بيض المائدة.. التخلي عن جزء من حصة المواطن لمصلحة التصدير!

بيض المائدة.. التخلي عن جزء من حصة المواطن لمصلحة التصدير!

صدر قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، الذي سمح بتصدير بيض المائدة وذلك لـ(الاستفادة من عائدات القطع الأجنبي الراجعة من التصدير). لم تتوضح بعد انعكاسات هذا القرار على هذه المادة الأساسية في غذاء المواطن السوري. وفي جولة سريعة على هذا القطاع قبل وأثناء الأزمة سنتبين مخاطر هذا القرار على المواطن وغذائه واقتصاده.

سمح قرار وزارة الاقتصاد رقم 187 تاريخ 31/3/2015 بتصدير حوالي (2,5) مليون بيضة أسبوعياً أي بمعدل (120) مليون بيضة سنوياً، وذلك في حال استقر هذا القرار، الذي شددت وزارة الاقتصاد على مراجعته شهرياً وعلى: (ضرورة إعادة تقييم العملية التصديرية لمادة البيض دورياً مرةً كل شهر، بما يضمن تأمين حاجة السوق المحلية منها واستقرار أسعارها) وفقاً للقرار.

استند قرار التصدير إلى مطلب (اتحاد غرف الزراعة) المرفوع للجهات المعنية، وفق ما جاء في الصحف المحلية، حيث رأى الاتحاد في تصدير الفائض من بيض المائدة ضرورة لـ(إصلاح العجز في ميزان المدفوعات وجذب الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، ومن ثم تحقيق معدلات نمو مطردة) وفق الصحيفة ذاتها!

هل من فائض؟!

بالعودة إلى مؤشرات ما قبل الأزمة لنتبين الفوارق، فقد بلغ الإنتاج السوري من بيض المائدة قبل الأزمة حوالي (4) مليار بيضة سنوياً، لكن الاستهلاك المحلي بلغ حينها حوالي (2,7) مليار بيضة سنوياً والفائض المتحقق المعد للتصدير حوالي (1,3) مليار بيضة وذلك في ذروة إزدهار هذا القطاع قبل الأزمة. وبالتوزاي مع ذلك التصدير كان منتجو القطاع الخاص الممثلون في اتحاد غرف الزراعة، ملزمون بتسليم (10%) من البيض المصدر لوزارة التجارة الداخلية، وذلك لتأمين البيض في السوق المحلية بأسعار مقبولة. أي أن حصة مؤسسات التدخل الإيجابي من القطاع الخاص قبل الأزمة كانت تبلغ (130) مليون بيضة تقريباً، بالإضافة إلى ما باعه القطاع العام في السوق.

وبالمقارنة مع مؤشرات ما قبل الأزمة، وتدقيق الأرقام الملعنة حالياً، نستطيع تفنيد البروباغندا الإعلامية التي استبقت القرار، والتي تقول بتحسنات كبرى في الإنتاج، أوصلت الفوائض إلى (1,5) مليار بيضة، خلال شهرين، ما يجعل التصدير أمراً مبرراً!. فقد أكدت مصادر مطلعة لقاسيون: أن انتاجنا المحلي لن يزيد هذا العام عن (1) مليار في المناطق المسيطر عليها حكومياً، وقد يصل إلى نصف مليار من المناطق خارج سيطرة الحكومة وهو ما يعني أن المجموع الكلي لن يزيد عن (1,5) مليار بيضة. والحديث عن مليار ونصف بيضة فقط لا غير، أكده مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة في حديث لإحدى الصحف المحلية بتاريخ 23/3/2015، وبمقارنة كل ذلك مع استهلاكنا السابق، نجد أن من المستحيل تحقيق أي فوائض حالياً. وبالتالي فإن الحديث عن فوائض كبيرة قابلة للتصدير هو أمر مبالغ فيه جداً يجري توظيفه لتبرير التصدير وارتفاع الأسعار المحتمل لاحقاً، ناهيك عن خطأ اعتبار الفوائض محدداً للتصدير، طالما أن السوق المحلية تشهد ارتفاعاً غير مسبوق لسعر البيض أصلاً، فهي لم تُشبع بعد! 

ماذا عن حصة مؤسسات التدخل؟!

إن الحديث عن فائض لا يستند إلى تطورات هامة في الإنتاج، فمازلنا بعيدين كثيراً عن مستويات قبل الأزمة، بل نحن إلى تراجع كبير في الاستهلاك المحلي، نتيجة ارتفاع السعر بشكل رئيسي ما سيؤدي لتصدير معظم الكميات المنتجة بغض النظر عن حاجة المواطن السوري لها. 

وإن ذلك يؤكده البند الأخطر من القرار والذي ينص على (التأكيد على إلغاء نسبة الـ10% لصالح المؤسسة العامة للخزن والتسويق) أي التنازل عن حصة مؤسسات التدخل الإيجابي، التي كان القطاع الخاص يسلمها لها للتدخل في السوق والبالغة 10% من حجم صاردات القطاع الخاص، وبالتالي حرمان السوق المحلية من جزء هام من حصته، لمصلحة مصدريها للخارج. إن هذه الكمية التي كانت تسلم لمؤسسات التدخل الإيجابي وفق القرار القديم، والتي تم إلغاؤها حالياً، كانت بالكاد تسمح بالتحكم بمستوى سعر البيض في السوق المحلية، فماذا سيحصل الآن بعد التخلي عن هذه النسبة وفتح التصدير، دون توضيح حجم الاستهلاك المحلي واحتياجات المواطن؟!

بانوراما البيض...  سعر البيض تضاعف 5 مرات!

بدل أن تعمل الحكومة على تخفيض سعر البيض في السوق المحلية لتمكين المواطن من استهلاكه، ودعم المنتج لتعويض إنخفاض السعر وارتفاع تكاليفه، تسعى لتصديره فتُربّح المنتج على حساب حاجة المواطن، وسنتبين فيما يلي ارتفاعات أسعار البيض في السنوات الماضية:

أي أنه ورغم إنخفاض السعر الحالي عما سبقه، إلا أن سعر البيض تضاعف منذ عام 2011 إلى عامنا الحالي بخمس مرات، وبلغ ذروته في عام 2013 عند حدود 7 مرات.

هل نحن بحاجة إلى 7,3 مليار بيضة؟!

وفقاً لمؤشر حاجات الفرد للغذاء الضروري، فإن كل فرد يحتاج إلى (2400) حريرة يومياً، مقسمة على عدد من المواد الغذائية الأساسية، والتي يشكل البيض أحدها بمقدار (75) حريرة، أي ما يعادل بيضة واحدة للفرد يومياً (50 غرام). وعلى افتراض أن وسطي عدد أفراد الأسرة 5 أشخاص. فإن الأسرة السورية بحاجة إلى (5) بيضات يومياً. لذلك نحن بحاجة (7,3) مليار بيضة سنوياً، وهو ما يشكل رقماً أكبر من إنتاجنا السنوي في ذروته ماقبل الأزمة والبالغ حينها (4) مليار بيضة.  

خمس الأجر للبيض!

أما حاجة الأسرة السورية شهرياً من البيض وفقاً للمؤشر السابق، فهي (150) بيضة (5 صحون) وهي تكلف بأسعار اليوم حوالي (2750) ليرة وحصتها من الحد الأدنى للأجور البالغ (13400) ليرة حوالي (20%) أي خمس الأجر.

سياسات التصدير وسلبياتها!

مرة أخرى تبرز سلبيات سياسات التصدير التي تتبناها الحكومة، فهي تستند إلى انخفاض الاستهلاك المحلي بسبب ارتفاع السعر، وليس زيادة الإنتاج. وبمعنى آخر إن رفع الأسعار خدم هذه السياسة بإعطائها المبرر الكافي للحديث عن فوائض قابلة للتصدير.

كما إن سياسة التصدير لا تضع في أولوياتها، حساب حاجات المواطن وتلبيتها بالدرجة الأولى، بل تستند إلى إمكانياته المتراجعة في الاستهلاك، وشتان بين الحديث عن فائض الحاجة، وفائض بسبب تراجع قدرات الاستهلاك!. 

إن هذه السياسات المسلمة بانخفاض الاستهلاك المحلي تضر بالمنتجين، فهي وإن أمنت لهم سوقاً خارجية للبيع، لكنها ستحرمهم تدريجياً من السوق المحلية وترهنهم أكثر للأسواق الأجنبية، وتقلباتها. ناهيك عن أنها لا تنبني على دعم المنتج الذي سيندفع إلى السوق الأجنبية طالما أن المواطن غير قادر على الاستهلاك، وبالتالي فإن (التصدير) يكيف قطاعاتنا الاقتصادية تدريجياً للاعتماد على الطلب الأجنبي بالدرجة الأولى لا على الطلب المحلي، وإن هذه السياسة تضر بالمواطن وتوهم المنتج مؤقتاً بالعوائد، وتكيف الاقتصاد للارتباط أكثر مع العالم الخارجي بدل تعزيز الاستقلالية في ظل الأزمة والحصار.