(شعبوية توزيع الثروة)! الإعلام يناقش الاقتصاد في الحرب
يدخل النقاش الاقتصادي اليوم معطىً رئيسياً في الإعلام السوري، الذي يتعامل مع المعطيات والتصريحات والسياسات من مواقع مختلفة، إلا أن أغلبها يأتي متقارباً ومحابياً للحكومة، أو منتقداً خجولاً لها..
جلسة المجلس الوطني للإعلام، التي كانت عبارة عن حلقة نقاشية بعنوان (الحرب الاقتصادية على سورية ودور الإعلام فيها) بتاريخ 3-5-2016، خرجت عن هذا المألوف، بمحاورها والنقاش الدائر..
ما قبل الأزمة وما بعدها..
أهمية المحاور المطروحة، حرضت النقاش في الندوة، كما حرضها أيضاً المفارقة المرّة بين دفاع الحكومة عن نفسها، وبين تدهور الواقع الاقتصادي الذي يهدد (البلاد والعباد).. تضمنت الندوة أربعة محاور رئيسية هي مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي، وعلاقتها مع الأزمة الحالية، ثم العقوبات الاقتصادية على سورية، تلاها محور دور السياسات الحكومية خلال الأزمة، ليأتي المحور الأخير وهو دور الإعلام وتفاعله مع الأزمة الاقتصادية في سورية.
استضافت الندوة الدكتور مصفى عبد الله الكفري ليتحدث حول المحور الأول، حيث قيّم المرحلة السابقة للأزمة إيجابياً، نافياً العلاقة المباشرة بينها وبين الظروف الحالية، معتبراً أن الأرقام تثبت ذلك، دون أن يستعرض هذه الأرقام، منوهاً إلى أن بعض (الأخطاء كانت موجودة)، أما في المحور الثاني، فقد أكد د. قحطان السيوفي على أن العقوبات الاقتصادية مفروضة على الشعب السوري، وأن العقوبات كان من الممكن أن تتحول إلى فرصة إنتاجية، كما في أغلب الدول التي طبقت عليها العقوبات الاقتصادية الجائرة، إلا أن هذا لم يتم في سورية حالياً.
سلمان.. مع الحكومة قلباً وقالباً
د.حيان سلمان معاون وزير الاقتصاد سابقاً، ومعاون وزير الكهرباء حالياً، قد طلب ألا يتحدث باسم الحكومة، وهو الموكل إليه المداخلة في محور تقييم سياسات الحكومة! مطالباً (بنسيان الماضي والانطلاق من اليوم)، وتمحورت مداخلته في رؤيته لإعادة الإعمار، المنشورة في بحث اعتذر عن تزويده للصحفيين، نظراً لتقدمه لجوائز في مراكز بحثية.
تجاهل معاون وزير الاقتصاد السابق، ومعاون وزير الكهرباء الحالي، للمحور الموكل إليه، والذي هو موضع اهتمام الجهات الإعلامية الحاضرة، وهذا قد أثار انتقادات، دفعت د. حيان سليمان إلى إعلان موقفه (المؤيد للحكومة قلباً وقالباً، رغم التقييمات السلبية لسياسات خاطئة تمت ممارستها). وحول ظواهر ارتفاع تكاليف المعيشة، وتوسع الفقر في سورية، علق د.سلمان بأنه يعتبر بأن (ربط المؤشرات الإنسانية بالمؤشرات الاقتصادية، هو شعبوية في علم الاقتصاد)، كما اعتبر أن ظروف الحرب تؤدي موضوعياً إلى استغلال الأقوياء للضعفاء.
أراد المجلس الوطني للإعلام أن يضمن من د. سلمان، إحدى الجانبين، إما أن يتحدث باسم الحكومة ويتم نقاش السياسات خلال الأزمة، أو أن يتحدث بصفته كباحث اقتصادي حول محور تقييم الحكومة، والجانبان لم يتحققا. حيث فرض معاون وزير الاقتصاد السابق، أن يتحدث كباحث، ولكن عن موضوع مختلف عن موضوع الندوة، وهذا كان من نقاط ضعفها.
الليبرالية أنتجت الأزمة واليوم تنتج الجوع
ركزت أغلب مداخلات الصحفيين، والجهات الإعلامية على سياسات الحكومة، وآثارها السلبية، وكان لقاسيون مداخلة تمحورت بالرد على الطرح الحكومي، والمساهمة في الإجابة عن المحاور المقدمة ونورد ما أتى فيها:
السياسة الاقتصادية الليبرالية قبل الأزمة، هي أهم أسبابها، حيث أن أرقام النمو الاقتصادي المزمع تحقيقها والبالغة 5-6% سنوياً، مشككك فيها، وأبرز ما يضحدها، هو ارتفاع نسبة الفقر التي وصلت إلى 44% في عام 2010. وهذه السياسة هي أهم أدوات الحرب الحديثة، التي تمهد لتهتك المجتمعات، وتراجع دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، وهذا ما حدث في سورية. الأسوأ أن هذه السياسة مستمرة خلال الحرب، والحكومة بالتزامها بالقرار الاقتصادي الليبرالي، لم تقم بأي إجراء استثنائي خلال مرحلة الحرب، سوى أنها عمقت من تراجع دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي عبر عقلنة الدعم، ووسعت دور قوى السوق وقدراتها. فعلى سبيل المثال: تم رفع شعار (توفير السلع وعدم انقطاعها)، وعوضاً عن السعي إلى تأمين إنتاج السلة الغذائية الضرورية محلياً، تم الاعتماد على تمويل مستوردات قوى السوق الكبرى، لتتحكم بالغذاء الضروري. وبدليل تساوق السياسات مع احتكار هؤلاء القلة، نستطيع القول، بأن مستوردي المواد الغذائية إلى سورية يسعرون مستورداتهم بأسعار مضاعفة عن السعر العالمي، لتصل بعض المواد إلى 12 ضعف، وهؤلاء لا يتجاوزون العشرات، فكيف تفسر الحكومة عدم قدرتها على تحديد هؤلاء، ومحاسبتهم على سياسات الربح من الجوع؟! نحن نفسر هذا الأمر بأن السياسات الاقتصادية الليبرالية قائمة على مصالح هؤلاء، ولا يمكن أن تتناقض معهم.
وفي الرد على مقولة (شعبوية الاقتصاد) عندما يدخل المؤشرات الاجتماعية والإنسانية في قراءة الأوضاع الاقتصادية الحالية، ينبغي التذكير بأن التقرير الأممي السنوي (التجارة والتنمية الدولية) أدرج مسألة توزيع الثروة في عناوين تقاريره خلال أعوام 2012، و 2013، وتضمنها في الأعوام اللاحقة بوضوح، حيث تحولت هذه المسألة إلى أمر حاسم في إعاقة تحقيق النمو العالمي. وبعيداً عن التقييم الأكاديمي لجانب تشوه توزيع الثروة، وما ينجم عنه من استغلال واسع، وفقر واسع، وصل حد الجوع في سورية، فإن اعتبار أن التطرق إلى هذا الجانب هو شعبوية، أمر بمثابة تبرير للاستغلال والفقر، ومقولة غير مقبولة.