الدواجن خسائر المزارع في 40 يوم 750 ألف..
انخفضت أسعار الفروج وارتفعت أسعار البيض، وفي تقلبات الأسعار هذه وعلى طول خط الأزمة السورية يتزايد تهديد هذا القطاع الاقتصادي الهام، وتبرز الأصوات الساعية والداعية لاستبدال الإنتاج المحلي بالاستيراد، وتبقى المعادلة محصورة بخسارة إما المستهلك أو المزارع وسط غياب الدعم أو مشروع الإنقاذ من واضعي السياسات الذين (يطربهم نغم) الاستيراد.
يتعرض إنتاج الدواجن خلال الشتاء إلى انكسارات بشكل متواتر، إلا أن ضعف إمكانيات المنتجين الصغار والمستهلكين على التكيف مع التغيرات السلبية وتحديداً تدهور قيمة الليرة، تجعل من كل شتاء يأتي أكثر صعوبة وخطورة من سابقه على الإنتاج العام دافعاً بالمنتجين إلى خارج السوق.
انخفض سعر كغ الفروج في السوق السورية ليبلغ التسعير الرسمي من وزارة التجارة الداخلية وفرعها في دمشق بمقدار 525 ل.س للكغ، وهو الذي كان يبلغ 615 ببداية شهر 1-2016، وهذا المستوى من الانخفاض يبقي سعر الكغ أعلى من إمكانيات عموم المستهلكين، إلا أنه يؤدي إلى خسائر محتومة للمزارعين المنتجين.
بينما ارتفع سعر صحن البيض (30 بيضة) من 800 ل.س، إلى قرابة 1000 ليرة.
فما هي تكاليف الإنتاج على المربين في شهر 2-2016 وكيف توزعت وأين يقع العبء الرئيسي؟
1000 ليرة للطير الواحد..
و 5 مليون للفوج!
تربي المداجن الصغيرة والمتوسطة قرابة 5000 طير، في الفوج الواحد البالغ 40 يوم تقريباً، وبافتراض أن الوزن الوسطي للطير هو 2 كغ، واستهلاكه من العلف 4,5 كغ خلال الفوج فإننا نستطيع أن نصنف التكاليف على الطير بالشكل التالي:
الأعلاف: تتكون أعلاف الدواجن من الذرة الصفراء، وكسبة الصويا، بالإضافة إلى مجموعة من المتممات الغذائية الإضافية، الأعلاف التي تستورد مستلزماتها الرئيسية، وتصنع تصنيعاً محلياً بعمليات جرش وزيادة المكملات وتبخير وكبس وتغليف، هي الوزن الرئيسي في تكلفة إنتاج الدواجن، حيث تبلغ أسعارها المحلية اليوم قرابة 155-160 ل.س للكغ، بعد أن كانت في العام الماضي حوالي 95 ليرة للكغ من العلف الجاهز، هذا الارتفاع يجعل تكلفة 4,5 كغ وهي حاجة الطير الواحد من الغذاء قرابة 700 ل.س.
الصوص: تبلغ تكلفة الصوص المنتج محلياً حوالي 125 ل.س وفق السعر الوسطي اليوم.
الأدوية: تبلغ تكاليف الأدوية البيطرية، واللقاحات، ومواد التطهير، حوالي 100 ل.س تقريباً للطير.
تدفئة ومستلزمات أخرى: تبلغ تكاليف مستلزمات التدفئة المعتمدة على الوقود لمولدات الكهرباء في ظل انقطاعها، مع تكاليف النشارة التي تفرش للدواجن، إضافة لتكاليف المياه حوالي 125 ل.س للطير الواحد.
العمالة: أما تكاليف العمل الزراعي فتعتبر هامشية، بالقياس إلى التكاليف الأخرى، ويعود هذا إلى أن جزءاً من المزارعين المالكين يساهم في الإنتاج مباشرة، ويعود بالدرجة الأولى، إلى أن أجور العمل الزراعي في سورية شديدة الانخفاض، والسائد في هذا القطاع أن تكون العمالة الزراعية مكونة من أسرة كاملة، تتقاضى أجراً لا يتعدى 60-70 ألف ل.س خلال فترة شهرين أو أقل، وهذه التكلفة لا تتعدى 0,7% من التكاليف الإجمالية للفوج ولا تؤثر إلا بهذه النسبة على كلفة الطير والكغ.
وبجمع هذه التكاليف فإن تكلفة إنتاج الطير الواحد تبلغ في الحدود الوسطية المذكورة في شهر شباط مقدار: 1050 ل.س للطير، أي حوالي 525 ل.س للكغ، وهذا سعر التكلفة من المدجنة.
خسارة 750 ألف ليرة خلال 40 يوم!
أما السعر الذي يبيع به المربون لسوق التوزيع اليوم، يتراوح قريباً من سعر 450 ل.س للكغ، بزيادة أو نقصان لا تتعدى 20 ل.س عن هذا السعر الوسطي.
ما يجعل خسارة المربين تبلغ 75 ل.س في الكغ، فإذا ما أنتج الفوج الصغيرة 5000 طير بوسطي 2 كغ، فإن الخسارة تبلغ خلال 40 يوم: 750 ألف ل.س.
وبمرور فوجين خاسرين، فإن خسائر المربين تبلغ مليون ونصف خلال شهرين وعشرين يوم، ما يجعلهم غير قادرين على سداد ديونهم لموردي مستلزمات الإنتاج، وغير قادرين على إعادة تجديد إنتاجهم بدورة تربية جديدة، ويخرج صغار المنتجين من عملية الإنتاج، إذا ما استمرت عمليات الخسارة.
عادة ما يعوض المربون بأسعار البيض نسبياً، إلا أنه حتى في ظل أسعار البيع التي تعتبر مرتفعة حالياً، والتي تقارب 900-1000 ل.س للصحن، فإن أسعار التكلفة تقارب هذا الحد، والأرباح إن وجدت فهي هامشية، وغير قادرة على تعويض خسارة بيع الفروج.
الأعلاف والمستوردات
80% من التكلفة
عملياً تشكل المواد المستوردة سواء الأعلاف أو الأدوية، نسبة 80% من تكاليف العملية الإنتاجية، ما يجعل تغيرات التكاليف والأسعار مرتبطة إلى حد بعيد بتغيرات سعر الصرف، أي ارتفاع الدولار وتراجع الليرة، إلا أن الأعلاف تبقى العبء الأكبر، بنسبة 70% من التكلفة.
أسعار مكونات العلف الرئيسية من المنتجين والموزعين الرئيسيين في السوق السورية في شهر 1- 2016 مستمرة في شباط 2016، بلغت في السوق السورية مستويات تفوق الأسعار العالمية بنسب عالية جداً، كما أن الأسعار المحلية تستمر بالارتفاع بينما العالمية اتجهت نحو الانخفاض طوال العام الماضي، كما تشير البيانات الدولية الموثقة بأرقام البنك الدولي.
فسعر الذرة الصفراء محلياً 90 ليرة سورية للكغ، بينما انخفضت الأسعار العالمية منذ منتصف العام من: 180 دولار للطن في شهر تموز 2015، وصولاً إلى 164 دولار للطن بتاريخ 12- 2015، أما سعره بتاريخ 9-2-2016 بالبورصات العالمية فقد بلغ 142 دولار للطن.
منخفضاً بنسبة 21% خلال 6 أشهر، وبسعر صرف 380 ل.س/$- فإن سعر الطن يبلغ: 54000 ل.س، وسعر الكغ: 54 ل.س، بينما سعر الكغ في سورية يبلغ اليوم: 90 ل.س!.
والفارق: 36 ل.س للكغ، أي أن الأسعار في سورية أعلى من الأسعار العالمية بنسبة: 66% وأي هامش للنقل والتجارة لن يستطيع أن يغطي هذه التكاليف المرتفعة!
أما أسعار كسبة الصويا عالمياً فقد انخفضت من 350 دولار للطن في منتصف عام 2015، وصولاً إلى 290 دولار للطن بتاريخ 9-2-2016، بمقدار: 17%.
أي أن سعر الطن العالمي اليوم: 110 آلاف ل.س، وبسعر صرف 380 ل.س/$، أي أن سعر الكغ العالمي اليوم، يبلغ: 110 ل.س، بينما السعر في السوق السورية 190 ل.س، والفارق: 80 ل.س للكغ، أي الأسعار في سورية أعلى من الأسعار العالمية بنسبة: 72%.
أسعار الذرة الصفراء وكسبة الصويا المنخفضة عالمياً، يقابلها في السوق السورية، ارتفاع كبير في أسعارها محلياً، بنسب تسير مع تغيرات سعر الصرف، دون أخذ انخفاض الأسعار العالمية بعين الاعتبار، حيث نسب الارتفاع تفوق 7 أضعاف في كلا المنتجين الرئيسيين، فالذرة انتقلت من 11 ليرة للكيلو في عام 2011، وصولاً إلى 90 ليرة سورية، أما كسبة الصويا فقد ارتفعت من 23 ليرة للكيلو وصولاً إلى 190 ليرة.
تراجع الإنتاج:
89% للبيض 77% للفروج
كشف المستشار الفني لاتحاد غرف الزراعة السورية، أن إنتاج سورية من البيض لم يعد يتجاوز 600 مليون بيضة سنوياً، وبعد أن كان يصل إلى 5,5 مليار بيضة في 2010، بانخفاض 89%، كما انخفض إنتاج الفروج من 180 ألف طن سنوياً، إلى 35-40 ألف طن في الوقت الحالي، بانخفاض 77%.
دعم الأعلاف.. خيار وحيد
إن ارتفاع الأسعار المحلية لمكونات أعلاف الدواجن الرئيسية، بنسب أعلى من ارتفاع أسعار الصرف المحلية، وبنسب أعلى من نسب التضخم، يعكس تضخيم الأسعار المحلية من قبل المستوردين الممولين بالقطع الأجنبي من المصرف المركزي، مستفيدين من ظروف الفوضى وإمكانيات فرض أسعار احتكارية أعلى، لتبقى الأسعار السورية معاكسة لاتجاه الأسعار العالمية للذرة الصفراء وكسبة الصويا التي انخفضت خلال السنوات الخمس الماضية، أما الدولة فتكتفي عبر مؤسستها العامة للأعلاف بتأمين مقنن علفي لا يتجاوز نسبة 12% من الحاجات الإجمالية للمربين، لتكون مبيعاتها الإجمالية خلال عام 2015 لا تتجاوز 7 مليار ل.س، معتمدة في استيراد مستلزماتها على التجار أيضاً.
إن تعداد منتجي الأعلاف المحلين لا يتعدى العشرات، فعددهم في محافظة طرطوس التي توسع القطاع فيها خلال الأزمة، والقريبة من مرافئ الاستيراد لا يتعدى 50 منتجاً، مما يتيح للحكومات لتنسيق عملية دعم حاجات هؤلاء من الذرة الصفراء وكسبة الصويا، بنسبة 50% يؤمن للمزارعين تخفيض كلف تربية الدواجن بنسبة 35% أي نصف تكلفة الأعلاف البالغة 70%، فعلى سبيل المثال تأمين دعم بمقدار نصف السعر لحاجات الذرة الصفراء التي قدرت في عام 2015 بمقدار 800 ألف طن إجمالي، تبلغ وفق أسعار العام الحالي 22 مليار ل.س دعم حكومي، لقطاع لا يزال ينتج بمقدار: 18 مليار ل.س للبيض، ومقدار 20 مليار ليرة للفروج بكميات وأسعار عام 2015.
القرارات الحكومية التقشفية لن تذهب إلى خيار الدعم المباشر لتكاليف الإنتاج، وعزلها عن تأثيرات الاستيراد وسعر الصرف، أو إيجاد آلية لتكييف أسعار الاستيراد وتخفيضها مع الأسعار العالمية، بل يبدو أنها ستلجأ إلى الخيارات التي يفرضها ترك القطاع لمصيره في سوق تعمها الفوضى والخسائر، مما سيجعل خيار استيراد الفروج أو البيض جاهزاً هو (الخيار المنطقي) مع تضخم الكلف وعدم السعي إلى ضبطها.
قطاع الدواجن كان يشغل نسبة تبلغ 20% من القوى العاملة السورية قبل الأزمة، واستطاع أن يستمر في الظروف الحالية نتيجة عوامل مرونة قائمة على أنه يحتاج إلى رأس مال بسيط، ويعتمد على قوة عمل سورية (رخيصة)، وعلى توسع استهلاك السوريين للغذاء البروتيني الرئيسي الذي بقي نسبياً يناسب أجورهم المتدنية التي لا تمكنهم من شراء اللحوم الحمراء، واعتمد أيضاً على تراكم في الخبرة والتجربة والاختصاصيين، وسوق واسعة لتامين المستلزمات، إلا أنه يفتقد تدريجياً لأي دعم حكومي، هذا الذي يتحول إلى مفصل رئيسي في لحظة التراجع الحالية، فإما أن يخرج مجمل صغار المنتجين بشكل تدريجي أو إجمالي، وتحديداً مع سعر الصرف الذي يترك للارتفاع حالياً، وإما أن تساهم الدولة بدعم تكاليف الإنتاج الرئيسية، وما من خيار ثالث، إلا الخيار الذي يروج له بعض المسؤولين الحكوميين من دعاة مقولة: (أصبح الاستيراد الجاهز أرخص..!).