أليس من الأفضل تكرير البترول السوري محلياً؟!
د: محمد حسن د: محمد حسن

أليس من الأفضل تكرير البترول السوري محلياً؟!

أليس من الأفضل تكرير البترول السوري محلياً؟! ومن ثم بناء محطات حرارية لتوليد الكهرباء والعمل على تصدير الكهرباء مباشرة كسلعة نهائية!.. أليس هذا أفضل من تصدير البترول السوري بقروش زهيدة؟! تساؤلات طرحها الأستاذ حسين باشا في السابق، فالفكرة ممتازة، ونحن نرضى بالقليل أولاً، وهي تأمين حاجة سورية، ومن بعدها نفكر  بإمكانية  تصدير الكهرباء..

استنزاف الاحتياطي النقدي

في سورية نصدر البترول الخام بقروش زهيدة، لنعود ونستجدي استيرادها كمشتقات نفطية من دول العالم بسعر عال أعلى بكثير من ثمن الخام المصدر، وهذا يستنزف الاحتياطي النقدي الأجنبي لدينا، خاصة وأن المشتقات النفطية، و تحديداً المازوت مدعوم من جانب الحكومة.. فسورية تملك مصفاتين للبترول في كل من حمص وبانياس، ولكن إنتاجهما  لا يكفي حاجات السوق المحلية، وعلى سبيل المثال سورية تستورد سنوياً من مادة المازوت بـ 60 مليار ليرة سورية، ونستورد كيروسين (وقود طائرات) بـنحو 10 مليار ليرة سورية، ونستورد غاز منزلي (بروبان أو بوتان) بما يقارب 15 مليار ليرة سورية، فإنه غير مقبول أن نصدر وسطياً 150 ألف برميل نفط بشكله الخام في العام الواحد، وأغلبها للدول الأوروبية، لنعود ونستورد مازوت ومشتقات أخرى، بقيم تصل إلى مليارات الدولارات سنويا.

 

خطة لإيقاف هذا النزيف!

ليس الوقود فقط الذي يستنزف الاحتياطي النقدي السوري وإنما مشتقات نفطية أخرى وعلى سبيل المثال بولي بروبلين وستيرين، ونستورد منه بـ 12 مليار ليرة سورية سنوياً، ومادة  برولي ايتلين ويستورد منه بـ 13مليار ليرة سورية وأغلبها من السعودية، هذه السلع النفطية تشكل إرهاقا للاحتياطي النقدي من خلال الاعتماد على استيرادها، وبإمكان سورية بناء المصافي البترولية لايقاف هذا النزيف، وبناء المصانع البتروكيميائية، والتحول من دولة مستوردة لهذه المشتقات إلى دولة مصدرة لها، دون أن ننسى أن هذه المصافي والمصانع البتروكيميائية سوف تؤمن فرص عمل مهمة لهذا الجيش الكبير من العاطلين عن العمل، والذي هو نتاج الحكومات السابقة، ومركز الإحصائيات المتواطئ معهم، والذي كان ينشر إحصائيات كاذبة في مرحلة الحكومة السابقة.. فكم كان من المضحك إعلان الدردري في السابق بأن عدد العاطلين عن العمل في سورية، وبناءً على الإحصائيات الرسمية بلغ 7%، بينما كان عدد العاطلين عن العمل في فرنسا حينها 13%، وفي إسبانيا 16%...

 مشروع استراتيجي حبيس الأدراج

اليوم وبعدما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على القطاع النفطي السوري، تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً لمثل هذه المشاريع، أقله بناء مصفاة نفطية ثالثة، وذلك لدعم الاكتفاء الذاتي الذي اعتادت سورية أن تنتهجه طيلة العقود الماضية، والذي يضمن قبل كل شيء استمرار سياسة الدعم على أسعار المشتقات النفطية.. فمنذ زمن طويل والحديث يدور عن إنشاء مصفاة ثالثة، ولكن مرت خمس سنوات، وأصبحنا في منتصف عام 2012، ولم يحدث شيء من هذا، ونحن وقعنا بالفخ بعد فرض العقوبات علينا، فمن ذاك المخطط الذي أخفى بالأدراج مشروع المصفاة الثالثة؟! وترك هذا المشروع الاستراتيجي حبيس الأدراج!

 

خطّة واقعية

معالجة ما نعانيه من أزمة على هذا الصعيد، تقتضي وضع خطط متوسطة وبعيدة الأمد، والتي يجب أن توضع ضمن إطار استراتيجي، يضمن الوصول إلى نتائج حقيقية على مستوى الاقتصاد الكلي، وذلك من خلال المباشرة ببناء المصفاة الثالثة الآن أولاً، والتوجه شرقاً، والبحث وبصفة مستعجلة عن من يساعدنا في البدء ببناء هذه المصفاة، على أمل الخروج من هذه الأزمة، وخاصة بعد فرض هذا الحظر النفطي على سورية، ومن الآن، وإلى حين انتهاء بناء هذه المصفاة، فإنه من الأفضل التعاقد (بطريقة الاستئجار) مع مصافي في الاتجاه الشرقي أو إيران لتكرير النفط السوري، وتغطية حاجة البلاد من المشتقات النفطية إلى حين إنشاء المصفاة الحلم، وهذا أمر ليس بالمستحيل، كما أنه لا بد من العمل على استقدام مخططين حقيقيين من ذوي الاختصاص، ليعملوا على تخطيط لبناء المصفاة الثالثة، دون أن ننسى المصانع البتروكيميائية، والتي نستورد منتجاتها الآن من السعودية، أليس الشباب السوري أحق بهذا المال المهدور في السعودية ليوزع فيها على الهنود والباكستانيين؟!. ويجب عدم إغفال أو تأجيل بناء هذه المصانع البتروكيميائية، وبنائها جنباً إلى جنب مع مصفاة الحلم التي ننتظرها لإنقاذنا.

 

هذا الأمر يذكرني عندما قام مخططونا العباقرة ببناء معمل لتكرير السكر الأحمر، وبعد الانتهاء منه والعمل فيه، تبين لهم بأن سعر السكر المنتج فيه أغلى من السعر العالمي بكثير، وبالطبع كان هذا نتيجة الهدر والسرقة والمحسوبيات في التعيين، أضف إلى ذلك، بأن معامل تكرير السكر العالمية يوجد بجوارها معامل تستعمل مخلفات تكرير السكر، وتستخلص منه مواد كيميائية كثيرة منها الكحول، وبعض أنواع العطور، وهذا مال مهدور عند بناء معمل تكرير السكر بمفرده، وهذا يحتم علينا التساؤل: هل سيجري تكرير الأخطاء التي وقعنا بها في السابق؟! وهل سيجري إهمال السير بمشروع بناء المصفاة الثالثة مع  مصانع البتروكيميائيات كما جرى طي المشروع في السنوات السابقة.