تعبئة موارد برنامج (اقتصاد حرب): 45 مليار دولار متاحة لإغاثة السوريين بكرامة..!
عُقد مؤتمر المانحين الثالث واجتمع ممثلو 78 دولة و38 منظمة دولية، بهدف (دعم الوضع الإنساني) في سورية، و(الاستجابة إلى نداء الأمم المتحدة) بتقديم مليارات الدولارات لـ(إغاثة) أكثر من 12 مليون سوري في الداخل، وأكثر من 3,9 مليون لاجئ سوري في دول الجوار. لتسجل الأزمة السورية مفارقة جديدة يضع فيها القاتل نفسه في موقع (الحامي) كما في أغلب الصراعات العالمية التي يشهدها عالم اليوم المضطرب..
طالبت الأمم المتحدة خلال المؤتمر المنعقد في الكويت بتاريخ 31 آذار 2015، بمبالغ تصل إلى 8 مليارات دولار للاستجابة لحاجات الإغاثة في عام 2015، منها 2,9 مليار دولار للحاجات الأساسية لـ 12,2 مليون سوري في الداخل، ومبالغ أخرى توزع على برامج مساهمة في دعم الدول التي (تستضيف) السوريين اللاجئين، وتبقيهم في أوضاع معيشية مزرية.
الولايات المتحدة أعلنت أنها تبرعت بقيمة 508 مليون دولار، بينما المساعدات الإجمالية التي أعلنت تقديمها للسوريين في أزمتهم منذ عام 2012 بلغت: 3,69 مليار دولار، أما الاتحاد الأوروبي فقد أعلن جاهزيته ليقدم للسوريين عبر الأمم المتحدة مبلغ مساعدات 1,1 مليار يورو، بينما صرح عن 3,3 مليار يورو إجمالي ما قدمه من مساعدات للسوريين منذ بداية الأزمة، أما الكويت فقد تبرعت بـ 500 مليون دولار بعد أن كانت قد تبرعت في المؤتمرين السابقين المشابهين بمبالغ إجمالية 800 مليون دولار.
3,8 مليار دولار فقط هو ما استطاعت الأمم المتحدة جمعه في المؤتمر من الدول المانحة المشاركة. وهذه المبالغ تعادل 13% من الناتج المحلي للسوريين في عام 2010 بأسعار السوق الجارية، كما أعلنها مكتب سورية المركزي للإحصاء، يوم كانوا يعتمدون على خيراتهم التي ينتجونها ويتعدى عليها الفساد الكبير فقط.
فهل المبالغ المطلوبة لإغاثة السوريين مبالغ ضخمة ؟ ولا يستطيع ما تبقى من موارد في البلاد أن يساهم في تغطيتها، عوضاً عن تسليم مهمة إغاثة أكثر من نصف السوريين للجهات المانحة؟! وهل هذه الجهات (المتصدقة) اليوم، (بريئة) من التراجع المباشر في موارد البلاد، بعد أن كانت السباقة على فرض العقوبات على السوريين؟!
قاسيون تقدم مقارنات بالأرقام للموارد التي سلبتها العقوبات، والتي سلبها التراخي الليبرالي الحكومي مع موارد البلاد، التي هربت إلى خارجها، أو التي هدرها الفساد، أو التي تتراكم بوضوح لدى قوى السوق والمنهوبة أيضاً مما ينتجه السوريون..
2 مليار $ عقوبات النفط
أهم (الدول المانحة) اليوم في مؤتمر الكويت وغيره، كانت الدول السباقة إلى فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على الشعب السوري، فمن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى عقوبات جامعة الدول العربية، التي كانت دول الخليج العربي في مقدمتها والأكثر التزاماً بها.
لم تعلن الحكومة السورية الآثار والخسائر التي مُنيَ بها السوريون نتيجة العقوبات والحصار، إلا أن احتساب آثار العقوبات على موارد الدولة السورية، من خسائر حظر تصدير النفط السوري في عامي 2011-2012 فقط، يشير إلى خسارة مبلغ 2 مليار دولار بحسب تصريحات وزير النفط العلاو في حينها.
الأموال المجمدة والابتزاز الغربي
أما حين استثنت دول الاتحاد الأوروبي المواد الغذائية الأساسية من العقوبات، (رأفة) بالسوريين!، قامت بذلك بالشكل الذي يفتح بوابات الابتزاز التي تلقفها فاسدو الحكومة السورية، وتشاركوا المال العام المنهوب مع دول الغرب، التي جمدت أموال السوريين، ثم أفرجت عنها لتبيعنا مواد ومستلزمات غذائية رئيسية كالطحين والأعلاف والشعير والسكر والأرز، بأضعاف الأسعار العالمية! حيث أثيرت الكثير من الشبهات حول صفقات الاستيراد من الأموال المجمدة في البنوك الفرنسية، والتي اتضح من بينها استيراد طن الطحين بمبلغ 580 $ للطن، أي بزيادة 255 $ في الطن، عن أعلى سعر عالمي مسجل في 2013 والبالغ 325 $ للطن، وهذا كلّف مال السوريين العام: 90 مليار ل.س أنفقت هدراً ونهباً موزعاً بين (الفرنسيين) الذين أفرجوا عن الأموال، وبين المسؤولين المحليين عن هذه الصفقات المجحفة!. وهكذا في باقي المواد، ليتحول الإفراج عن الأموال المجمدة إلى طريقة لنهبها وابتزاز السوريين بها.
الجدير بالذكر أن الحكومة أعلنت أن أموال المصرفين التجاري والعقاري المجمدة مع بداية العقوبات غير هامة ولا تبلغ أكثر من 4 مليون دولار، ثم عادت لتحتفل (بتحرير) مئات ملايين الدولارات من الأموال المجمدة من خلال صفقات استيراد المواد من فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، التي هدرت جزءاً هاماً من الأموال العامة!.
22 مليار $ أموال هاربة!
السياسات الليبرالية المطبقة في المجالين النقدي والمالي، والتي تحرر حركة رؤوس الأموال فتسمح بدخولها وخروجها دون شروط، سمحت بهروب رؤوس الأموال التي راكمها أصحابها في سورية ومن مواردها، وخسرت سورية نتيجة لذلك أموالاً كان من المفترض أن تكون متاحة للاستخدام والاستثمار في تعزيز مقدرات الاقتصاد السوري المتعب من الحرب، حيث أشارت التقديرات في عام 2011 إلى خروج حوالي 10,5 مليار دولار من المصارف السورية، أما إحصائيات لاحقة فقد أشارت إلى خروج 22 مليار دولار من سورية خلال أزمتها، وهي أضعاف المبالغ المطلوبة للإغاثة والتي يقدمها المانحون اليوم.
ظهر جزء من هذه الأموال لاحقاً كاستثمارات هامة في الأردن والإمارات ومصر وغيرها من الدول المجاورة..
قطع التصدير.. وإيداعات التجاري
لا تنفك التصريحات الرسمية عن الإعلان عن مؤشرات التحسن في الاقتصاد السوري وتحديداً خلال عام 2014، وهذا بالطبع أمر جيد، إن كان صحيحاً، حيث أعلن المصرف التجاري عن ترميم الودائع فيه، لتعود إلى مستوى عام 2010 وتبلغ 940 مليار ليرة في عام 2015، لكن المفارقة أن هذا التحسن الذي سجلته أرقام الودائع المتراكمة في المصارف، والحكومية منها تحديداً، لم تقابلها مهام في إدارة الاقتصاد السوري بمنطق اقتصاد الحرب، حيث لم تستثمرها الحكومة في أي إجراء يدفع إلى تحسين إنتاج الغذاء محلياً، أو أي مساهمة في تحسين الإنتاج العام أو الخاص لحاجات السوريين، بل على العكس قامت الحكومة بداعي التقشف والمحافظة على الموارد العامة، برفع أسعار المشتقات النفطية، وبالتراجع عن جزء هام من الدعم الزراعي والصناعي، والتراجع عن إجراءات حمائية تدعم المنتج المحلي، ولم يتم التركيز إلا على الإجراءات التي تؤدي إلى تحسين قطاعات تصديرية ضيقة بعد أن أُعلن التصدير هدفاً حكومياً!
وأثبت الواقع والتصريحات الحكومية أن هذا التصدير كان من المفترض أن يعيد 650 مليون دولار خلال عام 2014، ولكن لم يعد منه إلا 260 مليون دولار بأحسن الأحوال، أو 130 مليون دولار قدرتها قاسيون بناء على تصريحات حكومية مختلفة تركز على عدم إعادة المصدّرين لقطعهم.
مليارات صفقات فساد الاستيراد
قد يقول البعض بأن أموال المصرف التجاري وودائعه تستخدم في تمويل استيراد الحكومة من المواد الأساسية، إلا أن عمليات الاستيراد هذه الممولة من ودائع المصرف، والمقدمة لتجار القطاع الخاص، الذين يستوردون المواد لصالح الحكومة تشير في كل صفقة تعلن أرقامها إلى مبالغ ضخمة وتكاليف عالية حتى لو تمت مقارنتها بالأسعار العالمية، ومع احتساب تكاليف النقل والتأمين لسورية التي تعتبر مرتفعة في الظروف الحالية. ولا تجد هذه التكاليف المضخمة تفسيراً إلا في عمليات نهب المال العام المشتركة بين تجار القطاع الخاص، وسماسرة جهاز الدولة.
وهذا ما سجلته صفقة سكر مولها المصرف التجاري لصالح الخزن والتسويق، وبلغ ارتفاع طن السكر المورد عن السعر العالمي بمقدار 230 يورو على الطن، وبمجمل هدر 69 مليون يورو.
وهذا لا يقتصر على السكر، بل يمتد إلى الخميرة حيث استورد الطن في 2013 بمقدار 4100 $، بينما أعلى الأسعار العالمية سجلت رقم 3200$ أي بفارق حوالي 900 $ في الطن؟! واستيراد الشعير بزيادة 20 ألف ل.س عن أعلى سعر عالمي، مع إضافة هامش كلف النقل والتأمين إلى سورية، وبمجمل هدر 1,4 مليار ل.س.
تقدم هذه الأرقام دلالات على هدر المال العام، المتراكم لدى المصارف العامة، أما الواقع فيقول بأن مجالات الفساد تتعدى هذا المجال التقليدي إلى جوانب الحرب الأخطر والأكثر ربحاً..
18 مليار $ في البنوك اللبنانية-السورية
أما ودائع البنوك الخاصة التي تعود لكبار قوى السوق السورية وغيرها، تبقى محمية من أي (تبذير) في خدمة دعم النشاطات الإغاثية، أو تمويل استثمارات منتجة. بل إنها حتى لا تستخدم بالطرق التي تتيح إيقاف هدر المال العام، والقطع الأجنبي تحديداً.
فعلى سبيل المثال أعلن رئيس غرفة تجارة دمشق، أنه يتراكم لدى البنوك اللبنانية العاملة في سورية، ودائع تبلغ 18 مليار دولار، لا تستخدم في أي مجال حتى في تمويل مستوردات التجار، عوضاً عن هدر القطع الأجنبي الموجود في المصرف المركزي!. حيث وضح القلاع ذلك في سياق شكواه من (ازدواجية) سياسة المصرف المركزي في تمويل مستوردات التجار. وهي السياسة التي يدفع وفقها المركزي وسطي 10 مليون دولار يومياً لتمويل مستوردات، بلغ مجملها في عام 2014: 2,6 مليار دولار تقريباً، انتقل جزء هام منها إلى السوق السوداء لتضارب على قيمة الليرة، ويعود المركزي ويضخ لها القطع من جديد عن طريق بيع القطع لشركات الصرافة، في سلسلة متكررة لن تنتهي إلا بانتقال الجزء الأعظم من موارد القطع الأجنبي السورية إلى قوى السوق الكبرى، والمشبوهة منها بالتحديد المساهمة في المضاربة. من الجدير ذكره أن الحكومة لم تبحث بعد مصير استثمارات دول الخليج والغربية التي تحاصر سورية فعلى سبيل المثال تبلغ حصة دول الخليج من رؤوس أموال المصارف الخاصة حوالي 21% بينما لا تتعدى نسبة مساهمتها الـ4% في بنوك لبنان.
وفورات التقشف غير المنفقة!
الأمم المتحدة تعلن أنها تحتاج في عام 2015 لمقدار 2,9 مليار دولار، لحاجات إغاثة 12,2 مليون سورية في داخل البلاد، وهذا المبلغ يتوزع على خدمات الغذاء، والصحة والمساعدات النقدية الأخرى، والتعليم، والمأوى، ومياه شرب نظيفة، وغيرها من الخدمات الضرورية.
إن هذا المبلغ الذي يعادل 667 مليار ل.س، بسعر صرف (230 ل.س/$ أعلى من السعر الرسمي)، يقترب من نسبة 43% من الإنفاق الحكومي في الموازنة السورية، فلماذا لا تخصص الحكومة مبالغ هامة من موازنتها لإغاثة مواطنيها من اللاجئين السوريين في دول الجوار، وتحديداً أنها خففت نفقات الموازنة من رفعها لأسعار المواد التي كانت توزعها مدعومة كالمحروقات والغاز والخبز والسكر والأرز والأعلاف، حيث تقدر قاسيون أن الحكومة ستضيف 216 مليار ل.س إلى مواردها العامة من إيرادات رفع أسعار المحروقات التي ستبلغ 182 مليار ل.س إضافية، وإيرادات إضافية من الخبز بمقدار 34 مليار ل.س من مراحل رفع أسعاره وتخفيف نفقاته.
الإنجازات الأممية.. وبدائل جهاز الدولة!
الأمم المتحدة لا تخفي ضعف دورها وقدرتها على إغاثة السوريين، وبالتالي عدم إمكانية اعتمادها لأداء مهمة من هذا النوع، حيث تعلن عن حاجة 12,2 مليون سوري للغذاء، وعن استهدافها لـ 7,5 مليون فقط، وبعد الاستدعاءات والمنح كلها تعلن عن إنجازاتها في العام الماضي ليتبين أن المستفيدين مباشرة لم يتعدو 2,3 مليون سوري فقط، و404 آلاف بشكل غير مباشر، و 14 ألف فرصة عمل طارئة وغير دائمة!.
مقابل هذا يقتصر النشاط الإغاثي الحكومي، على وزارة واحدة، تقوم بعمليات بمستوى الإشراف والمشاركة وتبادل الأوسمة مع أكثر من 1176 جمعية أهلية ومنظمة مجتمع مدني، التي تأتي أموالها من المساعدات الدولية المتنوعة ومن جهات مانحة خاصة دولية ومحلية، غير معروفة الأهداف والأجندات، ليقدم مجال الإغاثة دليلاً إضافياً على تنحية جهاز الدولة عن مهامه الوطنية، وإيجاد بدائل له..!
2 مليار دولار
خسائر من عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على تصدير النفط السوري في عامي 2011-2012
40 مليار دولار
18 الودائع الموجودة في البنوك اللبنانية العاملة في سورية والتي لا توظف.
22 رؤوس الأموال المهربة من سورية خلال الأعوام الأولى من الأزمة والتي يسمح قانونياً بإخراجها
939 مليون دولار
الإيرادات الإضافية التي ستحققها الحكومة خلال عام 2015 مقدرة من رفع أسعار المحروقات والخبز وخطط التقشف. (216 مليار ل.س بسعر صرف 230 ل.س/$).
675 مليون دولار
الهدر من تضخيم أسعار المستوردات الحكومية، 600 مليون دولار منها ناتجة عن الأسعار المرتفعة للطحين التي فرضتها البنوك الفرنسية التي تجمد أموال الحكومة السورية