هل انتهت (الفترة اليتيمة) لانخفاض الدولار؟!

هل انتهت (الفترة اليتيمة) لانخفاض الدولار؟!

انخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء في سورية خلال أسبوعين، بين 18 أيار، و 1 حزيران لينتقل من حدود 620 وصولاً إلى سعر وسطي 360 ليرة مقابل الدولار في دمشق، بانخفاض 42%، بالمقابل السعر الرسمي للمصرف المركزي انخفض بمقدار 18.8% فقط، ليتم تسجيل سابقة بأن يسجل دولار المركزي، سعراً أعلى من السوق.

المركزي أشاد ببطولاته في التخفيض، وأشار إلى أنه يريد أن يستقر سعر الصرف، دون انخفاض أو ارتفاع، عند الحدود التوازنية، دون أن يحدد ما هي هذه الحدود المستهدفة!.

عشتار محمود
الإجابة عن سؤال ما هي القيمة التوازنية لليرة مقابل الدولار حالياً؟ هي إجابة ممكنة اقتصادياً وعلمياً، ولكن يبدو أنه (سياسياً) هناك من لا مصلحة له، بتوضيح مقدار التراجع الفعلي لقيمة الليرة خلال الأزمة، لأن هذا يحمّل الجهات الرسمية صاحبة القرار مسؤولية تسعيرها بسعر أقل من قيمتها الحقيقية!..
كيف تتحدد القيمة التوازنية؟!
تتحدد قيمة الليرة وفق حسابات دقيقة، معطياتها التفصيلية كلها موجودة لدى الجهات الاقتصادية والسياسية المحاطة علماً بجوانب ثلاث: كتلة السلع والخدمات المتداولة في السوق السورية، والكتلة النقدية المتداولة، وسرعة دوران النقود..
ولأن هذه الأرقام متروكة للتقديرات وغير معلنة، فتبقى التقديرات تتضاربها المصالح.. فبعض القوى الاقتصادية السورية تشير إلى أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة يفترض أن يكون 800 ليرة على الأقل، والبعض يوصلها إلى فوق 1000ليرة مقابل الدولار!
بينما تقديراتنا وفق معادلة محددة عناصرها الأساسية هي خسارة الناتج الإجمالي، وتضخم الكتلة النقدية نتيجة العجز المالي المعلن في الموازنات، تشير إلى أن سعر الصرف ينبغي أن يكون قريباً من 300 ليرة مقابل الدولار!. فلماذا يحجب أصحاب القرار هذه المعلومة، ولا يصدرها جهاز الدولة المحيط بالمعلومات الدقيقة؟!
دوافع المضاربة واضحة
القيمة الفعلية لليرة يمكن تحديدها، ويمكن تحديد ما هي (العناصر المضاربة) التي تجعل السعر يبتعد عن الحد التوازني. والتي يمكن تلخيصها بالعوامل التي تؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، وتراجع الطلب على الليرة وأهمها:
زيادة الأرباح من جهة، وعمليات تحويلها من ليرة إلى دولار من جهة أخرى، وصولاً إلى تهريبها خارج البلاد.
زيادة الاستيراد الذي يؤدي لزيادة الطلب على الدولار، وتراجع الإنتاج المحلي الذي يؤدي لزيادة الطلب على الليرة، واستخدام احتياطي القطع الأجنبي الرسمي، لدعم الاستيراد، وليس لدعم الإنتاج المحلي، وتركيز السياسات الاقتصادية كافة على تخفيض النفقات على دعم الإنتاج والاستهلاك المحلي، وأبرزها سياسة عقلنة الدعم.
طالما أن هذه السياسات موجودة، فمن المستحيل أن يكون سعر الليرة مقابل الدولار قريب من السعر التوازني، سيبقى سعر الدولار أعلى مهما ضخت الحكومة من دولار في السوق!
ما الذي حدث الأسبوع الماضي؟!
طالما أن السياسات الأساسية التي تدعم ارتفاع سعر صرف الدولار لم تتغير، فما الذي جعل سعر صرف الدولار ينخفض مقابل الليرة بهذا الشكل؟!
الإشارات تأتي من السوق السورية بأطرافها كافة، أي الخاضعة للسيطرة، والخارجة عن السيطرة، وحتى في مناطق سيطرة داعش!
أولاً: في السوق السورية الخاضعة لتأثير السلطات النقدية، في دمشق وغيرها، تمت عمليات (حبس الليرة)، فمنعت المصارف على سبيل المثال من تزويد زبائنها المودعين بالليرة، بأموالهم، إلا بأجزاء قليلة، بينما كانت هذه العملية (شغّالة) خلال الفترة الماضية، وحتى في أوقات ذروة ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله إلى 620.. وهذه العملية (حبس الليرة) تخلق طلباً وهمياً على الليرة، نتيجة الامتناع عن إخراجها من المصارف الرسمية حيث تتراكم.
أما في كل من سوق بيروت، وفي المناطق الحدودية من محافظة حلب، فإن انخفاض سعر صرف الدولار خلال الفترة الماضية، كان أعلى وأسرع من الانخفاض في دمشق، أي هناك من ضخ دولاراً إضافياً، أو حجب الليرة أيضاً ليتم انخفاض سريع في صرف الدولار..
وأخيراً يأتي المؤشر من السوق غير الشرعية لتهريب النفط في سورية، في مناطق سيطرة داعش، والتي تشير المعلومات المحلية من هناك، أنها بدأت تطلب الليرة مقابل النفط منذ عشرين يوماً تقريباً، وهي التي لم تفعل ذلك قبل الآن!
لذلك نستطيع القول، بأن عملية مضاربية وهمية حصلت، ليتم انخفاض سعر صرف الدولار بهذا الشكل، أساسها حبس الليرة أي تقليل عرضها في (السوق الرسمية)، ومن جهة أخرى، زيادة الطلب عليها في الأسواق الخارجة عن السيطرة.
لماذا.. وهل لهذا (التكتيك) ديمومة؟!
إن كان للمصرف المركزي نِيّة حسنة بتخفيض سعر صرف الدولار عبر عملية حبس الليرة، واستمرار ضخ الدولار للسوق، فينبغي التساؤل لماذا لم تتم هذه العملية سابقاً، أي لماذا لم تترافق عمليات الضخ المعتادة سابقاً، مع عمليات إيقاف سحب الودائع؟! وإن كانت هذه السياسة لا تؤدي إلّا إلى تحسين مؤقت تكون انعكاساته اللاحقة على سعر صرف الدولار أسرع بكثير، لأن الأسباب الحقيقية الموضوعية لانخفاض قيمة الليرة لا تعالج! وأبرز مثال على ذلك هو أن أسبوعين من هذه السياسة، أدت إلى انخفاض سعر صرف الدولار بمقدار 42%، بينما يوم واحد من العودة إلى تحريك الودائع بالليرة أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بمقدار 20% خلال 8 ساعات تقريباً، وذلك في يوم الخميس بتاريخ 2-6-2016، حين ارتفع الدولار في دمشق من 385 ليرة صباحاً، إلى 480 ليرة عند الإغلاق في المساء.
ليبقى السؤال، ما الذي تريده الأطراف الأخرى من هذه العملية؟! وهل لديها النية بتحسين قيمة الليرة؟! الإجابة البديهية هي لا، إذاً يمكن التوقع بأنه هناك من يقوم بعمليات سحب لليرة السورية، وهذا ينبئ باحتمال ضخها لاحقاً بالسوق بشكل كبير وسريع، ولمرّة واحدة، ليكون لذلك الأثر المضاربي الأكبر على تراجع قيمتها..
يمكن أن نضيف بأن ما جرى خلال الأسبوع الماضي من تخفيض لسعر صرف الدولار، سمح بتجميع كبير للدولار بأسعار منخفضة، مما باعه صغار المدخرين، والمضاربين، هؤلاء الذين هلعوا من استمرار الانخفاض.. وهذا التجميع للدولار لا يمكن أن يحقق عائدية مضاربية، إلا إذا عاد سعر الدولار للارتفاع..
ما حدث خلال الأسبوع الماضي لا يعدو أن يكون عملية مضاربية أيضاً، ساهم فيها المصرف المركزي، وإن كان هدفه تخفيض سعر الدولار، إلا أن هذا أدى إلى عملية تجميع للدولار الرخيص لدى السوق أولاً، أما ثانياً وهو الأخطر، فإن هذه العملية التي تمت عبر حبس الليرة، لا يمكن أن تستمر، لأنها معاكسة للاتجاه الذي تفرضه الوقائع والسياسيات للأسف، والذي يقول بأن قيمة الليرة الحقيقية بمعنى قدرتها الشرائية إلى تراجع، ما لم يتم تخفيض الأرباح وزيادة الأجور من جهة، وتخفيض الاستيراد، وزيادة الإنتاج من جهة أخرى..

تساؤلات حول تخفيض الدولار..
• إن كان للمصرف المركزي هذه القدرة على التخفيض، فلماذا لم يفعل ذلك في أوقات ارتفاع سعر صرف الدولار؟!
• هل يمكن لعملية التخفيض التي اعتمدت على حبس الليرة، ومنع سحبها من المصارف أن تكون مستمرة؟!
• المصرف المركزي يقول بأنه يريد أن يحافظ على القيمة التوازنية لسعر الصرف، فلا ارتفاع ولا انخفاض، فلماذا لا يحدد أو يعلن هذه القيمة التوازنية؟! ولماذا يعتمد في سعره الرسمي اليومي على وسطي من السوق؟!
• إن كان المصرف المركزي يحارب ارتفاع سعر صرف الدولار عبر عملية بيع الدولار في السوق، فهل سيحارب الانخفاض عن طريق عملية طلب الدولار، أي بيع الليرة؟! وإلى أين قد يصل تراجع قيمة الليرة إذا ما اتبعت هذه السياسة التي تتداولها بعض الأوساط الرسمية كحل، وتحديداً إذا ما دخلت قوى السوق لتبيع الليرة وتشتري الدولار وتنافس المركزي؟!
• هل يمكن أن يفسر هذا، قيام قوى السوق في المناطق الخارجة عن السيطرة بالطلب على الليرة، وتجميعها حالياً، تمهيداً لبيعها لاحقاً، ومنافسة المركزي إذا ما بدأ بشراء الدولار؟!