قيد الاندثار.. حرف ومهن.. وعمالة خبيرة

قيد الاندثار.. حرف ومهن.. وعمالة خبيرة

بات «سامح» وحيداً في محله، بعد أن سافر آخر شاب عمل معه في مصبغته، حيث تتالى على العمل معه عدد من الشباب، جميعهم اختاروا السفر خارجاً، هرباً من صعوبة المعيشة في ظل الأزمة، وأسباب عديدة أخرى، فقرروا سلك طريق البحر والمخاطرة بحياتهم، على أمل إيجاد فرص أفضل في الحياة، وتأمين وسيلة لإخراج عائلاتهم من البلاد بعدهم.

أروى المصفي

الهجرة وأسباب أخرى

توقف ورش حرفية ومهنية

حال سامح ليس الوحيد، إذ انتشرت على واجهات المحال التجارية، وورش الخياطة، والمطاعم وصالونات الحلاقة والسمانة وغيرها، لافتات تطلب «شاب للعمل لدينا»، أو «يلزمنا عمال حبكة ودرزة»، أو «يلزمنا شاب لتوصيل الطلبات»، وغيرها من لافتات تعبر عما آل إليه الحال في سوق العمل السورية، من نقص في اليد العاملة الشابة. 

أما «نذير الكردي» صاحب معمل للبلاط، فعبر عن أسفه لفقدان الكثير من اليد الحرفية العاملة في مهنته، مع صعوبات العمل في ظل هذه الظروف، التي تحول في كثير من الأحيان دون إمكانية تأمين المواد اللازمة للعمل، حيث تتركز معظم المواد الأولية لصناعتهم، في مناطق ساخنة من الأرض السورية، ما يمنعهم من العمل بشكل مستمر.

كثيرة هي الورشات الحرفية والمهنية، الكبيرة منها والصغيرة، باتت متوقفة عن العمل بظل الأزمة، ناهيك عن الورش التي دُمرت أو نُهبت، ومن أهم أسباب توقف تلك الورش كان النقص باليد العاملة الفنية والخبيرة، التي تبحث عن الاستقرار في العمل والمداخيل، وهو غير متاح بوضع الأزمة، مما دفع بالكثيرين إلى الهجرة، إضافة للأسباب الرئيسية الأخرى المتعلقة بالواقع الاقتصادي المعاشي والوضع الأمني العام، وقد أضيف للأسباب السابقة موضوع الخدمة العسكرية، الاحتياطية، التي أوقفت بسببها بعض الأيدي العاملة عن العمل، ليس بسبب نزوحها وهجرتها، بل بسبب عدم القدرة على التحرك بحرية بالشوارع، ما عطل حضورها وإنتاجيتها.

دباس: خسائر يومية  لليد العاملة الحرفية

ومن جانبه رئيس اتحاد الحرفيين بدمشق مروان دباس قال لـ(قاسيون): إن « السوق السورية تخسر كل يوم يداً حرفية ماهرة، ولا أتوقع أن من بقي من الحرفيين في البلاد أكثر من عُشر عددهم الكلي، خاصة مع الإغراءات الكثيرة التي تقدمها لهم الدول، والمجاورة منها أيضاً».

وأوضح دباس إنه «رغم عدم وجود معاهد حرفية في سورية، إلا أن شيوخ الكار يعتبرون أفضل معاهد تعلم فيها كافة الحرفيين، حيث نجد شباباً يافعين يتقنون حرفتهم بمستوى لا يقل عن من يكبرهم، إضافة لكون الحرفي السوري مطلوباً بشدة للخارج نظراً لخبرته الطويلة والمتعددة بكافة المجالات».

بيانات غير دقيقة وتفاؤل

وعن عدد أو نسبة الحرفيين الذين هاجروا، بيّن دباس إنه «من الصعب تحديد العدد بدقة، كونه بالأساس، ليس كل الحرفيين مسجلين في الاتحاد، وحتى من بين المسجلين، لا يقوم الجميع بتسديد اشتراكاتهم السنوية، لذا لا يمكن الاعتماد على السجلات لدينا لتحديد العدد الموجود حتى الآن ولم يسافر خارجاً، فضلاً عن وجود الكثير من الورش المغلقة نتيجة الظروف، والتي منعت البعض من معاودة العمل أو نقل ورشته، خاصة مع تركز الورش سابقاً في مناطق الريف خارج المدينة، والتي أصبحت في سنوات الأزمة مناطق ساخنة أو مدمرة».

وقبل الأحداث كان عدد المنتسبين للاتحادات الحرفية في سورية نحو 140 ألف حرفي، من أصل 700 ألف حرفي، 22 ألفاً منهم في دمشق، بينما عدد المنتسبين في العام 2014 لم يتجاوز 200 حرفي.

وعن ذلك قال دباس: «يخطط الاتحاد سنوياً للتوسع وتنسيب 500 حرفي جديد، إلا أنه تمكن هذا العام من إضافة 800 حرفي إلى صفوفه»، متوقعاً عودة كل من هاجر في حال استقرار الظروف وانتهاء الأزمة.

استقطاب اقليمي

وكشف دباس عن «إعلان شركة ميرسيدس في لبنان مؤخراً عن حاجتها لـ50 فني سيارات من سورية، ما يعتبر إغراءً كبيراً للشباب لدينا».

وتابع دباس «تسعى الدول المجاورة لاستقطاب الحرفيين السوريين بشكل سابق للأزمة، حيث تسعى على المدى المتوسط والبعيد لتدريب المواطنين والعمالة في تلك الدول على أيدي الحرفيين السوريين».

وأشار دباس إلى ماقامت به الحكومة الأردنية عبر السماح باستقدام الحرفيين والفنيين السوريين، وذلك بنسبة 30% في المدن الصناعية، و60% للمناطق النائية والأطراف خارج مراكز المحافظات.

وجاءت هذه الموافقة بناءً على توصيات لجنة التنمية الاقتصادية لوضع توصيات خاصة بالعمالة السورية والاستثمارات والمستثمرين السوريين في الأردن، حيث تضمنت التوصيات وضع آليات لتسهيل دخول المستثمرين السوريين إلى الأردن، من خلال مخاطبة «جمعية رجال الأعمال الأردنيين» لتزويد «وزارة الداخلية» الأردنية بأسماء المستثمرين السوريين الراغبين في القدوم إلى الأردن.

حكومياً: 200 ألف عامل مهاجر 

ولا تتوقف ظاهرة هجرة الشباب، على قطاع الحرف والمهن، حيث بدأت الحكومة تتحسس مخاطر هجرة الموظفين والعاملين في القطاعين الخاص والعام، إذ كشف وزير العمل خلف العبد الله أن عدد المهاجرين من العاملين في القطاع العام والخاص، حسب سجلات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصل إلى نحو 200 ألف عامل، ما أدى إلى تضرر القطاعين الخاص والعام بشكل كبير ما يستوجب إجراء عملية ترميم لتعويض النقص الحاصل في العمال.

إحصاءات منظمة العمل العربية

ووفقا لندوة أقيمت في تونس خلال 2014، لمنظمة العمل العربية، بلغ عدد المهاجرين دوليا 232 مليون مهاجر، و20 مليون مهاجر عربي عام 2013.

وبلغ عدد الكفاءات العربية المهاجرة من المختصين والمهنيين وعلى رأسهم العلماء والمهندسون والأطباء والخبراء أكثر من 100 ألف مهاجر من تسعة أقطار عربية هي لبنان وسورية والأردن ومصر وفلسطين وتونس والمغرب والجزائر، بينما حوالي70٪ من العلماء الذين يسافرون للدول المتقدمة للتخصص لا يعودون إلى بلدانهم.

بحث عن استقرار وخُلبية بالتصريحات

خلاصة القول إن اليد العاملة، الحرفية والمهنية وغيرها، تسعى للاستقرار من أجل الحصول على مداخيل ثابتة تعينها على مواجهة صعوبات الواقع المعاشي وتقيها من العوز، وبظل واقع الأزمة وانعكاساتها، تضرر عامل الاستقرار، تدميراً ونهباً ونزوحاً وهرباً وهجرةً، كما ازدادت صعوبات الواقع المعاشي وتأمين متطلباته، وخاصة عبر الأسعار التي لم تعد تطاق من خلال مستغلي الأزمة وتجارها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة بذاتها لم تتخذ الخطوات الجدية التي من شأنها الحفاظ على الأيدي العاملة الحرفية وورشها، باستثناء بعض التصريحات والتوجيهات الخلبية.

آثار سلبية

وعبَّر مهتمون عن تخوفهم من الآثار السلبية الناتجة عن استمرار هجرة الشباب والأيدي العاملة، وخاصة الحرفية والمهنية منها، وما ينتج عنه مستقبلاً من توقف أو اندثار لمهن وحرف تراثية ميزت الحضارة السورية، خاصة مع التحليلات والتقارير المنتشرة مؤخراً، عن وجود مخططات لعدة دول أوروبية لاستقدام أعداد كبيرة من المهاجرين بهدف دعم اقتصادها وسد الثغرات في سوق العمل لديها، في إشارة منهم إلى موجة الهجرة الكبيرة التي شهدتها سورية، خاصة مع دخول واندماج أعداد من المهاجرين بشكل سريع في سوق العمل الأوروبية، وخلال وقت قصير من وصولهم لتلك الدول، ما يدل على الحاجة الفعلية لهم، ويثير قلقاً من إمكانية تعرضهم للاستغلال عبر منحهم أجور متدنية أو تشغيلهم في ما يعرف بـ»سوق العمل السوداء» هناك.