الحكومة.. ودورها

يصب السوريون اليوم جام غضبهم على السياسات الحكومية، وعلى أداء الحكومة المقصّر، وتتعالى الأصوات المطالبة بإقالتها، وتكثر الإشاعات والأقاويل، حول اقتراب هذه الإقالة، وكأنّها ستكون الحل الشافي لأوضاع البلاد الاقتصادية المتردية؟!

فهل تحكم الحكومة في سورية فعلاً، وهل تمتلك أن تحل مسألة مثل مسألة الكهرباء حلولاً نوعية وجذرية، بأن توسع استيراد الفيول، وتخفف الكلف، وأن تجري تغييرات جذرية باتجاه دعم الإنتاج والمنتجين؟! وهل تستطيع أن تستولي على أملاك كبار الفاسدين، وتحصل الموارد من مطارح نهبها، وتعيد توزيعها لصالح أصحاب الأجور؟! 

لمعرفة الإجابات عن هذه الأسئلة، ينبغي أن نتذكر بوضوح، بأن الحكومات في سورية، لا يرشحها مجلس الشعب، ولا يمتلك قراراً في تعيينها أو رأياً في تشكيلها، أو موقفاً من برامجها، وبياناتها. إنه يمتلك فقط أن يقيم عملها، وحتى أن يحجب الثقة عنها؟ فهل تم في تاريخ سورية حجب الثقة عن حكومة ما، من قبل مجلس الشعب؟

والمثال الأقرب للذهن، هو حكومة العطري التي واكبت مرحلة إقرار اقتصاد السوق الاجتماعي منذ عام 2005، والتي صدر عنها مختلف سياسات تراجع الدعم الاجتماعي، وتراجع دور الدولة، وتقليص التشغيل، والانفتاح المالي والتجاري، وتحرير السوق من ضوابط المراحل السابقة كلها. فهل كانت إقالة هذه الحكومة في بداية الأزمة السورية، فاتحة لتغيير في السياسات؟! على العكس ازداد خلال الأزمة تراجع الدعم الاجتماعي، بل أصبحت (عقلنته) شعاراً للسياسة الاقتصادية، وازداد انفلات السوق وتحريرها، وتراجع مقابله الدور الحكومي في الإنتاج والخدمات، وأصبح جهاز الدولة عاجزاً عن اتخاذ أي قرار اقتصادي في الحرب، منحازاً للمصلحة العامة، مبدياً عجزاً وانحيازاً صريحاً لمصلحة قوى السوق بأنواعها. 

إن السياسة الاقتصادية في سورية ليست نتاج حكومات، ورؤساء وزارة ووزرائهم، بل هي قرار يمثل مصلحة الأقوياء في سورية، والمتحكمين في المفاصل الهامة للموارد، سواء في المال العام، أو الثروات والموارد المتراكمة في السوق، والمتحكمة بقطاعات كبرى!.

وإن كان هذا لا يعفي الحكومة الحالية أو سابقاتها من مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، ولكنها تبقى مسؤولية محدودة بتكيف هؤلاء الطبيعي مع منظومة الفساد، التي لا تنتج إلا فساداً وهدراً في كل مواقع القرار.

 

وهذه السياسة لن تتغير مهما تغيرت الحكومات، طالما أن الأوزان لا تتغير، أي طالما أن عموم السوريين لا يملكون أي وسيلة للضغط وانتزاع السياسات والقرارات من أنياب المتحكمين بموارد البلاد.