الانعطاف عن الليبرالية  هو الحل الوحيد..

 إجراءات تدخل المصرف المركزي في السوق، للتحكم بسعر صرف الدولار مقابل الليرة، أصبحت بلا جدوى منذ فترة طويلة، فهي إن كانت قادرة على تبطيء عملية تراجع قيمة الليرة فقط لا غير، فإنها كانت بالمقابل تؤدي بشكل مباشر إلى زيادة قدرة السوق على (دهورة قيمة العملة) في أية لحظة اضطراب مختارة..

فالليرة السورية أصبحت معومة، دون إعلان، أي أن  قيمتها أصبحت تتحدد في السوق بناء على العرض والطلب، وبينما يبيع المصرف المركزي دولاره الاحتياطي للسوق، مع كل عملية مضاربة، ومن خلال تمويل المستوردات، فإن قدرته على التدخل كلاعب رئيسي في السوق تصبح أقل مع الوقت، وتصبح السوق هي التي تحدد قيمة الليرة مقابل الدولار.

ومن الطبيعي أن الطلب على الليرة أقل من الطلب على الدولار، مع توسع الاستيراد ليشمل أغلب الحاجات، ومع تعطيل قدرات الإنتاج المحلي، عندما تم رفع سعر المحروقات ورفع مستوى التكاليف. أما العامل الأساسي في زيادة الطلب على الدولار، هو سلوك القلة المحتكرة للربح الناتج عن كل ما يستهلك في السوق السورية، وكل ما ينتج من ربح غير شرعي، مسروق من الأجور تحديداً. حيث أن مليارات الربح الشهرية التي تصل ليد قلة، عليها أن تتحول إلى دولار أو ذهب أو أصول لتحافظ على قيمتها، ولتهرب بأغلبها إلى خارج البلاد، أي أن الليرات المجمعة كأرباح لدى هؤلاء يتم بيعها في السوق، وتحويلها إلى قيم أخرى، ما يسبب تراجع في الطلب على الليرة، ويخفض من قيمتها. وكلما ازداد تسارع انخفاض قيمة الليرة، كلما ازدادت عمليات التحويل المذكورة..

وتسارع تراجع قيمة الليرة في عام 2016 ينبئ بالخطر، وتحديداً مع الإشارة التي أعطاها صندوق النقد الدولي، عندما أعلن عن تراجع الاحتياطي السوري من العملات الأجنبية إلى 700 مليون دولار، ومع الإشارة التي أعطاها المصرف المركزي للسوق بأن السياسات لن تتغير، بل سيتم ضخ المزيد من الاحتياطي.

الانهيار يعني تراجعاً كبيراً غير قابل للضبط طالما أن عملية تحويل الربح إلى دولار هي عملية مستمرة، لذلك فإن الإمكانية الحقيقية للضبط تكمن في مصادرة الجزء الأكبر من الربح المحول إلى دولار وتحويله إلى إنتاج.

الحل الوحيد اليوم هو بتحويل أموال الدولة إلى إنتاج، أو إلى دعم للإنتاج بتخفيض أسعار المحروقات على سبيل المثال، للمحافظة على قيمة الأموال العامة بالليرة السورية من جهة، ولدعم العمليات الإنتاجية من جهة أخرى، لتدعم بدورها قيمة الليرة.

التراجع عن السياسات الليبرالية، واستعادة الدولة لدور اقتصادي إنتاجي أولاً واجتماعي ثانياً، هو الحل الوحيد الذي من الصعب أن تقوم به منظومة الفساد والليبرالية المتحكمة حالياً في السياسات الاقتصادية السورية، والتي تبقي الليرة السورية على حافة الانهيار، والتي تتحمل وحدها مسؤولية خطر تدهور قيمة الليرة. حيث حولت الليبرالية الحرب، إلى فرصة للتمادي في تطبيق السياسات التي لم تستطع تطبيقها قبلها! والمطلوب اليوم إجراء الانعطاف في السياسات لحماية الليرة من مزيد من التدهور، وهذا متاح بطريقة واحدة، الحلول السياسية التي تفتح كل الأمور للنقاش، وتتيح الصراع السياسي لفرض الحلول البديلة.