انتهى الحصاد وبانت الغلّة.. استجرار 10% من القمح السوري فقط!

انتهى الحصاد وبانت الغلّة.. استجرار 10% من القمح السوري فقط!

وقف وزير الزراعة أمام مجلس الشعب السوري، ليعلن بأن الحكومة استلمت 300 ألف طن من القمح فقط، بينما كان المتوقع أن ينتج السوريون في مناطق البلاد المختلفة، حوالي 3 مليون  في سورية في موسم الأمطار الجيد هذا العام، وذلك في تقديرات، تناقلتها التصريحات الحكومية الرسمية، والمؤسسات الدولية.

10% من القمح السوري وصل مراكز الاستلام الحكومية، بينما يتبقى 90%، سيجمعها التجار، لتضاف إلى مجالات السوق السوداء في سورية، ويتم تهريبها لتركيا والعراق، أو لتشتريها داعش، أو حتى ليتم بيعها للحكومة السورية، من قبل قوى السوق والحرب، القادرين على شراء المحاصيل واختراق خطوط التماس..

300 ألف من 3 مليون طن قمح!

الـ 300 ألف طن الواصلة إلى مراكز الاستلام، سُلّم  الجزء الأكبر منها في الحسكة، وبينما كانت تقديرات مؤسسة الحبوب باستلام 450 ألف طن  في الحسكة فقط، بأدنى التقديرات، فإن ما تم تسليمه لم يتجاوز 11 ألف طن من الشعير، و 120 ألف طن من القمح فقط في الحسكة، وهذه نتيجة طبيعية مع السعر الحكومي المنخفض نسبياً 61 ل.س للكغ من القمح، وعدد مراكز الاستلام الحكومية القليلة في المحافظة، والتي استثنيت منها مناطق  كاملة مثل المالكية، بالإضافة إلى الظروف الأمنية والاضطرابات في المحافظة التي ترافقت مع موسم الحصاد.. 

أما في منطقة الغاب فقد تم تسليم حوالي 80 ألف طن، على الرغم من منافسة التجار الذين دفعوا في المنطقة أسعاراً أعلى وصلت إلى 100- 125 ل.س في الكغ، أما الكميات المتبقية فقد سُلّمت في المحافظات الأخرى التي ضمت مراكز استلام.

ريف حلب.. القمح السوري علفاً!

في مناطق ريف حلب وإدلب الخارجة عن السيطرة، أصبح القمح السوري ذو النوعية الجيدة جزءاً مكوناً من أعلاف الحيوانات، مع استحالة وصوله إلى مراكز الاستلام، فالأمر لا يستحق تحمل المخاطر بالنسبة للمزارعين، نتيجة السعر الحكومي المنخفض، والذي لا يشكل حافزاً كافياً، ليتحمل المزارعون تكاليف إيصال أقماحهم من ريف حلب على سبيل المثال إلى الحسكة  أو حماة، أو من ريف درعا والقنيطرة إلى أقرب مراكز الاستلام الحكومية..

إن السعر الحكومي القريب من هوامش تكلفة المزارعين وتحديداً في المناطق الخارجة عن السيطرة، هو دعوة مباشرة لهؤلاء ليستسلموا لاستغلال تجار القمح، أو ليطعموا  القمح لماشيتهم، أو يبيعوه بأبخس الأسعار كعلف!.. بينما كانت إجراءات حكومية، مثل سعر حكومي مرتفع وأعلى من السعر العالمي بنسبة جيدة، أو دفع مباشر عند التسليم، أو تقريب مراكز الاستلام إلى أقرب نقطة آمنة، وحمايتها، جميعها كانت إجراءات واجبة على الحكومة، لتخلق حافزاً وعوائد كافية لمنتجي القمح السوريين تدفعهم كي يجدو طرقهم الخاصة لإيصال القمح.

دعم التكلفة.. السياسة المنتهية!

لم يكن من الممكن إنقاذ محصول القمح في اللحظات الأخيرة، أي في وقت الاستلام فقط، بعد أن ارتفعت تكاليف إنتاجه مع إنهاء سياسات دعم تكاليف المنتجين، في الزراعة والصناعة، أي مع تحرير أسعار الوقود، والأسمدة، ورفع أسعار البذار، فلو أن القمح السوري بقيت تكلفته منخفضة، ولم يتحمل تبعات سياستي التقشف من جهة، والسعي الحكومي الدؤوب للتحصيل من جهة أخرى، لكان تحمل مخاطر نقله، ورفع السعر التحفيزي، ذو جدوى أكبر، ولاستطاع المزارعون السوريون أن يوصلوا أكثر من 10% من القمح المنتج في سورية، إلى مراكز الاستلام بالتأكيد!..

فشل في الموسم الرابع بالحرب..

ربما يقول قائل، بأنه أيّاً كانت الإجراءات الحكومية التحفيزية لاستجرار القمح، فإن الصعوبات الأمنية لن تسمح للمنتجين السوريين، بإحداث أي خرق، وإيصال المحصول إلى مراكز الاستلام الحكومية، إلا أن عدم قيام الحكومة بالإجراءات الممكنة، انطلاقاً من تخفيض التكاليف وصولاً إلى تسهيلات وحوافز التسليم، يعني أنها لم تسد كل الذرائع، لتترك الباقي لمحاولات المجتمع السوري والمنتجين الموجودين في المناطق الخارجة عن السيطرة.

كما يُقال: (وقع الفأس بالراس) والحكومة فشلت في محاولة ابتكار أفكار وطرق جديدة، لاستلام القمح السوري من السوريين المعتمدين عليه، على الرغم من أن الموسم الحالي هو الرابع خلال الأزمة..

وينبغي أن نتساءل الآن ما هو مصير أكثر من 50 مليار ل.س متبقية من مخصصات استجرار القمح الموضوعة في الموازنة السورية؟!

هل ستذهب لصالح استيراد المادة من الخارج مثلاً؟ الحكومة ملتزمة بتجار فرنسا..

تبين بأن الحكومة السورية، قادرة على اختراق العقوبات في المكان الذي يحلو فيه السعر لبعض السماسرة، حيث لا تزال الحكومة تستورد قمحها من فرنسا..

صرّح المسؤولون الحكوميون أمام مجلس الشعب، بأن الحكومة استلمت 300 ألف طن قمح فقط، وأنها تستورد القمح الآن من فرنسا لسد نقص الحاجات، وذلك بسعر 250 دولار للطن، واصلاً إلى الموانئ السورية، أي بسعر للكغ: 74 ل.س، بسعر صرف (296 ل.س/$)، بينما (استنكرت) الحكومة دفع هذا السعر للمزارعين السوريين..

أي أن الحكومة التي خصصت 70 مليار ل.س لاستجرار القمح، دفعت منه للمزارعين قرابة 20 مليار ل.س: 528 مليون طن للشعير: (11 ألف طن بسعر 48 ألف ل.س للطن)،  و 18,3 مليار ل.س للقمح: (300 ألف طن قمح بسعر 61 ألف ل.س للطن). وتبقى حوالي 50 مليار ل.س، لاستيراد القمح من الغرب.

ينبغي تذكير الحكومة بأن أصدقاءها في الشرق من أهم مصدري الحبوب في العالم، وأقلهم سعراً، والحديث عن روسيا وحتى عن إيران..

فعلى سبيل المثال ستستورد مصر من روسيا 120 ألف طن من القمح، تدفعها بالروبل الروسي، مع دراسة إمكانية الحصول على قرض بالروبل لتزويد مصر بإمدادات القمح المطلوبة، وهذا يحقق لمصر وروسيا فائدة مشتركة، نتيجة تعويض روسيا خسارة أسواقها بعد فرض العقوبات، وحصول المصريين على القمح بسعر الروبل المنخفض في الظروف الحالية، وبأسعار تصدير القمح الروسي المنخفضة عموماً عن أسعار الغرب، والمنخفضة في هذا العام تحديداً، بعد أن منعت الحكومة الروسية تصدير القمح إلى الدول الغربية التي فرضت عقوبات على روسيا، حيث سيبلغ السعر الوسطي لشراء مصر 212 $ للطن مع كلف شحن تبلغ 0,26 دولار للطن، ستدفعها مصر بالروبل، بينما انخفضت أسعار القمح  الروسي أكثر من ذلك في أوقات سابقة، حيث كان سعر طن القمح في بداية الشهر الحالي 199 $ للطن فوب أي من أرض الشركة الروسية، دون تكاليف النقل والتأمين، ولكن يقابله تكاليف لطن القمح الفرنسي فوب تبلغ 220 $ للطن، بفارق 21$ في سعر الطن،  أما سعر تصدير إيران للقمح فوب فقد بلغ 206 $ للطن، في شهر 5-2015، ومع فارق الأسعار الهام، فإن تجار الحكومة المعتمدين لتأمين حاجات البلاد من المواد الرئيسية، لا زالوا معلقين بعلاقات التجارة مع الغرب ذات نسب السمسرة العالية، والحكومة ملتزمة بمصالح تجارها قبل حلفائها، حتى لو كان الفارق أكثر من 100 ألف طن قمح، وملايين الدولارات!..

250$

تستورد الحكومة السورية القمح من فرنسا بسعر 250 $ للطن، أي بسعر للكغ 74 ل.س وفق سعر صرف السوق، وهو سعر أعلى من السعر المدفوع للمزارعين بمقدار: 13 ل.س للكغ، لتحصل فرنسا وسماسرتها على عائد من الحكومة السورية أعلى من عائد المزارعين.

1.9

سعر تصدير روسيا لطن القمح إلى مصر بلغ 212$ للطن، وهو أقل من سعر فرنسا بمقدار 38$، ولاستيراد 50 ألف طن فقط، تكون الخسارة، 1.9 مليون دولار

127

إن كانت الحكومة ستستورد قمحاً بمقدار 50 مليار ل.س متبقية من مخصصات القمح، فإنها تعادل 176,6 مليون دولار بسعر الصرف الحكومي الرسمي الأعلى (283 ل.س/$)، وهي قادرة على استيراد: 833 ألف طن من روسيا، بينما تستورد من فرنسا أقل من 706 ألف طن من القمح، بفارق 127 ألف طن قمح.