نزار عادلة نزار عادلة

رضوخ حكومي لمطالب التجار والسماسرة.. يقابله تجاهل لمطالب الشعب

محاباة التجار كانت قاعدة التخطيط والتنفيذ للحكومات السابقة، وهذا ما تفعله الحكومة الحالية بعد كل تراجع عن قرار متخذ، فإصدار القرار الحكومي القاضي بتعليق استيراد المواد التي تزيد رسومها الجمركية عن /5%/ أثار غضباً وسخطاً كبيرين لدى التجار والسماسرة، وكذلك لدى وكلاء الاستيراد، وقد وجهت غرف الصناعة والتجارة، وتحديداً غرف صناعة وتجارة حلب مذكرات إلى الحكومة السورية تندد وتستنكر فيها القرار الحكومي، بل وتهدد أيضاً..

استجابة حكومية سريعة

 استجاب وزير الاقتصاد سريعاً، وألغى قرار تعليق استيراد المواد لإرضاء وكلاء الاستيراد والتجار، وقبل غضب التجار والسماسرة، وبعد ثلاثة أيام من القرار الحكومي العتيد، أصدرت وزارة الاقتصاد قراراً استثنت بموجبه /50/ مادة يحتاجها المواطن ولا تنتجها الصناعة المحلية وتزيد رسومها عن /5%/، والحقيقة تقول، إن هذه المواد لا يحتاجها المواطن، وهي جوز الهند، وجوز البرازيل، والأناناس، والكمثرى، ومثيلات هذه المواد التردد في اتخاذ القرار، والسرعة في اتخاذ القرار، والاضطراب في اتخاذ القرار..

 

محرقة اقتصادية

محرقة اقتصادية يعيشها المواطن السوري منذ أن تبنت القيادة والحكومة السابقة اقتصاد السوق، حيث تحول الاقتصاد لخدمة مصالح قلة من التجار والسماسرة، وهو الاقتصاد الوحيد في العالم الذي ضرب الصناعة، والزراعة، لمصلحة التجار والاستيراد، وهو الاقتصاد الوحيد في العالم الذي عمل خلال سنوات على خلق فئات طفيلية، وتكريم هذه الفئات، وهو الاقتصاد الوحيد في العالم الذي يقف عاجزاً عن وضع حد للمهربين الذين يعملون علناً، وكذلك فشل في إيقاف المتهربين من دفع ضرائبهم للخزينة العامة، والذين أقاموا مشاريع استثمارية وهمية على الورق، وأخذوا قروضاً من مصارف الدولة بالمليارات.. الحكومة السابقة والحالية وقفتا عاجزتين عن وقف تهريب المازوت، وحسب وزير النفط فإن نسبة التهريب تصل إلى نحو /30%/ من كميات الاستهلاك، وهذه الكمية تسجل على أنها مباعة، وعندما سأل نقابي الوزير: لماذا لا تقيمون محطات للدولة؟! فأجاب الوزير: مافيا التهريب تهددهم بالقتل ولا نستطيع حمايتهم!

 

استثمار الموانئ  يهدد الأمن الوطني

تجاهل حكومي آخر لمطالب السوريين، إذ لم تعط الحكومة السابقة أذاناً صاغية عندما قال أحد القادة النقابيين، إن المرافئ السورية قادرة على النهوض، ويمكنها أن تحقق نمواً أكبر، وتعمل بطاقة إنتاجية أكبر خاصة بعد أن تم توريد روافع حديثة ومتطورة بقيمة أكثر من /26/ مليون دولار، وبتمويل ذاتي من المرفأ مع العلم أن أرباح المرفأ بحدود /3/ مليار ل.س سنوياً، واستطرد: إذا كان هناك غيورون في الفريق الاقتصادي حقاً، ويريدون رفع الإنتاجية بطرح المرافئ للاستثمار والخصخصة، أما كان الأجدى بهم لإثبات حسن نيتهم إصدار تشريع يتميز بالمرونة الكافية التي تعطي الإدارات الحرية في تحفيز العامل، ورفع كفاءته؟ وقال: كلنا يعلم أنه عندما أرادت دولة الإمارات العربية المتحدة استثمار ستة موانئ أمريكية، قامت قيامة الكونغرس الأمريكي بحجة أنه يهدد الأمن القومي الأمريكي، ويفتح المجال لدخول سلاح يستخدم ضد أمريكا، وهنا لا بد من التساؤل: ألم يهدد استثمار الموانئ السورية الأمن الوطني السوري؟! ألا يهدد تأجير حدود الوطن الأمن والسيادة الوطنية؟! وهذا السؤال برسم القيادة السياسية!...

 

الحكومة فشلت في إدارة الاقتصاد

لم تستجب الحكومة السابقة لمطالب العمال الشرفاء، واستجابت الحكومة الحالية لمطالب السماسرة والتجار، الآن يتحدث البعض في الحكومة الحالية عن أن الحكومة السابقة فشلت في إدارة الاقتصاد الوطني، وفشلت في تحقيق نمو اقتصادي، وفشلت في محاربة التهريب، ومنع التهريب الضريبي، وعملت بقراراتها على توسيع حجم البطالة، وأدى لإفقار الشعب من خلال زيادة الأسعار، وزيادة الضرائب على الفقراء. فالحكومة السابقة انتهجت سياسة اقتصادية ليبرالية، وجعلت من الاقتصاد السوري حقل تجارب للوصفات الجاهزة التي أملاها صندوق النقد، والبنك الدولي، والذي قدم المديح والثناء للحكومة السابقة نتيجة سياستها الاقتصادية، وكانت الحكومة مبتهجة لهذا المديح، وهو يجر مصير الاقتصاد الوطني نحو خط الانحدار، فخرجت أرقام العجوزات، وتراجع مخزوننا من العملات ومن المحاصيل الاستراتيجية، وما كان يكفينا لعدة سنوات بدأ بالتراجع والنضوب، كالقمح الذي تقاعست مؤسسة الحبوب عن استلام /1.5/ مليون طن عام 2008 بحجة أنه مصاب بداء العفن، وذهب هذا الرقم إلى التجار ليتحكموا بالسوق ومن ثم بيع المتبقي إلى مؤسسة الحبوب.

أليست هذه صفقة فساد إبطالها من السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السابقة أدت إلى تمركز الثروة بين شريحة ضيقة تمثل البورجوازية السورية الجديدة، والتي تكون الهرم المالي المرتبط عضوياً بالاحتكارات العالمية، والتي حولت الجزء الأكبر من المدخرات والمداخيل إلى الخارج؟!

تزايدت حدة التفاوت الاجتماعي، وتوسعت ظاهرة الفقر والبطالة، وأعلن عن استحالة إصلاحه، والهدف إعادة نهب البلاد، وتساءلنا خلال سنوات: ماذا يعني رفع الدعم عن المواد الأساسية؟! وماذا يعني ضرب مكتسبات العمال؟! وماذا يعني تفاقم الفساد والناهبين لقوت الشعب وعدم مساءلتهم ومحاسبتهم؟! وماذا؟! وماذا؟!  ولم نلق رداً!!

 

استجابت الحكومة لمطالب الغرف

استجابت حكومة سفر الحالية لمطالب غرفة صناعة وتجارة حلب، الآن مصالحهم مهددة، وتراجعت عن قرارها، وكنا نأمل أن تستجيب الحكومة لمئات المذكرات التي رفعت من إدارة ونقابة شركة الإطارات المتوقفة عن العمل والإنتاج منذ أكثر من عام، وهي تطالب بمنحها قرضاً لا يتجاوز /200/ مليون ل.س، ولم تستجب الحكومة لذلك، وكنا نأمل أن تستجيب الحكومة لمطالب القيادات النقابية بإخراج عشرات المشاريع التي طرحت لإصلاح شركات القطاع العام، وهي الآن نائمة في الأدراج. وكنا نأمل بقرارات تصب في مصلحة أكثرية الشعب السوري، فلا قرارات تصب إلا في مصلحة حفنة من التجار والسماسرة.