عباد الشمس:الليرة السورية في (الموقف اللبناني)!

 

 

ما يجري في العملة السورية اليوم على عتبات الحلول السياسية، جرى في لبنان سابقاً، حيث انخفضت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 71% بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989.

يحقق انخفاض قيمة العملة زيادة كبيرة في معدل الربح للمستثمرين نتيجة تخفيض كلفهم، ولكنه يحقق خسارات كبرى للدول الخارجة من الحرب، فهو بمثابة ضمان لعدم نجاح عملية إعادة الإعمار، واستمرار الفشل الاقتصادي، مع ما يستجره هذا من سلب إرادة الدول الخارجة من الحروب، وقدرتها على النهوض المستقل، واتباعها لعملية نهب مستمرة، بالقروض والديون والمحاصصات، وهذا يستلزم انهيار قدرة جهاز الدولة على التحكم.

إن انهيار العملة يؤدي بالدرجة الأولى، إلى تلاشي قيمة السيولة المالية بالعملة المحلية الموجودة لدى الدول، لتصبح الدولة فجأة غير قادرة على الإنفاق والاستثمار، عاجزة عن النشاط الاقتصادي، وحتى عن الإنفاق على الخدمات العامة، وإدارة قطاعاتها السيادية، وهو أيضاً ما حصل في لبنان، عندما بدأت الدولة اللبنانية، تمول نفسها من بيع ممتلكاتها، ونتجت عن هذا عملية خصخصة لكافة القطاعات، ولهذا فإن لبنان بعد ربع قرن من انتهاء الحرب، لم يستطع أن يصل إلى تزويد البلاد بالكهرباء بشكل مستمر، وتمت عملية تقاسم رؤوس الأموال الكبرى لموارد البلاد، وأصبحت خدمات الدولة نتاج توافق شبكة علاقات استثمارية، إن فشلت أو تعرقلت فإن الخدمات تتوقف، وهو ما يجعل القمامة تتراكم اليوم بانتظار الاستثمار المناسب.. عملياً انهيار العملة، ممهد أولي لانهيار الدولة، وجعل الخصخصة (خياراً أمثل)، للوصول إلى شكل من (إعادة الإعمار) ينتج دولة فاشلة غير قادرة على النهوض.

بعد 25 عام تقف سورية، أمام هذا المفترق كما جارتها، وينبغي التنبيه بأن هامش المضاربة يمكن أن يسرع تدهور سعر العملة السورية مقابل الدولار في ظل استمرار سياسة قائمة على لحاق السعر الرسمي بسعر السوق، بينما تتوفر بالمقابل الأسباب كلها التي تحفز المستثمرين على تسريع تدهور الليرة لتتم عملية المحاصصة، وتحفز القوى الدولية التي تنتهج استمرار الفوضى والدمار، على تسريع هذه العملية وتأمين طريقها.

السياسية الليبرالية الاقتصادية اليوم، ورعاتها هم المسؤولون عن الانهيار التدريجي لليرة السورية، وما يتبعه من نتائج وخيمة على الدولة السورية. إلا أن عالم اليوم لا يشبه عالم مطلع التسعينيات، وتحديداً الظرف الدولي، حيث أن القوى الدولية الساعية إلى تأمين الاستقرار في المنطقة، والتي تنتهج الحلول السياسية لأزمات العالم، أصبحت أقوى وتفرض وقعها، على قوى الحرب المتراجعة.. فهل سيستمر ليبراليو سورية بضيق أفقهم ولهاثهم وراء الربح، باللعب على حافة الهاوية، أم أن التغيرات العالمية ستجعل تبعيتهم، حجر عثرة صغير يستطيع السوريون تجاوزه عندما تتيح الحلول السياسية سماع الصوت المعبر عن المصلحة العامة لسورية وشعبها؟..