المرافئ السورية للاستثمار الخاص! ما هي النتائج السياسية والاقتصادية الأولية لذلك؟
توجد حالياً في سورية ثلاثة أنواع من الشركات التابعة للقطاع العام:
النوع الأول: شركات متعثرة، وتطرح إداراتها فكرة تطويرها وإعادة تأهيلها، أو عرضها للاستثمار أو المشاركة، ولكن دون أن تلقى الإدارات جواباً في أي من الاتجاهات، وتستمر هذه الشركات في التعثر والتراجع والخسارات.
النوع الثاني: شركات رابحة ومنتجة تطرحها الحكومة، دون أي مبرر، للاستثمار.
ثالثاً هناك شركات عديدة متوقفة عن العمل والإنتاج وخساراتها بمئات ملايين الليرات السورية، ولا تستطيع أية جهة اتخاذ قرار بشأنها.
الحلقة المفرغة
سنوات عديدة وما زلنا ندور في حلقة مفرغة، وبينما تتفاقم المشاكل وتكبر المعاناة الاقتصادية يوماً بعد يوم، بانتظار أن يخرج مشروع قانون إصلاح القطاع العام من الثلاجة، تحافظ مراكز الفساد على أدواتها الفعالة في النهب والتخسير، بل تعمل على تطوير هذه الأدوات تحت شعار المصلحة العامة والتطوير والتحديث والانفتاح وغيرها من الشعارات والعبارات البراقة التي لم يعد يصدقها أحد..
وأكبر مثال على التخبط الحكومي ما يجري حالياً في مرفأي طرطوس واللاذقية، والذي يعد دليلاً واضحاً على فساد مشرعن يمارسه بعض المتنفذين، جهاراً نهاراً، وفي ظل القانون.
وفي هذا الإطار يستغرب الجميع موقف وأداء وزارة النقل ومؤسساتها كافة، وكأن مهمتها الوحيدة الاكتفاء بأن تكون شاهداً على خراب قطاع النقل بدءاً من انهيار شركات النقل الداخلي والخارجي، إلى تردي واقع القطاع السككي، إلى انسلاخ المرافئ عن القطاع العام!!
تصوّروا.. وزارة النقل هي مجرد شاهد محايد على الواقع المزري القائم في جنباتها، في حين ينخر الفاسدون بفسادهم معظم مفاصل هذه الوزارة ليس الآن فقط، وإنما عبر تاريخها، دون أن يتخذ أي قرار بتغيير هذا الواقع، أو محاسبة المسؤولين عن ذلك!!
قرارات ولكن لمن؟؟
أصدرت وزارة النقل منذ عدة أشهر، كما هو معروف، قراراً بإلغاء حصر التوكيلات الملاحية. ترى ماذا كانت النتيجة؟
*رئيس اتحاد عمال طرطوس يقول في هذا الصدد:
« في عام 2003 حققت التوكيلات الملاحية دخلاً لخزينة الدولة أكثر من 730 مليون ل.س، قابل ذلك بضائع مصدرة ومستوردة أقل من 6 ملايين طن وفي العام 2005 الذي طبق فيه قرار الإلغاء حققت التوكيلات دخلاً قدره 200 مليون ل.س يقابله أكثر من 12 مليون طن، وأمام هذا الرقم 12 مليون طن، يجب أن تكون التوكيلات في حال وجود الحصر قد حققت أكثر من مليار ونصف المليار ل.س لخزينة الدولة».
ويتساءل رئيس الاتحاد: «من يا ترى استفاد؟
هل الوطن أم صاحب قرار إلغاء الحصر، وإن من يسعى لعرض الشركات الرائجة للتأجير أو الاستثمار يسعى إلى الهدف الذي وصل إليه صاحب قرار إلغاء حصر التوكيلات الملاحية».
وتساءل أيضاً:
«مما كنا نعاني في العام 2005 بمرفأ طرطوس؟
هل من نقص البواخر وقلة العمل، أم من شدة الازدحام وكثرة العمال حيث وصل عدد البواخر المنتظرة إلى أكثر من 50 باخرة، واضطر المرفأ إلى التشغيل على مدار الساعة، وفتح الباب لتشغيل أكثر من 1400 عامل عرضي، وبالكاد أصبح المرفأ يتسع للبضائع»؟؟. فأية مصلحة للوطن بطرح بعض مساحاته وأرصفته للاستثمار أو التأجير؟ وطالب بإنشاء مرفأ آخر خاص بالحاويات وليأخذ دوره المستثمر هنا.
مذكرة احتجاج
في الإطار نفسه، رفع اتحاد عمال طرطوس مذكرة هامة إلى الجهات الوصائية تقول:
1 - إن المساحة التي سوف تقوم عليها محطة الحاويات للشركة الفلبينية هي 252000م2 وهي تقع في قلب مساحات المرفأ وتحتاج إلى طرق وخدمات خاصة بها.
2 - رصيف طوله 540م وهو من أفضل الأرصفة من حيث الأعماق والمواصفات ويشكل العامل الأساسي في جذب البواخر ذات الحمولات الكبيرة وهو بغاطس 12- 13م وإخراجه من المرفأ ووضعه في خدمة محطة الحاويات فقط سوف يحرم المرفأ من ورود هذه السفن ذات الحمولات ويؤثر على مردود المرفأ ومساهمته في الدخل الوطني.
3 - سيقدم المرفأ إضافة إلى ذلك:
أ- مستودعاً بمساحة 15000م3 وهو من أفضل وأكبر المستودعات.
ب- رافعة غانتري عدد 2.
ج- جريه عدد 2.
د- حاضنة حاويات عدد 7.
هـ- قاطراً برياً عدد 15.
و- ناقلة حاويات عدد 2 قدرة 40 طن.
ز- ناقلة شوكية قدرة 32 طن عدد 3.
ح- ناقلة قدرة 12 طن عدد 5.
وبذلك تبين بأن الشركة المستثمرة سوف تستخدم أفضل المواقع والأرصفة وقسماً هاماً من أفضل الآليات للتفريغ والشحن الحديثة والمتطورة التي يملكها المرفأ، وأيضاً سوف يلحق هذا ضرراً كبيراً بأعمال المرفأ والأرصفة الأخرى التي هي بأمس الحاجة إلى هذه الآليات!!
وتتابع المذكرة:
إن مرفأ طرطوس قد حقق رقماً قياسياً في العام 2005، حيث بلغت الكميات التي تم تفريغها وشحنها 12.3 مليون طن، وقد احتاج في سبيل ذلك إلى كل الآليات والساحات الموجودة لديه، وكانت الساحات تغص بالبضائع، وإذا خرجت هذه المساحة من يد المرفأ سوف يؤثر ذلك على قدرة المرفأ بتفريغ البضائع وتخزينها، لأن المساحة التي سوف تشغلها محطة الحاويات تشكل 1.8 مساحة المرفأ، وقد حقق المرفأ في العام 2005 إيراداً قدره 3 مليار ل.س.
وقد زاد المبلغ عام 2006، وأثناء النقاش مع خبير الاستثمار الأوروبي الذي أعد الدراسة لهذا الرصيف، تبين أن المساحة التي سوف تخصص لمحطة الحاويات حققت 48% من دخل المرفأ. ومن خلال التدقيق في الأرقام بدل الامتيازات التي سوف يتقاضاها الجانب السوري من الشركة المستثمرة، يتبين أن المتوقع للعام 2007 (3.592514 مليون دولار)، ويتدرج ليصل إلى حده الأقصى عام 2016 إلى (8.891126 مليون دولار) وإن إجمالي البدلات من عام 2007 حتى عام 2016 هو: (64.290175)، وهذه أرقام قد تتحقق وقد لا تتحقق!! وإذا عدنا إلى ما حققه المرفأ من دخل نجد أن الساحة التي تُعطى للحاويات قد أعطت 48% من دخل المرفأ والذي يعادل 1.440 مليار ل.س. وبأن هذه المساحة سوف توفر للمرفأ حتى عام 2006 أكثر من 14 مليار ل.س.
وبذلك يتبين بأن دخل هذه الساحة فيما لو بقيت في خدمة شركة المرفأ ستعطي دخلاً أكبر بكثير مما سوف تدفعه الشركة المستثمرة للجانب السوري عند حصولها على حق الاستثمار!!
إدارة المرفأ: مبررات واهية
إدارة المرفأ تقول في تصريح أخير: إن العقد هو امتياز لاستثمار محطة حاويات يتضمن قيام الشركة المستثمرة بتشغيل الرصيف معداته لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد 5 سنوات أخرى، مشيرة إلى أن الشركة ستستخدم معدات بقيمة 40 مليون دولار بالإضافة إلى المعدات الموجودة في المرفأ، وتقوم بتوظيف 34 عاملاً سورياً.
وتبقى ملكية هذه المعدات للمرفأ في نهاية فترة الاستثمار المقررة.
وأشار المدير إلى أن الشركة المستثمرة ستدفع 5 مليون دولار عند الدخول إلى المرفأ بالإضافة إلى دفع رسم مستوى ثابت بقيمة 3 مليون دولار مع نسبة نمو سنوي بحدود 2% ورسم متحول حسب عدد الحاويات التي سيتم تناولها حسب كل حاوية فارغة أو ممتلئة؛ ولفت إلى أن العقد تضمن وضع خطة تطوير خلال فترة الاستثمار على أن يصل عدد الحاويات ZEU إلى 500 ألف حاوية سنوياً، فيما كانت 300 ألف حاوية سنوياً، وأكد أن إدارة المرفأ ستقوم بمراقبة العمل، ويحق لها في حال عدم تنفيذ خطة التطوير السنوية المقررة إنهاء العقد.
ونترك لقرائنا الأعزاء التعليق على هذه المقدمات والمبررات..
الأرقام تتحدث
أرقام إدارة المرفأ تعترف، والوقائع تتحدث عن:
رصيف مساحته 240م تم تأجيره، وهذه المساحة هي الأهم في مرفأ طرطوس، وأية باخرة حمولتها 55 ألف طن سوف تأتي إلى هذا الرصيف. وهذا الرصيف والساحة إيراداتهما 48% من واردات مرفأ طرطوس، وربح الرصيف وحده 1.400 مليار ل.س من أصل مليارين ربح عام 2005.
هل نسمي هذا استثماراً؟ إنها صفقة... نعم إن الحكومة تقدم المرفأ بسعر بخس.
والسؤال:
هل درس الفريق الاقتصادي في سورية النتائج المترتبة عن صفقة كهذه على مجمل الاقتصاد الوطني؟ وهل درست الجدوى الاقتصادية لهذه الصفقة التي لن تستفيد الخزينة منها استفادة حقيقة؟
أسئلة تطرح نفسها!!!!