من فم عمال المغازل لآذان الحكومة
يصعب على أي زائر الولوج لزحمة الأوجاع وتراكم الخيبات، التي خبأها عمال وعاملات الشركة العامة للمغازل وراء الابتسامة المستحضرة قسراً، وكلمات الترحيب الشعبية، وعفوية الملقى الأصيل، تاركين لتقاسيم وجوههم المتعبة، ولصمتهم العميق، مهمة التعبير عن صلابتهم ومشاقهم في آن معاً.
تحاول جاهداً أن تبعدهم عن آلاتهم قليلاً، كي تتفادى الضجيج وتدردش معهم، فتراهم ملتصقين بها، كيف لا؟ وهم يرون فيها وطنهم الذي يئن، ولقمة عيش صغارهم الذين يكبرون رغم أنف الأزمة وآلامها.
عمال الشركة ينتجون أجورهم
تعرضت الشركة والعاملين بها لأضرار كبيرة، جراء وقوعها في منطقة تشهد أعمال عسكرية، مما جعلها عرضة للتوقف لفترات طويلة، ورغم نسبة الخطورة العالية على العمال بقوا على رأس عملهم طالما أمكنهم ذلك، وخير دليل على ذلك أن كتلة الأجور التي يتقاضاها العمال هي من الإنتاج الذي ينتجونه، ويمكن القول بأن الإدارة وبالتنسيق مع العمال واللجنة النقابية صاغت طريقتها الخاصة من أجل تنظيم الدوام (الورديات) بما يتناسب مع ضرورات العمل.
56 عامل بين شهيد وجريح ومفقود
يبلغ عدد العاملات والعمال المسجلين في الشركة العامة للمغازل والمناسج 544 عاملة وعامل، ندب منهم 103 عمال، وتبلغ كتلة الأجور الكلية ما يقارب 25 مليون ليرة سورية، 20% منها مخصصة للتأمينات والضرائب، مما يجعل متوسط الأجور 36 ألف ليرة سورية تقريباً، وتبلغ نسبة العمال الذين تجاوزوا الأربعين من العمر 40%، وخسرت الشركة خلال سنوات الأزمة 13 شهيداً من العمال، و20 مخطوفين، فيما جرح 23 عاملاً، البعض منهم أصابه العجز من جراء الإصابة.
أول المطالب من الحكومة مباشرة
تصدر موضوع الأجور قائمة المطالب، حيث أكد العاملون على اختلاف فئاتهم وأجورهم، عجزهم التام عن تأمين احتياجاتهم المعيشية الضرورية، وعن دفع أجور بيوتهم، كون أغلبهم من المهجرين ومستغربين (تطنيش) الحكومة وأصحاب القرار لهم، وكأن هؤلاء ليسوا (عايشين) بالبلد نفسه ولا يشترون من أسواقها أو يدفعون الفواتير ذاتها التي يدفعها العمال، وأضافوا على ذلك استغرابهم من توقف التعاطي بالبطاقات التموينية، التي كانت تؤمن لهم مادتي السكر والرز بالسعر المدعوم، وعبر أحد العمال عن ذلك بالقول: أحتاج كل يوم مبلغ 150 ليرة من أجل شراء الخبز فقط، يعني (بدي 4500 ليرة بالشهر مشان الخبزات، فكيف بدي اشتري السكرات والكيلو بحيطان الـ 400 وأنا راتبي 28 ألف بس، أي شو بدهم يجننونا يعني؟)
فتح سقف الراتب وطبيعة العمل
من أبرز المطالب التي تحدث عنها العمال، والتي (انبرى لسانهم) وهم يطالبون بها، مطلب فتح سقف الراتب، فالكثير من العمال والعاملات في الشركة قد توقف ترفيعهم ووصلوا لسقف الراتب، وأصبح استمرارهم بعملهم كأنهم (يشتغلوا ببلاش)، فيما أكد عمال الأنوال والإنتاج الآلي على ضرورة موافقة الحكومة على مطلبهم المتجدد، المعني بإدراج عملهم على جدول الأعمال الشاقة والخطيرة، فهم محرومون من هذا الحق المستحق، وقد اختصر أحد عمال آلة نسيج هذا الموضوع بمقولة (يجوا يشتغلوا محلنا أسبوع بس، ويشوفوا إذا بدها القصة طبيعة عمل ولا لأ) ولم ينسوا المطالبة بتعديل قيمة الوجبة الغذائية، فـ 30 ل.س التي تعتبر بدلاً نقدياً للوجبة لا تكفي إلا لشراء بيضة واحدة وفق الأسعار الحالية، في حين من المفترض أن تكون الوجبة بيضتين ونصف كيلو حليب أو ما يعادلها نقداً.
مطالب العمال من الإدارة
تعددت مطالب العمال من الإدارة، وكان المطلب المشترك الأول لهم ضرورة تأمين وسائل نقل من وإلى الشركة، حيث يعاني أغلبهم من صعوبة الوصول للشركة، بسبب الازدحام الشديد من جهة، والكلفة المادية العالية من جهة أخرى، خاصة أن العدد الكبير منهم مهجرون من مناطق شهدت أعمالاً عسكرية، كالقابون وحرستا والتضامن، ويسكنون حاليا مناطق بعيدة عن الشركة كدمر والمزة والسومرية ودف الشوك، مما يحملهم أعباء مادية إضافية تصل لـ 200 ل.س يومياً، وترتفع لـ 400 بالنسبة للعمال القاطنين في (رنكوس) و(حفير تحتا)، ويطالب العاملون كذلك بالوجبة الغذائية، علماً بأنهم قد تلقوا وعداً بها من قبل الإدارة، في حين أن قسماً منهم قد باشر فعلاً باستلام بدلها النقدي.
نريد عمالاً شباباً وإصلاح عربات الجر
يتفق أغلب العاملين على خطوط الإنتاج على ضرورة ضخ دماء شابة في الشركة، التي تعاني من ارتفاع أعمار العمالة بشكل عام، ويقولون بأن الفترات الماضية قد شهدت نزيفاً كبيراً باليد العاملة، الشابة والفنية والمهنية، ويجب تعويض ذلك، كما طالب بعض العمال بضرورة إصلاح عربات الجر، التي كانوا يستخدمونها بجر الرولات الثقيلة من مكان لآخر، خاصة بأن هذه العملية متكررة وصعبة كون الأرضية غير مكسية بالبلاط، حيث تعطلت العربات الثلاث ولم يعد ممكناً نقل أي شيء إلا بمساعدة أربعة عمال أو أكثر، مما يؤثر على سير العملية الإنتاجية من جهة واحتمال إصابة العمال من جهة ثانية.
ماذا قال العمال ..؟
من خلال إسهابه بالحديث عن تاريخه الطويل في عمله وراء أحد الآلات يقول: لقد قضيت عشرين عاماً وراء هذه الآلة، إنها جزء مني، أنا وزملائي كبرنا مع المعمل (هاد المعمل معملنا، بس نحنا تعبنا وصار معنا كذا مرض، صار بدنا شباب فهمت علي المعمل بدو شباب!).
يخبرنا أحد الشباب، الذي لا يتجاوز عمره 27 سنة، ويعمل على آلة كبيرة عن ظروفه الصعبة قائلا: الحالة تعبانة كتير، نحنا عشرة بالبيت، أبي وأمي موظفين، وعندي شقيقين؛ بكالوريا وواحد صف تاسع، بدنا 20 ألف بالشهر مشان دراستهم، وأنا عندي قسط الجامعة لأني عم أدرس تعليم مفتوح وراتبي 17 ألف، نحنا اختصرنا الغدا ولغينا العشا وما عم تزبط معنا.
أحد العمال القدامى قال: نحنا قدمنا كتير للمعمل، قدمنا كتير للبلد، والحمد الله عشنا من تعبنا بالحلال، بس معقول نصل لهالدرجة من الفقر والتعتير! معقول نوقف على باب الجمعيات يا ابني؟! ولادنا عم يتركوا البلد وعم يتركونا ويسافروا!.
تحدث لنا أحد العمال عن تفاؤله بأن الأزمة ستنتهي قريباً قائلاً: أنا عين عالمكنة وعين عالأخبار، وحسب ما عم أفهم الحل قرب إن شالله، بس إذا ما خلصنا من الفساد ما ممكن نستفيد شي!.
وجهت لنا إحدى العاملات سؤالاً بسيطاً: (ليش عم تسألنا عن مشاكلنا إذا ما بيطلع بإيدكم تحلوها!) فأجبناها بأننا صحافة، ننقل ما تقولونه على صفحاتنا فنحن صوتكم. فقالت بحزم : (إذا كنت صادق اكتب يا ابني؛ بدنا يطلعولنا ولادنا ورجالنا الموقوفين من سنتين وثلاثة، لأنو نشف قلبنا عليهم!).
36000 ليرة
لـ 20 عام عمل بالحد الأدنى!
عدد عمال المغازل 544 عامل اليوم بينما كتلة الرواتب دون التأمينات والضرائب تبلغ 20 مليون ليرة شهرياً، أي بوسطي أجور 36700 ليرة تقريباً، أما عمال المعمل فلهم خدمة 20 عام بالحد الأدنى، منذ آخر تعيين في منتصف التسعينيات، وأجرهم الوسطي يقابله تكاليف معيشة تبلغ اليوم للأسرة في دمشق 220 ألف ليرة شهرياً!.