2 مليار دولار من احتياطي القطع الأجنبي إلى السوق.
بينما كانت السياسة الصحيحة التي تحقق هدف حماية قيمة الليرة، تقتضي تقليص أسباب الطلب على الدولار، وكان يكفي لتقليص الطلب على الدولار تقليص الاستيراد، بمنع استيراد الكماليات التي تملأ السوق السورية، وتحديد دقيق وفعال لحاجات الاستيراد الضرورية، وتحويل جزء هام من الاستيراد إلى مهمة حكومية، وعدم تركها للسوق.
وكان يجب لزيادة الطلب على الليرة أن يتم دعم عمليات الإنتاج المحلي، واستخدام كتلة السيولة الموجودة بالليرة في أغراض استثمارية مباشرة، وفي أغراض دعم الاستهلاك، وتحديداً دعم القدرة الشرائية للأجور، بما يحفز العمليات الاستثمارية والإنتاجية. بينما استمرت خلال الأزمة سياسة التقشف بإيقاف الاستثمار، وإيقاف دعم الإنتاج، وسياسة سحب الموارد من قدرات الاستهلاك، ومن أصحاب الأجور تحديداً عبر رفع الدعم، ورفع تكلفة الخدمات الحكومية كلها.
تراجع قيمة الليرة وزيادة الطلب على الدولار في ظروف الأزمة أمر موضوعي، إلا أنه لا يمكن أن يؤدي إلى هذا الحد من ارتفاع سعر الصرف، إلا إذا كانت السياسة الاقتصادية تسعى جهدها لتلبية طلبات السوق، وتقوم بالنتيجة بتقويض كبير لقيمة الليرة. لتكون النتيجة بان سعر الصرف ممكن أن يكون 228 ليرة في بداية العام الحالي 2016، إلا أنه كان 390 ليرة مقابل الدولار!