النقل الداخلي في دمشق.. (الخاص) يعمل بلا عقود و(العام) يخسر!
ارتفع سعر ليتر المازوت إلى 130 ل.س، ثم عادت الحكومة لترفع أجور النقل في دمشق بشكل رسمي من 20 ل.س إلى 30 للخطوط القصيرة، ومن 25 على 40 ل.س للخطوط الطويلة. أي بنسبة زيادة 50- 60%، رغم أن ارتفاع سعر المازوت رسمياً لا يتعدى 4% فقط!.
ونسبة الزيادة هذه تذكّر، بواحدة من مقولات رئيس الحكومة عندما أخذ يعدد الهبات الحكومية والدعم للمواطنين السوريين، حيث ذكر أن النقل العام (مدعوم حكومياً) بمبالغ تزيد على 600 مليون ل.س، بحسب تصريحه أمام نقابات العمال بتاريخ 24-8-2015. في خلط حكومي بين الدعم والتكاليف الضرورية لتشغيل شركة النقل العام الداخلي، التي تحصل على إيرادات وعوائد، أي من الممكن أن تكون رابحة، ولكن يعيقها بطبيعة الحال، مصالح المستثمرين وأصحاب الأموال الذي انتهزوا بأعلى قدر ممكن، الفرصة الذهبية التي فتحتها لهم الحكومات، عندما خصخصت جزءاً هاماً من قطاع النقل الداخلي في دمشق، وغيرها.
فكيف تكون شركة النقل الداخلي العامة، في مدينة مكتظة كدمشق، هي عبئ وتضطر الحكومة لدعمها؟!
النقل الخاص رابح.. والعام خاسر!
انتقلت إيرادات الشركة العامة الشهرية من 30 مليون ل.س، إلى 15 مليون ل.س، أي خسرت النصف، وأصبحت غير قادرة على سداد تكاليف المازوت بحسب المعلومات التي وصلت لقاسيون.
فالشركة التي تم تسليم أهم خطوطها في دمشق، لستة مستثمرين يعلنون عن تشغيلهم لـ 230 باصاً، على 9 خطوط، لم تنجح في إدارة هذه الاستثمارات المجحفة وضبطها، حيث يعمل القطاع الخاص اليوم على أكثر من 7 خطوط بعقود مفسوخة من أصل 9!. والعمل دون عقود، يعني بأفضل الأحوال عدم الاتزام بالتسعيرة، وبسداد كامل مستحقات الدولة، وعوائدها من استثمار العقود، كما أنه قد يتيح عدم سداد المستثمرين للمستحقات طالما أنه ما من عقد ملزم!. والحكومة كررت اعترافها بتجاوزات بعض المستثمرين، التي وصلت إلى تهريب المازوت للسوق السوداء، ولكنها لم تقرّ يوماً بحجم خساراتها من هذا الاستثمار.
وكنا قدرنا سابقاً أرباح المستثمرين الصافية من مجموع الباصات، بعد تقدير تكاليف الصيانة وأجور السائقين، وكانت النتيجة حوالي 1،4 مليار ل.س ربحاً صافياً سنوياً!. بينما تعمل الشركة العامة على 9 خطوط تقريباً وبـ 70 باص وتحصل على إيرادات لا تتجاوز 15 مليون ل.س شهرياً، أي حوالي: 180 مليون ل.س فقط!.
دوام جزئي وخطوط ضعيفة
الشركة العامة للنقل الداخلي، تعاني من إدارة تتخبط في استثماراتها، فهي أولاً سلمت الخطوط كثيرة الحركة للقطاع الخاص مثل ركن الدين، برامكة صناعة، مزة جبل، ميدان شيخ وغيرها، واستلمت خطوط ضعيفة الحركة مثل الديماس- ضاحية الفردوس- قرى الأسد وغيرها.
وثانياً تعمل بأوقات الدوام الرسمي فقط، حيث تخرج الباصات في الساعة الثامنة صباحاً، ويعود أغلبها إلى مركز الشركة في الساعة الواحدة ظهراً؟! وفي هذا تقليل لإيراداتها من جهة، وعدم تخديم المواطنين على الخطوط من جهة اخرى.
فلماذا لا تعمل الشركة على خطوطها كافة وفق نظام المناوبات؟ وهي التي يتواجد لديها أكثر من 750 سائقاً وفق المعلومات؟!.
50 باصاً جديداً.. ولا فائدة تذكر!
المفارقة الثالثة التي توضح سوء الإدارة العامة، وإدارة الاستثمار في الشركة، هي مصير 50 باصاً جديداً وصلت للشركة في منتصف شهر تموز 2015، وخلال شهر كان حوالي نصفها خارج العمل! لأسباب متعددة: حيث أن 10 باصات جديدة لم تعمل لأعطال فنية ولم تستخدم نهائياً!، ويتوقف يومياً عن العمل 5 باصات من الباصات الجديدة بشكل وسطي، و5 أخرى تعرضت لحوادث وتوقفت نهائياً، والباقي يعمل على خطوط باب توما، والدوار الجنوبي، وخط زاهرة-حميدية.
إن كل تفصيل في الأداء الحكومي اليوم، يعكس مستوى عال من إهمال الإيرادات العامة التي من الممكن تحصيلها، مقابل تحميل السوريين لنفقات وأعباء كبيرة، فمن مثال النقل في دمشق يظهر كيف رفعت الحكومة أجور النقل، أكثر مما ارتفع سعر المازوت، وكيف تهمل الحكومة ووزارة النقل، العائدات التي يمكن تحصيلها من استعادة خطوط النقل المسلمة للقطاع الخاص، والتي تبلغ المليارات، وتترك بعض المستثمرين ليعملوا دون عقود، مع كل المخالفات والخسائر التي تترتب على المال العام من هذا العمل غير القانوني، ويظهر بوضوح كيف تهمل الخدمات العامة، وتترك للخسارة كما يحصل في شركة النقل الداخلي في دمشق!.لذلك فإن الحكومة عوضاً عن تعدادها لخسائر النقل العام، واعتبارها من جوانب الدعم الحكومي للمواطنين، عليها أن تتحمل مسؤولية خسارة النقل العام، وانفلات المستثمرين الخاصين!. هذا إن كان للحكومة أي وزن في مواجهة منظومة الفساد والسوق المنفلتة من عقالها والمتحكمة بالقرار الاقتصادي للحكومة ولموارد البلاد، ومعيشة أهلها!.