بين الزراعة والصناعة.. سورية تطوي صفحة الشوندر السكري
في الحالات الطبيعية لسورية كان من المفترض أن تشهد طرق المناطق الوسطى والشمالية والشرقية في الوقت الحالي من العام، حركة نشيطة لقاطرات تحمل أكثر من مليون طن من الشوندر السكري، إلى تل سلحب في الغاب، وجسر الشغور في إدلب، ومسكنة في حلب، وإلى الرقة ودير الزور، حيث كانت تتواجد معامل إنتاج السكر..
في عام 2015 من الممكن أن يصل 29 ألف طن فقط من الشوندر المزروع في الغاب بشكل رئيسي، إلى معمل سكر تل سلحب، ليتم بيعه إلى المؤسسة العامة للأعلاف ويستهلك علفاً للحيوانات، وذلك بعد أن توقفت كافة المعامل الأخرى المذكورة، وبعد أن تقلص إنتاج الشوندر السكري من ذروة 1,8 مليون طن عام 2011، كانت قادرة على إنتاج 180 ألف طن سكر تقريباً، إلى قرابة 30 ألف طن في الموسم الحالي، لن يتم تشغيل معمل تل سلحب لأجلها، ولن يتم إنتاج السكر من الشوندر.
بين الوزارتين .. توقف (سكر سلحب)
بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، فإن معمل تل سلحب لن يقوم بإنتاج السكر من كميات الشوندر السكري القليلة المتوقع وصولها إليه (29 ألف طن)، لأن هذه الكمية التي تنتج بأفضل الأحوال سكر بنسبة 10%، أي حوالي 2900 طن من السكر، لن تستطيع أن تعوض التكاليف الكبيرة لإقلاع المعمل وتشغيل الآلات، مع الارتفاع الكبير في أسعار الفيول المستخدم كوقود، وهذا وفق ما صرح به مدير معمل سكر سلحب لقاسيون، حيث ستصل كلفة كغ السكر المنتج في ظروف كهذه إلى 400 ل.س!.
وبناء عليه تقرّر أن يقوم المعمل بشراء المحصول من المزارعين بسعر 10 آلاف ل.س للطن، وبيعه للمؤسسة العامة للأعلاف التي ستبيعه لمربي الماشية بسعر 7000 ل.س للطن، وبهذا تُطوى في العام الخامس من الأزمة السورية صفحة طويلة، من عمليات الزراعة المدعومة للشوندر السكري في سورية كمحصول استراتيجي، يليه إنتاج السكر محلياً، وتوزيعه بأسعار مدعومة عبر المؤسسات الاستهلاكية!
وزارة الصناعة تقول، بأننا وصلنا إلى إيقاف الإنتاج، لأن وزارة الزراعة لم تنفذ خطة زراعة الشوندر، إلا أن جميع الجهات مجتمعة تكاتفت مع الظروف السورية القاسية، لتدفع ما تبقى من مزارعي الشوندر إلى التخلي التام عن زراعة المحصول، وبالتالي توقف إنتاج السكر منه.
التكاليف.. أقوى من خطط الوزارات
كانت خطة المؤسسة العامة للسكر، الحصول على 416 ألف طن من الشوندر لتقوم بتشغيل، معمل سكر سلحب، إلا أن هذا الرقم يبدو عشوائياً، وتحديداً أن إنتاج الشوندر قد انخفض إلى قرابة 100 ألف طن منذ عام 2013! علماً أن الحد الأدنى لتشغيل المعمل هو 300 ألف طن..
أي أن تحقيق هذا الرقم أقرب للمستحيل، وتحديداً مع توفر كل أسباب عزوف المزارعين عن زراعة الشوندر، وعدم قدرة أية جهة حكومية على إلزامهم على إنتاج محصول بلا مردود يذكر!.. حيث تكلفة إنتاج الدونم من الشوندر تزيد على 47 ألف ل.س، في الحالات المُثلى، أي ذات التكلفة الأقل، كأن يتمكن المزارع من تأمين مجمل حاجاته من الأسمدة والبذار من المصرف الزراعي، وليس من السوق، أو أن تكون تكاليف النقل منخفضة نسبياً والمسافة بين المعمل والأراضي لا تتعدى 15 كم، أو أن تكون الأرض سهلية وذات شبكات ري حكومية أي يحتاج المحصول لريّتين فقط من المياه، عوضاً عن ثلاث ريّات في مناطق أخرى!.. عندما تتوفر مجمل هذه الشروط فإن المزارع قد يحصل على عائد 3000 ل.س فقط من زراعة الدونم، وهذا إذا ما أنتج له 5 طن من الشوندر، ولم تنخفض كميتها بعد (التجريم) أي اقتطاع الزوائد في المعمل. أي أن أي انحراف عن الحالات المثالية المذكورة سيؤدي إلى تحول عملية زراعة الشوندر إلى عملية خاسرة وهي الحالة العامة.
ربما توضح هذه التفاصيل (عبث) زراعة المحصول بالنسبة للمزارعين، وهذا ما يجب أن تكون وزارة الزراعة على دراية به، وأن تحاول حلّه منذ موسم العام الماضي 2014 على الأقل، داعية إلى تخفيف التكاليف عن المزارعين، أو زيادة سعر الشراء منهم، إذا ما كانت تريد فعلياً أن تنفذ الخطة وإن بالحدود الدنيا.. إلا أن الوزارة لا تمتلك القرار الحاسم بشأن تخفيض التكاليف، ولا تستطيع أن تعيد الزمن للوراء لتوقف المد الليبرالي لأصحاب القرار، ممن أوقفوا التوزيع المدعوم للأدوية والمبيدات منذ 2010، ورفعوا أسعار الأسمدة، والمازوت، والبذار قبل الأزمة، وخلالها. كما أن الوزارة متقاربة مع منطق السوق، أكثر من تقاربها من واقع المزارعين، وتحديداً بعد أن تبين أنها مهتمة باستيراد المستلزمات، وبتفاصيل وشروط محددة ومفصلة على مقاسات مستوردين محددين للأدوية والمبيدات، لن تواجه وصول أسعار الأدوية والأسمدة والبذار إلى 32% من التكلفة. (التفاصيل في قاسيون بعنوان: الأدوية الزراعية.. الدولة انسحبت في عام 2010 لصالح الاحتكار الغربي- العدد 712)
الصناعة لا تنفذ خططها أيضاً!
وزارة الصناعة التي تحاول أن تتلطى وراء عدم تنفيذ الزراعة لخطة الشوندر، لتبرر عدم تشغيل معمل سلحب، لن تستطيع أن تفسر سبب إيقاف استيراد السكر الأحمر الخام، لتكريره في معمل سكر حمص..
فوزارة الصناعة أيضاً كان عليها أن تنفذ خطة إنتاج السكر لعام 2015، والتي أعلن عنها مدير المؤسسة العامة للسكر في بدايات العام الحالي، بأنها ستبلغ 184 ألف طناً من السكر الأبيض، قرابة 80% منها ستنتج في معمل حمص من تكرير السكر الخام، حيث سيتم استيراد 154 ألف طن سكراً أحمر، يكرر في المعمل لينتج 146 ألف طناً من السكر الأبيض، توزع للمؤسسات الاستهلاكية لتباع وفق البطاقات التموينية!.
إلا أن أياً من هذا لم يتم، حيث وفقاً لمعلومات قاسيون من مدير شركة سكر حمص، ومديرة الخطة، فإن حصة المعمل من الخطة في عام 2015، لا تتعدى 85 ألف طن، أما المنفذ منها حتى منتصف العام لا يتعدى 4000 طن من السكر الأبيض، أي بنسبة 4% من خطة المعمل (85 ألف طن)، وبنسبة 2% من خطة مدير المؤسسة (146 ألف طن)!..
أما حول السبب، فيتبين بأن وزارة الصناعة، والمؤسسة العامة للسكر، لم تقوما باستيراد السكر الخام في هذا العام لتحقيق خطة المعمل، حيث أن 4000 طن منتجة، هي نتاج السكر المدوّر منذ العام الماضي، أي المستورد في عام 2014!..
فوزارة الصناعة التي تحمّل الزراعة مسؤولية عدم تنفيذ الخطة، لم تقم بتنفيذ الجزء المتعلق بها من خطة إنتاج السكر، ولم تستورد السكر الخام، لتشغيل معمل سكر حمص بكامل طاقته، كما أنها لم تؤمن حتى الآن تزويد معمل سلحب بخط إنتاجي بطاقة 50 طن يومياً، لتصنيع الخميرة المستخدمة في صناعة الخبز، ليتحول معمل سكر سلحب الذي يضم أكثر من 420 عامل، وهو معمل السكر الوحيد المتبقي من 6 معامل كانت تنتج السكر من الشوندر، إلى مجرد كتلة هامدة تنتظر التشغيل أو ربما الاستثمار!..