زراعة القطن: أقل من ثلثي الخطة.. (الخطر) يهدد القطن والنسيج

زراعة القطن: أقل من ثلثي الخطة.. (الخطر) يهدد القطن والنسيج

يشارف مزارعو القطن في سورية على الانتهاء من جني محصولهم لموسم 2015  بعد أن سعرت الحكومة القطن بسعر 140 ل.س للكغ، تشتريها من المزارعين، بسعر يعلم أصحاب القرار أنه ليس مجد اقتصادياً بالحد الكافي للفلاح، إلا أن ذريعة الحكومة هي تخفيض هامش الربح الزراعي، لتخفيف التكاليف على صناعة النسيج المحلية، وفق وزير الصناعة السوري.

إلا أن القطن السوري لا يتراجع إنتاجه، بل يتدهور رغم محاولات الفلاحين التكيف مع ظروف الحرب وقرارات المسؤولين عن إدارة اقتصاد الحرب، لتصبح الزراعة والصناعة المرتبطة بالقطن بحال أسوأ عاماً بعد عام..


أكثر من ثلثي الخطة لم يُنفذ!

الأرقام الحكومية الرسمية تحدثت عن تراجع كبير في خطة المساحات المزرعة، وتراجع أكبر في المساحات المزروعة فعلياً، حتى أصبح الحديث عن احتمالات استيراد القطن الخام، لتغطية حاجات صناعة النسيج أمراً مطروحاً، تصريحات وزارية، تناقض تصريحات أخرى لوزير الصناعة، حيث أكد أن القطن المحلوج المتوفر حالياً 20 ألف طن، ومع بداية موسم التسليم فإن الكميات ستكفي لنهاية العام، وذلك في مؤتمر للصناعات النسيجية بتاريخ  7-10-2015.
خطة الزراعة للعام الحالي: 124-125 ألف هكتار، وهي نسبة 62% من المساحات التي كانت تزرع سابقاً والبالغة 200 ألف هكتار سابقاً. ومع ذلك فإن الخطة لم تنفذ إلا بنسبة 30%، أي أن المساحات المزروعة هي قرابة: 37500 هكتار، أي حوالي 375 ألف دونم، يفترض أن تنتج وسطياً: 131 ألف طن فقط، وفق الوسطي: 350 كغ في الدونم، إلا أن تحقيق هذا الرقم فعلياً غير متوقع، حيث أظهرت بيانات مديرية الزراعة في الحسكة أن يصل إنتاج القطن في موسم 2015، إلى 24 ألف طن فقط، فقد تم زراعة ما يقارب 6500 هكتار، بينما في العام الماضي أنتجت المحافظة قرابة 60 ألف طن، أي أن التراجع يتجاوز النصف.
بينما تصريحات أخرى للوزارة، لجهات إعلامية أشارت إلى أن المساحات المزروعة تبلغ 25 ألف هكتار، أي 20% فقط من الخطة وتنتج 50 ألف طن فقط، لن تتوضح الكميات المنتجة في هذا العام، إلا أنها ستبقى بين 50-130 ألف طن وفق التصريحات الحكومية، بعد أن وصل إنتاج القطن إلى 750 ألف طن!. 
عملياً المنفذ من الخطة لا يبلغ 20-30% وبالتالي فإن أكثر من ثلثي المساحات لم تزرع بالقطن، وثلثي الخطة لم ينفذ..
فلماذا يعدل المزارعون السوريون عن زراعة القطن في المناطق التي تعتبر مناطق آمنة، كالحسكة، ومنطقة سهل الغاب في حماة، ولماذا لا تنجح الحكومة في اجتذاب محصول زارعي القطن في المناطق الخارجة عن السيطرة، ليوصلوه إلى مراكز الاستلام، حتى أصبح الاعتماد على عقود مع القطاع الخاص، أي مع تجار القطن، ليستجروه من المزارعين ويسلموه هو الطريقة المعتمدة؟!


 مخاطر أكبر من العوائد..

اعتاد المزارعون السوريون زراعة القطن، نظراً لكونه محصولاً استرتيجياً مضموناً، ومدعوماً نسبياً، وحاولوا قدر الإمكان المحافظة على زراعة المحصول الهام خلال الأزمة، لولا أن الظروف كافة أصبحت تقف عائقاً في وجه ذلك، وفي مقدمتها أن السعر الحكومي، بقي يتكيف مع تغيرات التكاليف الرئيسية، ولا يحتسب التكاليف الطارئة والاستثنائية التي تصبح قاعدة في الحرب لا استثناء.
 سعرت الحكومة كغ القطن بمقدار 140 ل.س، مع تعويضات نقل سنعود إليها لاحقاً، والسعر المرتفع بنسبة 40% في العام الحالي عن العام الماضي، يغطي التكاليف الأساسية فقط، دون استثناءات، ويحقق عائداً قليلاً في حال نجح المزارعون في ضبط تكاليفهم، وقللوا من إنفاقهم على المحصول.
الجدول يوضح تكاليف زراعة القطن في منطقة السقيلبية في حماة، كنموذج عن تكلفة إنتاج الدونم في المناطق الآمنة والقريبة من المحالج المتركزة في المنطقة الوسطى حالياً على اعتبار أن الدونم ينتج وسطياً 350 كغ من القطن.
بفرض نجاح الفلاح في الوصول إلى الإنتاج الوسطي 350 كغ في الدونم، فإن تكلفة الكغ تبلغ: 116 ل.س وبناء عليه فإن الفلاح في هذه الحالة يحقق ربحاً في الكغ قرابة: 24 ل.س، للكغ.
ويحقق عائداً من زراعة دونم القطن بمقدار: 8400 ل.س، وهامش الربح لا يتعدى: 20%.
ولكن هل يكفي هامش الربح المذكور، ليغطي تكاليف الحصول على المازوت من السوق السوداء بسعر 250 ل.س لليتر سبيل المثال؟!
 وتحديداً أن المزارعين يحصلون على المازوت بالسعر الحكومي، ولكن بكميات لا تكفي عدد مرات السقاية، التي تتراوح بين 8-10 في المنطقة، وتحديداً مع ظروف عدم الجاهزية الدائمة لشبكة الري.
يضاف إلى ذلك التكاليف المترتبة على شراء جزء من حاجات الأسمدة والبذار من السوق السوداء، على اعتبار أن تقديرات وزارة الزراعة، والمصرف الزراعي لحاجات السماد والبذار أقل من الضروري الذي يرتأيه المزارعون بالتجربة، كما أن حالات التوقف المرتبطة بالظروف الأمنية، تعتبر تكاليف غير مباشرة للمزارعين، تحديداً في فترات سقاية المحصول الذي يحتاج إلى ريات منتظمة برتم محدد، وتأخرها، يعني خسارة في إنتاجية المساحة، أو تعرض المحصول لحالة تساقط الزهر.
جمعية فايز منصور في مدينة السقيلبية في حماة، والتي تضم 500 مزارع تعاوني، أشارت لقاسيون أن المحاصيل الاستراتيجية وتحديداً القطن والشوندر لم تعد تزرع إلا بنسبة 10% من الخطط الزراعية، والفلاحون يتجهون نحو زراعات أخرى، مثل الحبة السوداء (حبة البركة)، والجبيسة (الجبس للبذور)، وغيرها..
 الأفعال تشي بالنوايا..
على الرغم من كثافة التصريحات السنوية التي تسبق موسم توزيع مستلزمات القطن، وموسم قطافه وتسليمه للمحالج، إلا أن (النوايا) تقاس بالأفعال!
فالحكومة لم تعط المزارعين سعراً إلا بالحدود الدنيا للعوائد، ولا يحصنهم من أية تكاليف استثنائية، وسياسة التسيعر هذه هي الحافز الرئيسي، الذي يسمح للمزارعين بتحمل مخاطر محصول يزرع في مساحات واسعة، وذو تكاليف عالية، ويتطلب جهداً كبيراً، والأهم أن زراعة القطن لا تترافق مع زراعات أخرى خلال العام، أي أن زارع القطن لا يزرع غيره خلال عام ما يعني أن الخسارة فيه لا تعوض بمحصول آخر.
وسبق ذلك منذ عام 2013، إيقاف لجزء كبير من تسليم المستلزمات عينياً من المصرف الزراعي، أي إقراض المزارعين المستلزمات، واستلام ثمنها مع تسليم المحصول، أما المفصل الحاسم فهو عدم فتح مراكز استلام في محافظة الحسكة، وحصر التسليم في المنطقة الوسطى، وهو الأمر الذي اعتبره مزارعو المحافظة إعلاناً لإيقاف ضمان المحصول.
 تعويض النقل للتجار فعلي وللمزارعين (شكلي)! 
أوقفت الحكومة الاستلام من المزارعين في محافظة الحسكة، وكانت (فتوى) تحفيزهم لتسليم المحصول وإيصاله إلى حماة أو حمص، هي تعويض للنقل!.
 أعلن وزير الصناعة بأن الحكومة سعرت القطن بـ 140 ل.س للكغ، وستقدم تعويض نقل للمزارعين من الحسكة بمقدار: 60 ل/كغ، ومن الرقة بمقدار: 9 ليرة/كغ.
 بينما الاعتماد بشكل رئيسي سيكون على القطاع الخاص، ليقوم التجار بجمع القطن ونقله لتسليمه للمحالج، أما تعويض التجار الناقلين، فهو 90 ألف ل للطن، أي 90 ليرة  للكغ، أي أعلى من تعويض مزارعي الحسكة بمقدار: 50%، و10 أضعاف التعويض المدفوع لمزارعي الرقة لنقل محصولهم!.
بالأحوال كلها الحكومة لا تتوقع أن يستطيع المزارعون أن يوصلوا قطنهم عبر مناطق سيطرة داعش على سبيل المثال، والتعويض الذي تضعه للمزارعين، بمثابة سداً للذرائع، وإلا لكانت ساوته بتعويض التجار، ليبقى الاعتماد الرئيسي على شركات نقل المحاصيل الاستراتيجية، من قمح وقطن، هؤلاء القادرون على السمسرة مع الأطراف كافة..

 

30%

بحسب معلومات وزارة الزراعة، فإن المخطط هو زراعة 124 ألف هكتار في الموسم الحالي، بينما المنفذ فعلياً هو نسبة 30% فقط، بينما تصريحات أخرى للوزارة أشارات إلى أن المزروع فعلياً هو 25 ألف هكتار أي نسبة 20% من المخطط، فمن المسؤول عن عدم تنفيذ 70-80% من  الخطة؟

24 ل.س

تبلغ تكلفة كغ القطن في المناطق الآمنة والقريبة من المحالج 116 ل.س، بينما سعر شراء الحكومة 140 ل.س للكغ، والعائد على الكغ هو 24 ل.س، إذا ما نجح المزارع في تجنب كل التكاليف الاستثنائية التي أصبحت قاعدة!.

90 ل.س

سيحصل التجار من ناقلي القطن، على 90 ليرة أجرة نقل الكغ، بينما ستقدم الحكومة لمزارعي الحسكة 60 ل.س تعويض نقل القطن إلى المنطقة الوسطى، ولمزارعي الرقة 9 ليرات فقط تعويض نقل.

 

إن مجمل الظروف المذكورة، تقول بأن المزارعين في المناطق الآمنة والقريبة أصبحوا غير مهتمين بزراعة القطن، حيث أن عوائده لا تغطي التكاليف الاستثنائية المتكررة، ويجد هذا تفسيره في تراجع المساحات المزروعة، والاتجاه لزراعات أخرى.
أما في المناطق الآمنة نسبياً، ولكن البعيدة مثل الحسكة، فيلعب التسعير الحكومي دوراً في تراجع المساحات المزوعة، إلا أن التأثير الحاسم، هو لإغلاق مراكز الاستلام، وحصرها بالمناطق الوسطى، وإغراء المزارعين بتعويض نقل 60 ليرة للكغ، أقل من التعويض المدفوع للتجار، أو الشركات التي سيتم التعاقد معها لجمع ونقل القطن، أي عملياً تم ترك المزارعين لتجار سيجمعون القطن بسعر منخفض، وقد يوصلونه للحكومة ليحصلوا على تعويض نقل مرتفع 90 ل لكغ، أو يهربوه ومجمل هذا يقلص المساحات المزروعة بالقطن، ويخسر سورية ميزاتها، والمادة الخام للصناعة العامة الأهم وهي صناعة النسيج التي أصبحت تشكل نسبة 60% من الصناعة العامة!
قد يكون القطن السوري مهدداً بتراجع كبير من الحرب أولاً، إلا أن السياسات التي لا تنطلق من المزارعين، بل تنطلق من (التقشف)، وتستسهل الاعتماد على التجار والشركات في جمع المحصول الاستراتيجي ونقله، أصبحت تهدد استمرار هذه الزراعة، والصناعة المرتبطة بها!.