عبّاد شمس: حل وحيد للعجز.. أو التدهور!

وصل العجز المالي السوري، إلى مستويات قياسية مقارنة بالناتج الإجمالي المقدر، حيث يبلغ العجز المتراكم منذ 2011 نسبة 224% من الناتج أو أكثر.. تمول بشكل رئيسي من طباعة العملة، أو من الاحتياطي النقدي الذي إذا افترضنا أنه يمول العجوزات فقط، فإنه لا يكفي لتمويل عجز الموازنة المتراكم حتى ثلث 2013!.

 

إذاً الطباعة هي الوسيلة الرئيسية للتمويل، وهي أيضاً بالنتيجة السبب الرئيسي للتضخم! حيث أن زيادة كميات الليرات الموجودة في السوق، وغير المدعومة  بإنتاج متوسع، تؤدي إلى خسارة الليرة لقيمتها الحقيقية مع زيادة الطباعة، وهذا مساهم رئيسي في وصول معدلات التضخم إلى 430% بحسب الأرقام الرسمية خلال الأزمة، وإلى أكثر من ذلك فعلياً.

التضخم تعبير عن ارتفاع المستويات العامة للأسعار، وهو عملياً يستهدف كل السوريين الذين لا يستطيعون زيادة دخلهم مع زيادة الأسعار، أي أصحاب الأجر، وأصحاب الدخل المحدود، بينما يبقى أصحاب الدخل الكبير، أي الأرباح، بمأمن من التضخم بل يحققون فوائد منه، فهم قادرون على التحكم بأسعار خدماتهم ومبيعاتهم، وكل ما يخسره أصحاب الأجور من قيمة أجورهم نتيجة ارتفاع الأسعار، يتحول إلى ربح إضافي لدى القوى الكبرى المتحكمة بالسوق، ويضاف إلى ذلك أن هؤلاء وهم مالكو الأصول، أي العقارات والعملات الأجنبية والمنشآت والذهب وغيرها، تزيد قيمة أصولهم تلقائياً مع كل خسارة لقيمة الليرة.

قد يقول البعض بأن الحكومة مضطرة للتمويل بالعجز والطباعة في الحرب، وأن هذه السياسة تبقى أفضل من الدين!، وهذا صحيح نسبياً، إلا أنه على السياسات أن تقف بمواجهة زيادة التضخم (الضريبة التي يدفعها الفقراء للأغنياء)، لأن استمرار ذلك سيؤدي علاوة عن آثاره الاقتصادية الاجتماعية الكارثية، إلى مزيد من التراجع في قيمة الليرة، ولا شيء فعلي يحميها من الانهيار! 

لمواجهة العجز والتضخم وحماية الليرة، طريق واحد: توسيع الإنتاج الحقيقي. فإذا ما أرادت الحكومة أن تطبع نقوداً عليها أن توجهها إلى مشاريع إنتاجية تزيد التشغيل والأجور والناتج، وألا تنتظر قوى السوق، المشغولة اليوم بتحصيل الأرباح السريعة من تدهور الأجور والليرة، وكل سياسة لا تواجه هذه القوى مباشرة، وتستهدف أرباحها، فهي عملياً.. تدعمها!

 

أصحاب القرار في السياسة الاقتصادية السورية اليوم، يواجهون العجز بطريقة تقليص الإنفاق الحكومي، أي انسحاب الدولة التدريجي من الإنفاق الاستثماري وحتى الاجتماعي، ومن دعم الإنتاج، وهو جوهر سياسة (عقلنة الدعم)، ليكملوا بذلك لوحة إضعاف البنى الاقتصادية الاجتماعية، بإفقار أغلبية الشعب وتركه للسوق من جهة، وبإنهاء دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي من جهة أخرى.