تدهور المؤشرات الكلية للصناعة العامة.. والوزارة (تناور) في التفاصيل!
تشهد وزارة الصناعة في موسم تقييم المؤسسات، والتشاركية، دعوة إلى تصحيح أرقام الخلل الكبير في عمل المنشآت العامة المتبقية قيد العمل، وتبحث الوزارة في التفاصيل الجزئية للعمل الصناعي العام التي تخفي وراءها هدراً وفساداً، إلا أنها تترك وراءها الأرقام الكبرى، التي يعني تغافلها استحالة تحقيق نمو أو إيقاف التدهور في الناتج الصناعي المحلي..
عشتار محمود
يقول وزير الصناعة السوري في لقائه الصحفي حول تقييم أعمال المؤسسات التابعة للوزارة: أن نسب الهدر كشفت بأن بعض الشركات تضاعف التكاليف بنسبة 100% في جزء من أعمالها، ويقول: بأن أخرى تخطط على أساس الخسارة، أي لا تحدد نقطة التعادل بشكل دقيق، ما يجعلها لا تعلم ما هو حجم طاقة العمل التي يجب أن تعمل بها، لتصل إلى تجاوز الخسارة، وتحقق الربح بعدها، وبعض الشركات الأخرى، تعيد تقييم مخزونها من المنتجات غير المُصرّفة في أعوام سابقة، بالأسعار المرتفعة لمنتجاتها في العام الأخير، وتخفي بهذه الطريقة خسائرها، وغيرها من التفاصيل التي تشير فعلاً أن المشاكل المرتبطة بتفاصيل إدارة العملية الإنتاجية، ذات تأثير هام على قدرة الصناعة العامة على تحقيق الخطة..
تدهور المؤشرات الكلية..
وهنا نتساءل: ماذا عن إيقاف التدهور المستمر في كل المؤشرات الكلية؟
الناتج الصناعي العام، القوى العاملة وإنتاجيتها، رأس المال الثابت وتدهوره سنوياً؟! إن مجمل هذه المؤشرات هي التي تحدد بالدرجة الأولى إمكانية إيقاف التدهور من عدمه، وبالتالي إمكانية النمو من عدمه، ليأتي أثر الهدر في الدرجة الثانية..
بالاعتماد على بيانات نشرها موقع الصناعي السوري، من ورقة عمل قدمت حول الصناعة السورية، لمجموعة العلوم الاقتصادية، يمكن أن نقدم مجموعة من المؤشرات الضرورية التي تعكس واقع وإمكانيات النمو الصناعي، أو عدم التدهور:
-35% خسارة رأس المال الثابت
أشار معاون وزير الصناعة إلى أن حجم الأضرار المباشرة في القطاع الصناعي العام بلغ: 365 مليار ل.س، أي حوالي 970 مليون دولار، (سعر صرف رسمي 375 ل.س/$)، وهذا الرقم يجب مقارنته مع مجموع قيمة رأس مال هذه المنشآت قبل الأزمة، والبالغة حوالي 140 مليار ل.س في عام 2010، أي 2,8 مليار دولار: (سعر صرف:50 ل.س/$)، وفق ما تشير إليه بيانات المكتب المركزي للإحصاء حول المجموع التراكمي لرأس المال في الصناعة السورية التحويلية العامة.
وبمقارنة الرقمين تكون الصناعة العامة، قد خسرت 35% تقريباً من رأس مالها الثابت، خلال خمس سنوات، بمعدل خسارة سنوية وسطية -7%.
-30% خسارة العمال
أما عمال القطاع العام الصناعي فقد تراجع عددهم أيضاً خلال السنوات الخمس، فبعد أن بلغوا 72 ألف عامل في عام 2010، تراجعوا إلى 50 ألف عامل حتى نهاية شهر 9-2015، بخسارة 22 ألف عامل تعادل 30% من عدد العمال، في 2010، أي أن القطاع العام الصناعي كان يخسر سنوياً: 6% من عماله، أي حوالي 4400 عامل.
-91% خسارة الناتج الصناعي العام
أما الناتج المحلي للصناعة العامة فقد شهد أعلى نسب التراجع، حيث كان الناتج الصناعي المحلي العام في 2010: 61 مليار ليرة، دون الصناعة الاستخراجية، ووصل في عام 2014 إلى 28 مليار ليرة*، أما بالدولار فإن الناتج الصناعي العام انخفض من 1,22 مليار دولار في عام 2010، وصولاً إلى 112 مليون دولار (بسعر صرف رسمي 50 ل.س/$ في عام 2010، وسعر 250 ل.س/$ في 9-2015).
أي أن الناتج المحلي الصناعي تراجع خلال خمسة أعوام، بمقدار 91% عن ناتج عام 2010، أي أنه كان يفقد سنوياً 18% من قيمة ناتجه، حتى أصبح ناتج عام 2015 يعادل أقل من 9% من ناتج عام 2010.
لا تراكم .. لا نمو !
إن المشاكل الكبرى لقطاع الصناعة العام، وتراجع ناتجه، بنسبة 90%، ينبغي أن يكون موضع بحث وزارة الصناعة، مع الحكومة من موقع مسؤوليتها، في صياغة أهداف السياسة الاقتصادية للقطاع، والأرقام الكلية له، وليس فقط متابعة الأداء الجزئي.
فعلى سبيل المثال، إذا لم تضع وزارة الصناعة هدفاً بتخصيص نسبة تراكم واستثمار عالية من هذا الناتج، فإنه من غير الممكن تحقيق نمو، وتوسع عن النتائج الحالية، وسيكون تخفيف الهدر والفساد، هو تحكم بحجم الخسارة بأفضل الأحوال!.
فلماذا لا تضع وزارة الصناعة هدفاً لنسبة تراكم من الناتج الصناعي العام، لتوسع بها العملية الإنتاجية، وتؤمن بداية الحلول لبعض المشاكل الكبرى، مثل الكهرباء، ونقص العمالة الفنية، وتراجع أعداد العمال وإنتاجيتهم مع تآكل أجورهم، ومثل تعويض النقص بالآلات، وتجديد بعضها، وإضافة خطوط إنتاج يعمل عليها العمال الذين تعدهم الوزارة عمالة فائضة!؟
إن تخصيص نسبة تراكم 25% من الناتج الصناعي المحلي، يعني تخصيص مبلغ: 28-30 مليون دولار من أصل ناتج أنتجته المعامل العامة يبلغ 112 مليون دولار، يؤدي حتماً إلى تحقيق نمو في الناتج وإيقاف التدهور، حتى لو كانت إنتاجية رأس المال لا تتعدى 5%، أي كل ليرة مستثمرة تحقق 5 ليرات ناتج فقط!. أما طالما أن رأس المال الثابت يتآكل في الصناعة العامة، فمن المستحيل أن يتحقق نمو، أو يتوقف التدهور الناتج.
هل تصحح الأرقام ليتحفز المستثمرون؟!
إن الحديث عن تصحيح الأرقام الجزئية في الصناعة وتجاهل الأرقام الكلية المرتبطة بسياسة الاستثمار قد يشي بأن الهدف (تجميل) الشركات وليس (تشغيلها)، وقد يكون لهذا ارتباط بعرض أغلب المعامل العاملة على التشاركية، وعدم الوصول إلى اتفاقات حتى الآن!
حجة التشاركية هي نقص التمويل، إن الحكومة لا تمول هذه المنشآت، بل تضع أرقام اعتمادات فقط لا غير في موازناتها، لتقوم الشركات بالإنفاق من أموالها ضمن حدودها! وما على الحكومة إلا أن تترك للشركات أن تمول نفسها بالناتج الذي تحققه، وبنسبة التراكم والاستثمار التي تضمن لها تحقيق نمو ولو بالحدود الدنيا، وبعدها يمكن للمراقبة أن تفي بالغرض..
هامش:
*تم تقدير الناتج المحلي الصناعي العام لعام 2015 بمقدار: 28 مليار ليرة، بناء على تصريح لوزارة الصناعة بوصول الناتج في نهاية الربع الثالث من العام، 30-9-2015 إلى 21 مليار ليرة سورية، وإضافة تقدير الربع الرابع، وفق وسطي الناتج في الأرباع الثلاثة الأولى أي 7 مليار ل.س.
لماذا لا تطالب الوزارة بحق مؤسساتها من الوقود والكهرباء!؟
تعتبر انقطاعات الكهرباء واحدة من المشاكل الكبرى لقطاع الصناعة العام، وهي تؤدي إلى ارتفاع الكلف، وتساهم بنسبة من الهدر، في الآلات التي تحتاج إلى إعادة تحمية مع كل انقطاع للتيار، أو التي تؤدي إلى هدر في انقطاع سلسلة إنتاجية ما، لذلك فإن واحدة من طرق تخفيف الهدر، هي تأمين الكهرباء التي تحتاج فقط للوقود بحسب وزارة الكهرباء، فلماذا لا تطالب وزارة الصناعة بحصتها كاملة من مخصصات الوقود، طالما أنها مدفوعة من الناتج المحلي الذي تحققه الصناعة، وطالما أن الشركات تمول نفسها، وتدفع للحكومة ضرائب وفوائض؟!
تكاليف مضاعفة كمية الوقود المخصص للصناعة العامة قد لا تتجاوز 6 مليون دولار، وقد استخدمنا في تقديرها التكاليف المعيارية التي تؤكد عليها وزارة الصناعة، حيث أن إنتاج كل 1000 دولار من الناتج المحلي السوري في عام 2013، يحتاج إلى 0,12 مكافئ نفطي، كما تشير إحصائيات الطاقة الدولية (iea statistics) وعليه فإن الناتج المحلي الصناعي العام في عام 2015 والبالغ 112 مليون دولار، استهلك قرابة: 13,4 مليون مكافئ نفطي، وهي تعادل تكلفة 100 ألف برميل نفط تقريباً، تكلفتها العالمية في بداية عام 2016، وبسعر 30 للبرميل، لا تتجاوز 3 مليون دولار، ومضاعفتها، التي قد تلغي تقنين الكهرباء للصناعات العامة، يكلف 3 مليون دولار إضافية!. و 6 مليون دولار للكهرباء لا تتجاوز 5% من قيمة الناتج الصناعي العام، فلماذا لا تطالب الصناعة، بحق مؤسساتها ومعاملها من مخصصات الناتج الذي ينتجه عمالها في الظروف الحالية!؟ وهذه واحدة فقط من المشاكل الكبرى التي يجب أن تتصدى لها الوزارة، قبل المؤسسات والمعامل.!