(التجارة الداخلية) والأسعار.. توزيع عادل للأوزار!
(نهيب بالأخوة التجار، أن لا يرفعوا أسعارهم، فجولات ميدانية قد تضم ليس فقط مفتشو التموين، بل وزير التجارة الداخلية ذاته، وأعضاء من مجلس الشعب أيضاً)!.. وذلك وفقاً لما اقترحه رئيس المجلس، ضمن حملة وعيد للأسواق، وتنديد بعمل الوزارة خلال مناقشة مجلس الشعب السوري، لقانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومناقشة وضع الأسعار في شهر رمضان..
وزارة التجارة الداخلية، التي توكل إليها مهمة (مخفر الأسعار)، أصبحت مسلحة بقانون جديد، تم إقراره في مجلس الشعب، بتاريخ 25-6-2015، يقول بأن الدولة عن طريق الوزارة، ستضبط الأسعار وجودة المواد المتداولة، بحيث سيمنع التجار من مخالفة الأسعار وهوامش الربح المحددة، وسينطبق هذا على المستوردين وتجار الجملة والمفرق، وسيمنع أيضاً احتكار المواد وتخزينها، ويمنع التهريب!
أما طريقة المنع وفق القانون الجديد فهي المخالفات والعقوبات، ومنها 25 ألف ل.س كاملة، لمن يبيع سلعة بسعر أعلى من السعر المحدد، وصولاً إلى 150 ألف ل.س غرامة المستورد الذي يقدم بيانات وهمية أو كاذبة، أما المحتكر فيسجن لمدة سنة، ويدفع غرامة مليون ل.س، أو إحدى العقوبتين، وهي أعلى العقوبات، التي لا تنص أي منها على إيقاف عمل التاجر، أو مصادرة أمواله في أية حالة من أحوال الاحتكار والغش!.
ماذا لو ألغيت مهمة مراقبة الأسعار؟!
جوقة إعلامية تربط مسؤولية ارتفاع الأسعار، وآمال ضبط السوق، بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومهامها. وكأن عملية ضبط الأسعار، مرتبطة بوجود هذه الوزارة من عدمه. دعونا نتخيل إلغاء مهمة الوزارة كلياً، في مراقبة وضبط الأسعار والجودة، فما الذي سيحصل أكثر مما يحصل حالياً بالله عليكم؟!هل ستكون النتيجة أن الأسعار الحالية في السوق محررة أكثر مما هي عليه؟!
فكل الاحتمالات التي قد تحصل في حال افتراض الإلغاء الكلي لمهمة ضبط الأسعار في الوزارة، تحصل اليوم في ظل وجود هذه المهمة، فالوزارة تقول أن أكثر من 200 مخالفة تسجل كل نهار، كما تتكرر المخالفات الصحية ومصادرة مواد مخالفة المواصفات، ولا نعلم إن كانت هذه الإجراءات تؤدي إلى عقوبات، أو حتى غرامات، إلا أن ما نعلمه أنها لا تؤدي إلى منع الاحتكار والغش في السوق.
طبعاً لا ينبغي أن يفهم من هذا الحديث، أن ما ينبغي فعله هو إلغاء الوزارة ودورها، ولكننا نلفت النظر لبحث السبب العميق لدور الوزارة، غير القادر على حل مشكلة الأسعار.
«بتملك قرش.. سعرك قرش»!
هل المسألة تقتصر اليوم على تقصير في أداء مهام الوزارة؟! بالطبع لا.. فبالإضافة إلى أن القانون الجديد، أو السابق، لا يصلحان كأدة لهذه المهمة، كونهما مبنيان على مبدأ عدم مضايقة السوق وتجاره، نجد أن مهمة الوزارة موضوعة دون توفر أية إمكانية لتنفيذها. فهي لم تعد محتكراً لمواد تبيعها مدعومة كما كانت سابقاً، بل لم تعد منافساً قوياً في السوق، ولا تملك توزيع أية مادة ضرورية، لأن هذا لم يعد يناسب حكومة التقشف، أو حتى ليبرالية ما بعد 2000، حيث لا تقوم (التجارة الداخلية) اليوم باستيراد المواد إلا بحدود ضيقة، ولا تشتري من المنتجين إنتاجهم ككبار تجار الجملة، لتبيع بأسعار مدعومة أو بالتكلفة، أو بهامش ربح منطقي وليس احتكاري. وهي إن لم تمتلك المواد فإنها لن تمتلك، القدرة على تحديد الأسعار، مهما سنت من قوانين!
فمؤسسات التدخل الإيجابي اليوم، أصبحت فرصة استثمارية لكبار التجار، ليتعهدوا إدارتها وأرباحها، وبأحسن الأحوال أسعارها في مواسم التخفيض أقل بـ 30% من السوق، وترفع أسعارها مع ارتفاع سعر الصرف، ولا تخفضها بتخفيضه كما حصل في شهر 5-2015.
قانون الواقع..
أما الرقابة والقانون، فهي لا تعني شيئاً مهما (اشتدت) العقوبات، لأن ضمان مصالح أصحاب الربح هو القانون العملي المطبق، طالما أن هؤلاء يهيمنون على تأمين المواد والمستلزمات ويزيحون جهاز الدولة عن كل مهامه الاقتصادية، أو يكيفونها مع مصالحهم، أو يحجمونها بحيث لا تستطيع أن تعيقهم، وكل هذا برضى وموافقة أصحاب القرار الاقتصادي، واضعي السياسات، فهم من يقلصون دور الدولة الاقتصادي بتسارع كبير، منذ أكثر من 15 عاماً على الأقل، ليقتصر على مهمة (مراقب ومشرف) لا يملك أية حصة هامة في السوق، وبالتالي لا يستطيع أن يغطي النقص أو الفراغ، وعليه أن يمتثل لشروط السوق، وآليات عملها، ومستويات ربحها، فيلجأ عوضاً عن المواجهة، إلى المشاركة في الأرباح المجمعة من السوريين في الظروف الحالية.
ورقة التوت.. ساقطة!
بناء على كل ذلك، فإن الأفضل ترك الوزارة (لشجونها)، والتوقف عن استخدامها كورقة توت، تغطي عورة السياسات المتكاملة التي خسّرت الليرة السورية قيمتها، وقلصت أجور السوريين إلى حدود غير مقبولة، ليصبح أجرهم لا يكفي غذائهم الضروري، أي عملياً السياسات التي جوعتهم!.
وبالطبع ليس في هذا تبرئةً أو تلميعاً لصورة الوزارة، ولكن علينا أن لا نحملها وزر غيرها، كما يحاول البعض أن يفعل، حيث يكفيها مشاركتها في وِزر إطعام السوريين خبزاً لا يؤكل، و(هتّهم) بمبالغ دعمه!.