الثلاثاء الاقتصادي.. موسمان ومقارنة

قبل البدء بموسم جديد اعتدنا على انطلاقته في منتصف، أو أواخر تشرين الثاني كتقليد توافق الجميع عليه، وفي توقيت فعله لا إرادي في نفوس المتابعين وإن تجلّى أحياناً بعدم رضا... نستذكر ندوات الثلاثاء الاقتصادي الموسمية التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية السورية، ونقارن لتراكم تجربة، لا نوظفها عادةً في خدمة ما وجدت من أجله، وكي لا تنحرف عما هو مطلوب وما هو متوقع لأبعد من هدف رسم أساساً.

فبين موسم 2007 ـ 2008 وموسم  2006 ـ 2007 مقارنة ممكنة للاستنتاج والتقييم، وربما يمكن أيضاً استخلاص الممكن من التجربة من خلال تعاقبها وتراكمها...

على المستوى الكمي والتوقيت، جرى تراجع في عدد المحاضرات بين الموسميين الماضيين، حيث انطلقت المحاضرات في الموسم الماضي في الشهر الأول وانتهت في أواخر شهر نيسان، أما الموسم الذي قبله فبدأت المحاضرات في شهر تشرين الثاني وامتدت حتى منتصف شهر أيار، والفرق في عدد المحاضرات هو 8 محاضرات لصالح الموسم قبل الماضي (22 محاضرة) لأن الموسم الماضي اكتفى بـ(14 محاضرة)..

والمقارنات الإضافية الممكنة بين موسمين:

 المحاضرون: تكررت أسماء معظم المحاضرين في الموسم السابق والموسم الذي قبله، مع تفوق الموسم قبل الماضي بتنوع المحاضرين بين من هم من خارج سورية ومَن هم من داخلها، مع التطعيم بباحثين شباب.. مما أعطى دفعاً للندوة، وهذه نقطة متقدمة للموسم قبل السابق.

العناوين: المواضيع المطروقة في الموسم الماضي، رغم أهميتها، لم تلامس في كثير من الحالات المشكلة بعمق، وإن لامستها، فبخجل، مع غياب الروح البحثية العميقة في المواضيع التي طرحها المحاضرون، ولا سبيل لمقارنتها مع الموسم قبل الماضي، حيث كسر الضيوف الجمود والركود عند المتلقي بأبحاث لها أفق جديد، مما شكل عاملاً قوياً باتجاه زيادة الرغبة في المتابعة وعدد المتلقين الراغبين بتحصيل الجديد، وهو ما لم ينتبه له محاضرونا المحليون.

الحضور: في الموسم السابق كان عدد الحاضرين محدود، يميل لقلة العدد في الكثير من المحاضرات، فمع غياب تنوع المحاضرين غاب تنوع الحاضرين، وبدا واضحاً تكرر الوجوه نفسها، أما في الموسم الذي سبقه فرغم ميل الحضور للتراجع في بعض المحاضرات، إلا أن العدد والتنوع كان أوسع بسبب طبيعة التنوع في عناصر الندوة وعدم تكرر المواضيع...

المكان: ألقيت محاضرات الموسم السابق في المركز الثقافي في المزة، بينما في الموسم الذي قبله كانت مكتبة الأسد الوطنية هي الحاضن، وللمكتبة رمزية ثقافية خاصة إلى جانب قربها من المركز، والذي يفعل بدوره عدد الحضور وينوعهم.

إن ما سبق محاولة لتوصيف مقارن بين موسمين مرّا، ولعله جاء بحكم الضرورة مع غياب دراسة فعلية معمقة لتراجع الأداء في ندوة الثلاثاء.. وربما يساهم هذا التوصيف عبر أدواته البسيطة في لفت الانتباه، كي لا تبقى جمعية العلوم الاقتصادية ومحاضراتها أسيرة الروتين والسبات الذي تعاني منه رغم توفر الإمكانيات الفاعلة وإن كانت غير كافية.. وهو يشكل أيضاً محاولة لفهم أسباب يمكن أن تساعد في تفسير الملموس... عبر تشابه واقع (الثلاثاء الاقتصادي) مع غيره من نشاط المؤسسات...

ومن زاوية أخرى، فإن هذه المؤسسات وغيرها، وعبر تشابهها في الأداء ومستوى النتائج المحققة، تجسد العقلية التي تدار بها عادة رغم تبدلها الشكلي، وهي عقلية متشابهة متماثلة عبر ثبات إنجازاتها، وتكرارها، والتي أصبحت مع مرور الزمن عبئاً على أصحابها، لأنها لم تتعامل مع المتحول من العوامل، وأهمها الزمن... وإن تطابق النتائج وعدم تمايزها في كل من التلفزيون العربي السوري بإمكانياته الهائلة مثلاً، ومنتخبنا الوطني لكرة القدم وإخفاقاته المتكررة، وصولاً إلى جمعية العلوم الاقتصادية.. يفسر ويوضح للمراقب الخارجي سبب التطابق فيما هو محقق وغير محقق، وأسباب خلق انعدام ثقة المتابعين بقدرة هذه المؤسسات على تحقيق ما يحاكي الحد الأدنى من متطلبات المتلقي التي وجدت لأجله أساساً، وبالتالي يؤدي حالها الوجودي إلى قلق المهتمين بها بعدم إمكانية استمرارها الفاعل مع غياب قدرتها على التأثير في هذا المتلقي.

فوجود كامل الطاقات وتوفرها لا يكفي لتحقيق الجديد، بل لابد من وجود مهارة خلاقة في توظيفها لتتطابق النتائج مع الحد الأدنى من الإمكانيات الموجودة والمتوفرة.. وهذا بدوره بأمس الحاجة لعقلية جديدة متجددة قادرة على التعامل مع المتغيرات للاستمرار بها لتحقيق المطلوب....