المركزي: تجار المازوت وراء الانهيار الأخير لليرة!
ارتفع سعر صرف الدولار واصلاً إلى 300 ل.س مقابل الدولار في السوق السوداء، التي أصبحت محدد مستويات الأسعار، ومحدد رد الفعل الحكومي، ومحدداً لمستوى إنفاق احتياطي القطع الأجنبي، ومحدداً لمصير الليرة وقيمتها الفعلية، وما يترتب على ذلك من فقدان الأجور السورية لقيمتها وقدرتها الشرائية، وغيرها..
لم تحتاج السوق، ومن يحاول البحث عن مبررات في هذه المرة أي مبرر مباشر يتم تعليق فشل سياسات حماية الليرة عليه، بعد أن وصلت سخرية التصريحات إلى تعليق مصير الليرة ببعض المواقع الالكترونية، التي صرح حاكم المصرف المركزي أنها تزيد من سعر الصرف في السوق، وتؤدي إلى تحول الإشاعات إلى حقيقة، وتحفيز المضاربة!
لماذا ارتفع سعر الصرف؟
السوق السوداء ببساطة تملك قدرة التحكم بسعر الصرف، وتمتلك الكتلة الأكبر من احتياطي القطع الأجنبي في سورية، وتمتلك تجربة طويلة عمرها من عمر سنوات الأزمة، أثبتت خلالها السياسات الليبرالية أنها غير جدية بحماية الليرة، وأنها لن تفعل أكثر من التجاوب مع السوق، وضخ المزيد من القطع الأجنبي للسوق لمحاربة المحتكرين والمضاربين على قيمة الليرة!.
ولكن جديد التصريحات الحكومية، وسيل الاتهامات في موجة الارتفاع الأخيرة، قاربت الحقيقة قليلاً، ولكنها لم تكن أكثر من رد فعل حكومي تصريحي انتهى (بتأريض) حكومي آخر، حيث نُقل عن مصرف سورية المركزي في العاشر من شهر نيسان 2015، اتهامه لمستوردي المازوت من القطاع الخاص، بأنهم أحد أهم المضاربين على قيمة الليرة، وتوجيهه لوزارة المالية بمعالجة أوضاعهم ضريبياً، وكان الإجراء المالي لا أكثر من فرض ضرائب على أرباحهم، وأكدت الهيئة العامة للضرائب والرسوم بأنها مستوفاة وفق القوانين المعنية!!
موضع الاتهام
حاكم مصرف سورية المركزي أشار بإصبع الاتهام المباشر إلى مستوردي المازوت من القطاع الخاص، الذين سمح لهم خلال عام 2014 بمشاركة الدولة، أو بالقيام بدور البديل عنها في تأمين حاجات البلاد من المحروقات! حيث جاء في كتاب الحاكم الذي نقلته صحيفة تشرين: (إن عدم التزام مستوردي المشتقات النفطية من القطاع الخاص بالأسعار المحددة من قبل الحكومة لبيع المشتقات النفطية، قد أدى الى جني أرباح طائلة وبمبالغ ضخمة جداً لمواد شديدة الحساسية، وذات استخدام كثيف من قبل عامة الشعب والمنشآت الاقتصادية، بالتالي فإن زيادة سيولة مستوردي مادة المازوت بالليرة بشكل كبير، أدى إلى زيادة قدرة هؤلاء المستوردين على شراء القطع الأجنبي والإخلال بسعر الصرف)، أي يعتبر الحاكم أن حصول هؤلاء على أرباح احتكارية كبيرة، من بيعهم لهذه المادة الأساسية بالسعر الذي يحددونه وليس بالسعر الحكومي، هو السبب في المضاربة على قيمة الليرة، حيث يمتلك هؤلاء أرباح وسيولة كبيرة بالليرة السورية مسحوبة مما دفعه السوريون مقابل المحروقات، ويقوم هؤلاء التجار بتحويل إيراداتهم وأرباحهم الكبيرة إلى دولار، مضاربين على قيمة الليرة.
وهذا ما يعتبر نقلة نسبية في مبررات ارتفاع سعر الصرف التي تقدمها الحكومة، حيث انتقلت للتصويب على أصحاب الربح الكبير والذين لا يتوقفون عند مستوردي المازوت فقط، حيث أن تحقيق الإيرادات الكبيرة، وفرض الأسعار الاحتكارية، هو طابع التجارة في الظروف الحالية مستفيدة من الفوضى والتجاوب الحكومي، برفع المستويات العامة لأسعار المواد الأساسية، ورفع أسعار الخدمات التي تقدمها!.
إن ما ينبغي الانتقال له في عملية البحث عن الأسباب الفعلية للمضاربة على قيمة الليرة، في سعي أصحاب الربح الكبير إلى تحويل أرباحهم إلى دولار، واستخدام المضاربة كوسيلة لتحقيق مزيد من الربح. ما ينتج عنه أن عملية مكافحة المضاربة والحفاظ على قيمة الليرة يجب أن تكون بسحب الليرات الفائضة المتكدسة في أرباح حيتان المال، والتي يقومون بالتخلص منها في السوق السوداء وشراء الدولار مقابلها!.
ما بعد (التصريح الناري) ولكن ماذا فعلت الحكومة بعد هذا التصريح (الناري)؟! لم تفعل شيئاً!
حيث قامت بضخ المزيد من القطع الأجنبي إلى السوق السوداء عبر وكلائهم في شركات الصرافة، وزادت من قدرة الشركات على تمويل مستوردات التجار كمستوردي المازوت وغيرهم (وهم بأنواعهم من أصحاب الربح الكبير المضاربين على قيمة الليرة) رغم أن الحكومة ذاتها هي من كررت وصرحت قبل ذلك، بأن عملية تمويل مستوردات التجار هي واحدة من العمليات التي تؤدي إلى انتقال القطع الأجنبي للمضاربة، حيث يتم تقديم بيانات استيراد وهمية أو مزورة، وهذه العملية لا تتم فقط عبر شركات الصرافة، بل عبر إجازات الاستيراد الممولة من الحكومة والمصرف المركزي مباشرة. حيث ضاعفت الحكومة من قدرة شركات الصرافة على تمويل مستوردات التجار من 100 ألف دولار إلى 300 ألف دولار، لتتم عمليات تزويد التجار بالقطع بأبسط الإجراءات وعبر شركات الصرافة، وفق عملية يعتبر التحقق النهائي من دقة حصولها ودقة بياناتها وجدية استيراد المواد عبرها، مسؤولية مشتركة لكل من المصرف المركزي ووزارة الاقتصاد والجمارك، وبالتالي تتحمل مسؤولية فشلها هذه الأطراف مجتمعة.
إن تراشق التهم الحالي يعبر صراحة عن أن السياسات المطبقة باتت محكومة بتناقضات أو توافقات قوى الفساد والمال على اختلاف أشكالها، وإن الأيام القادمة ستكشف المزيد من تفاصيل عمليات النهب التي تضاعفت خلال الأزمة.