تصريح غير مسؤول.. من مسؤول
عندما فصل الكثير من الباحثين بين السياسات التي تمارسها الوزارات السيادية، والخارجية خاصة، وبين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وعندما تحدثوا عن البعد عن تطبيق سياسة السوق الاقتصادي الاجتماعي، انبرى قلة من المسؤولين للدفاع عن الفريق الاقتصادي وللإيضاح إن كل القرارات تتخذها القيادة السياسية مجتمعة، ولم نعر هذا الموضوع أي اعتبار فلا يهمنا مصارعة الناطور، وإنما ما يهمنا هو العنب المتمثل بتصويب السياسات الاقتصادية بما يتماشى مع خصائص الاقتصاد السوري، وقد شغلتنا وألهتنا الانعكاسات السلبية للقرار الذي اتخذه الفريق الاقتصادي بإعادة تسعير مادة المازوت والأعباء المعيشية المترتبة على هذا القرار عن الكثير من الطلبات، حتى جاء اللقاء الذي عقدته جمعية رجال وسيدات الأعمال السورية مع النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، والذي تحدث فيه بلهجة غريبة بعيدة عن العرف والعادات وأصول الحوار والنقاش الذي تعَود عليه المواطنون السوريون، على الرغم من بعض التحفظات، لكن في هذه الحالة تطرق النائب الاقتصادي إلى مواضيع على غاية الأهمية انعكاساتها خطيرة وكارثية وتدميرية على النمو وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى الاستقرار والأمن الوطني، وهذه المواضيع خلافية من الدرجة الممتازة بين الفريق الاقتصادي والقلة المستفادة من هذه السياسات والباحثين الخائفين على مصلحة ومستقبل الوطن والشعب السوري وأغلب المؤسسات الوطنية.
تصريحات غير مسؤولة
ولكي لا يأخذ الموضوع أي منحى سوى المنحى العلمي الموضوعي فإننا سنقوم بإلقاء الضوء على القرارات المستقبلية الفردية التي صرح بها النائب الاقتصادي من جهة وعلى المآخذ التي ارتأيناها من جهة أخرى.
تطرق النائب الاقتصادي في جريدة الاقتصادية العدد /350/ ص16 إلى ثلاثة مواضيع بأسلوب يخلو من المسؤولية واللباقة والتاريخية السورية في عرض المواضيع ذات الأهمية البالغة على المستوى الوطني والتي تنعكس على كل المواطنين:
- أول هذه المواضيع أن زيادة أسعار الطاقة ستتم تدريجياً وبطريقة (الليلة وضحاها)، حيث أن المناقشات التي حصلت مع المواطنين قبل الرفع الأخير لأسعار المحروقات لن تتم في مراحل الرفع القادمة.
- ثاني هذه المواضيع أن قانون إصلاح القطاع العام لن يتم.
- ثالث هذه المواضيع بأنه سيتم إقلاع سوق الأوراق المالية ولو على لوح طبشور..
وهنا نورد الملاحظات الآتية حول الموضوع الأول المتعلق بـتسعير المحروقات بأسعار التكلفة في عام 2010، فنسأل النائب الاقتصادي عن السعر الحقيقي لتكلفة المحروقات المنتجة محلياً؟ وهل هو السعر الذي يقصده؟ ولسنا بهذا الصدد، ولكن من ناحية أنه سيتخذ القرار ولن يأخذ رأي المواطنين، فهذا كلام خطير، لأن هذا يعني أن كلام المواطنين وآراءهم تشتمل على اقتراحات صحيحة ودقيقة، قد تحرج النائب الاقتصادي في اتخاذه القرار، كونه من خلال تصريحه يضع نفسه بأنه هو الشخص الوحيد الذي يقرر وينفذ. ولكن نطرح عليك سيادة النائب الأسئلة التالية:
هل قمت وفريقك ومستشاريك بدراسة الانعكاسات السلبية التي نتجت عن قرارك السابق برفع الدعم الجزئي على التنمية بشتى أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
حيث أنها أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، ومن حيث انعكاسها على تكلفة الإنتاج الزراعي .
لماذا كل هذا التخبط؟
وهنا نسأل هل قمتم باستبيان لمعرفة مساحة الأراضي التي ستخرج من العملية الإنتاجية في الموسم المقبل نتيجة ارتفاع تكلفة المحاصيل وعدم تناسب الدعم المقدم مع الأسعار العالمية أو الأسعار المحلية التي يطرحها عليهم تجار السوق السوداء؟ وما هو تأثير خروج هذه الأراضي على الأمن الغذائي الذي تكلفت الدولة مليارات الليرات من أجل الوصول إله من أجل استقرار قرارنا السياسي، ولتجنب الضغط الدولي الذي يمارس على بلدنا من أجل تغيير سياستها الخارجية المتمثلة بدعم حركات المقاومة العربية والمحافظة على الحقوق العربية والسورية؟
وهل درستم حجم المعامل التي ستغلق أبوابها نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاج المصنوعات نتيجة غلاء الطاقة وارتفاع الأجور؟ والذي ترافق مع تحرير شبه كامل للتجارة الخارجية، بحيث أصبحت هذه الصناعات في مواجهة صناعات أجنبية في وقت لم تتهيأ الصناعة لهذا الأمر، ولم تحفز وتوجه الحكومة الصناع من اجل هكذا موضوع، وفي وقت وقعت اتفاقيات كانت ظالمة لصناعتنا، حيث كانت صناعتنا تواجه السلع الأجنبية بميزة أجور منخفضة وطاقة منخفضة، وهنا نقول أي تحرير تجاري من دون تهيئة واستعداد هو بمثابة إعلان موت الصناعة والزراعة، ونقول بأن الدولة تمثل الأم الحنون التي تحاول أن تنشئ وتربي ابنها بحنان وعطف وجدية لا بمبدأ الانتقام والعقاب الجماعي من دون تمييز وهنا الكلام هو رد على أحد الأكاديميين الذين يتفقون مع قرارات الفريق الاقتصادي من دون أن يعرفوا ما مضمون ونتائج القرار، حيث أنه رد على انتقادات الصناعيين السوريين في مؤتمر الصناعة السابق بما معناه: مهما فعلت الحكومة فهو صحيح، فهؤلاء الصناع هم الذين لم يستطيعوا أن يطوروا منتجاتهم بالجودة المناسبة وأن يخفضوا التكلفة، وهم الذين كان يغشون بالمواصفات، ونتيجة لذلك قد خسروا السوق الجديدة في الدول الاشتراكية السابقة، فلا يحق لهم أن يشتكوا من غلاء المحروقات، ولا من تحرير التجارة، ولا من غلاء أسعار الأراضي في المناطق الصناعية. وهنا نقول: إذا كان هناك قاتل في مدينة، فهل ندمر المدينة أم نعاقب القاتل؟ ونقول: الدولة لا تقوم إلا بتعاون القطاعين الخاص والعام، وإذا كنتم لا تريدون قطاعاً عاماً صناعياً ولا قطاعاً خاصاً، فماذا تريدون؟ وإلى أين بالبلد بهذه السياسة سائرون، ونقول: يحق لهؤلاء أن يطالبوا، ويحق للدولة أن تبرر سياساتها بأسلوب واقعي وموضوعي وعلمي، لا بأسلوب انتقامي يدل على حقد كما أردت أنت!
وكذلك نسأل هل درس الفريق الاقتصادي انعكاس هذا القرار على المؤشرات الكلية من ميزان مدفوعات وميزان تجاري واحتياطي نقدي والمؤشرات العامة من بطالة وفقر؟
وهل يعرف الفريق الاقتصادي مقدار فرص العمل التي سيفقدها العمال جراء هذه القرارات؟
هل تعلم يا سيادة النائب بأنك بأسلوب طرحك قد تجاوزت جميع المؤسسات الوطنية من خلال إعطائك قرار عن 2010، وكأنك تضمن بقاء الحكومة حتى ذلك الوقت، أو أنك تضمن أن الحكومة اللاحقة ستعمل بالسياسات نفسها التي سرتم عليها.
هل يعلم النائب الاقتصادي بأن هناك تعتيماً على الأساليب المتبعة من أجل متابعة مكافحة تهريب المحروقات إلى دول الجوار على الرغم من الأداء العالي المستوى التي اتصفت به المؤسسات المختصة في مكافحة هذا التهريب، وهنا نسأل: هل هذا التغاضي في هذا الوقت من أجل أن يعود التهريب كمبرر من أجل القرار الذي قال الدردري إنه سيتخذه دون استشارة المواطنين؟ وهنا نقول على لسان المؤسسات المسؤولة عن مكافحة تهريب المازوت بأنها كانت على غاية الفرح والسرور في ردع هؤلاء المهربين أعداء الوطن، على عكس ما كان يُصرح به من انزعاج أعضاء من الفريق الاقتصادي من تلهية هذه المؤسسات بهكذا أمور.
يؤكد من خلال حديثه استمرار السياسة السابقة، وهنا نسأله: من عراب هذه السياسات، ولماذا الاستمرار بها؟ وهي التي أثبتت فشلها وباعتراف النائب الاقتصادي نفسه في جريدة القنديل العدد/26/..
أين إصلاح القطاع العام الصناعي؟
أما فيما يتعلق بقانون إصلاح القطاع العام الصناعي
فإننا نسأل ما هو مبرر إلغاء هذا القانون على الرغم من الفوائض التي حققها القطاع الصناعي والتي من الممكن أن تتضاعف عن طريق إصلاح القطاع الصناعي عن طريق تجديد الآلات وتحديث القوانين وتعيين الكفاءات، وخاصة إن المؤشرات الاقتصادية والأداء الاقتصادي قد أثبت أننا في حاجة ماسة لقطاعات اقتصادية منتجة من أجل رفد موازنة الدولة لسد العجز الحالي والذي من الواضح أنه سيكون في تزايد ونقول أيهما أفضل ضخ الأموال للاستثمارات غير المنتجة أم إلى قطاعات منتجة بحاجة لإصلاح؟ ففي زمن عجز الموازنة وشح الأموال والشكوى الدائمة نرى توجه معظم الأموال الاستثمارية من الموازنة لبناء أبنية على شكل قلاع أو ترميم بنية تحتية أو شراء أدوات دون الحاجة إليها، ألم يكن من الأجدى أن توجه هذه الأموال لإصلاح القطاع العام .
كذلك نسأل عند التصريح حول هذا القرار: ألا يحس النائب الاقتصادي أن في تصريحه هذا إهانة لجميع المؤسسات التي شاركت في صياغة مشروع القرار من مسؤولين ونقابات وأعضاء مجلس الشعب الذي رد مشروع القرار من أجل تعديل بعض المواد التي تحاول خصخصة هذا القطاع، ولو عن طريق الالتفاف بتأجير لمدة 99 عاماً، أو عن طريق بيع أراض أو استثمار لمدد محدودة من الزمن أو المساهمة بالإدارة؟ ألا يجد النائب الاقتصادي أن أبواب التشغيل في القطاع العام مغلقة، وأن هذا التأخير بالإصلاح يؤدي إلى زيادة عدد الشركات والمؤسسات المخسرة والتي كانت رافداً قوياً للاقتصاد الوطني في حالك الأزمان، وأن القطاع الخاص الوطني يلقى معاملة مماثلة حيث قلة إمكانية التوظيف الجديد مع احتمال فقدان الكثير من فرص العمل؟
وأخيراً نقول سورية قوية بتاريخها المميز وبشعبها وإمكاناتها المتنوعة، هذا الشعب الذي لا يطلب إلا المستطاع وهذه الإمكانات التي إن استغلت بأسلوب واقعي علمي يتناسب مع متطلباتنا الاقتصادية والاجتماعية، فإننا سوف نعود لانطلاقة قوية مستمرة متوازنة تكون مثالاً للدول الأخرى وتجربة يستفاد منها بدلاً من أن نضيع ونتوه ونفتش عن تجارب دول أخرى من أجل استنباط تجربة للسير بها على الرغم من أن سورية من الدول القلة التي لم ينعكس عليها انهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية بشكل كبير في حينه، حتى حاول البعض السير بوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووصلنا إلى مفترق الطرق الحالي.
محاضر في كلية الاقتصاد جامعة تشرين
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.