الاجتماعي يتحدد بكيفية توزيع الثروة.. وتطبيق «اقتصاد السوق الاجتماعي» وسّع الفجوة بين الطبقات
محاولة البحث عن تعريف لأصل نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الألماني ليست بالمفيدة، إلا أن هذا التحديد النظري قد غاب عن أذهان المخططين بكل الأحوال، فالنماذج الاقتصادية لا تنسخ، ولا يمكن تعميمها، بل إن التجارب الاقتصادية الناجحة، هي التي عبرت عن حالة فريدة وخاصة بما ينسجم مع الظروف الخاصة للبلد المعني، وهي ما تم تجاهلها مطلقاً، وعلى اعتبار أن التجارب الناجحة هي خاصة، كالصين وماليزيا وغيرها من الدول، فإن التجارب المستنسخة لن تنجح، ولن نستطيع نقل نجاحها، إذا ما كانت كذلك في البلدان المنشأ، وبالتالي لا بد من وضع بصمات سورية تنطلق من الخصوصية الاجتماعية والاقتصادية لسورية..
دخل مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي إلى قاموس الاقتصاد السوري قبل ست سنوات خلت، ولمس السوريون تأثير قوانينه، والنتائج السلبية للسياسات الاقتصادية التي تنسجم معه على معيشتهم وحياتهم، وهذا يحتم الحديث عن مدى ظهور البعد الاجتماعي في سنوات تطبيق نهج اقتصاد السوق الاجتماعي!. والذي على أساسه تتحدد إمكانية الاستمرار بهذا النهج الاقتصادي، أم أن عدم النجاح يفترض إعادة النظر بجذر السياسات الاقتصادية السابقة، ألا وهو اقتصاد السوق الاجتماعي؟!
في التطبيق، اعتبر البعض أن الاجتماعي جاء بهدف التلطيف اللفظي للتوجيه نحو اقتصاد السوق، دون أن يجد سبيله إلى التطبيق، فالاجتماعي غائب حسب هؤلاء بكل المقاييس، فشبكات الحماية الاجتماعية التي قيل عنها ما تزال حبراً على ورق، وهذا ما ساهم بتراجع مستوى العدالة الاجتماعية، وأدى لتمركز الثروة في أيدي قلة قليلة من السوريين، وازدادت معدلات الفقر، وهذا وفق الرقم الإحصائي الرسمي، والمترافق مع تراجع دور الدولة الاقتصادي – الاجتماعي، كما ارتفعت نسبة الفقراء وعدد العاطلين عن العمل، فإذا كانت تلك هي نتائج السياسات الخطيرة لتطبيق نهج «اقتصاد السوق الاجتماعي» على الجانب الاجتماعي، فهذا يعني أن الخلل في الجذر الأساسي، والمتمثل بالسياسات الاقتصادية، وهو الذي أدى بالضرورة لنتائج كارثية على الجانب الاجتماعي..
فالاجتماعي في اقتصاد السوق، يعني أن للدولة دوراً يجب عليها أن تلعبه لإصلاح اختلالات السوق، وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الطبقة الفقيرة، وهذا الدور يتم عبر أدوات تمتلكها الدولة، كالإجراءات والسياسات الاقتصادية، والقوانين والتشريعات أيضاً، بالإضافة إلى التدخل المباشر في الأسواق وضبطها، وليس هناك من قوانين وقواعد لهذا الاقتصاد يفرضه علينا، بل نحن من نفرض قواعدنا، ونكيف هذا النموذج الاقتصادي بما يتناسب مع ضرورات الاجتماعي، والذي يتحقق بقرارات اقتصادية أساساً، فالاختلال في توزيع الثروة يفترض دوراً أكبر للدولة لتصحيح تلك الاختلالات إن لم نقل التشوه الحاصل، فالطبيعة الاجتماعية لأي اقتصاد تتحدد بكيفية توزيع الثروة، وغياب ذلك التوزيع العادل، يعني بالضرورة انعدام الاجتماعي وغيابه في السياسات الاقتصادية المطبقة..