عبّاد شمس: عن العبث  في دور الدولة!

عبّاد شمس: عن العبث في دور الدولة!

لا يمكن مناقشة الموازنة العامة للحكومة إلا باعتبارها مؤشراً رئيسياً على دور الدولة في المجال الاقتصادي بأبعاده الرئيسية الثلاثة (الإنتاج – الاستهلاك – توزيع الدخل)، وذلك رغم كل ما يمكن قوله حول أرقام هذه الموازنة سواء من حيث دقة أرقامها، أو من حيث قيمها الفعلية مقارنة بتراجع العملة الوطنية، أو من حيث مدى تنفيذها فعلاً على أرض الواقع.
أرقام مشروع موازنة عام 2016، تشير من غير لبس إلى مستويات تراجع فعلي لدور الدولة، ففي المجال الإنتاجي لا تشكل نسبة الإنفاق الاستثماري من إجمالي الإنفاق العام أكثر من الربع، ناهيك عن إنخفاض القيم الفعلية لهذا الاستثمار بسبب تراجع قيمة العملة الوطنية، ووضع الجزء الأكبر من زيادته عن العام الماضي معلقاً رهن الحاجة! ويضاف إلى ذلك تراجع الدعم المخصص للإنتاج بشكل مباشر والمرتبط بتأمين مستلزمات الإنتاج الضروري كما في المجال الزراعي مثالاً.


وفي السياق ذاته، فإن الحفاظ على الاستهلاك الشعبي أحد أهم جوانب الاستهلاك في ظل الأزمة، وحتى تثبيته بات أمراً شبه مستبعد، حيث يشكل الدعم التمويني ودعم المحروقات الجانبين الرئيسيين في دعم الاستهلاك، بينما مشروع الموازنة الحالية خفض الدعم الضروري في مجال الدقيق والسكر والأرز بمقدار النصف بالقيم الفعلية، وهما آخر بقايا تموين استهلاك الشعب، كما سار خطوة كبرى نحو إنهاء دعم المحروقات والكهرباء، بعد أن اعتبر دعم الطاقة «خسائر مدورة» وهو ما يفتح المجال لتكهنات عدة سنعالجها لاحقاً.
أما في مجال توزيع الدخل لمصلحة الفئات الأكثر تضرراً، فمشروع الموزانة جعل من دور الدولة موزعاً للدخل لمصلحة الفئات الأكثر غنى على حساب «الدراويش» من أصحاب الأجور، ولا أدل على ذلك إلا جانب إيرادات الموازنة التي زادت نسبة التحصيل في هذا العام على كلا الطرفين بالنسبة ذاتها، وكأن مداخيل الجهتين زادت بالنسبة ذاتها. كما أن ضريبة الأرباح المتوقعة لا تميز بين أصحاب الشركات الكبرى، وأصحاب المشاريع الصغيرة والحرف، ما يمنع التمييز بين الشرائح المختلفة، والذي يصب في خانة التزام الموازنة بتأمين الإيرادات من مصادر محددة تمس جدياً مصلحة الشرائح الأفقر.
طبعاً زد على ذلك أن مستويات التضخم التي تسببها العجوزات المتراكمة للموزانات في الأزمة ورفض الحكومة لفرض ضرائب على الثروة أو إيجاد زيادة فعلية لدخل الشرائح الأفقر للشعب السوري يعمق من أزمة التفاوت ووطئتها على الناس في ظل الأزمة، ومن بوابة الموازنة الحكومية!.
يبدو أن مشروع الموازنة الحالي يحمل تحولاً «نوعياً» وخطيراً لدور الدولة، فمن محفز أو حامٍ بالحد الأدنى لأطراف العملية الإنتاجية الرئيسيين في ظل الأزمة (القطاع العام والخاص المنتجين، والاستهلاك الشعبي) عبر الدعم بأشكاله المختلفة، إلى جهة تفرض (التقشف) على الأطراف الأكثر ضرورية للعملية الإنتاجية، ما يعني تحول دور الدولة إلى جابٍ ومحصلٍّ للضرائب وفقط.
إن هذا التحول فيما لو أُرسي لا يسعى إلى إنهاء دور الدولة الأساسي في الاستمرار، بل لن يؤدي حتى إلى عملية تحصيل الإيرادات والضرائب التي يراد لدور الدولة أن يؤول له، فبغياب الدور الرئيسي لا أدوار ثانوية قابلة للإنجاز بكل تأكيد.