عبّاد شمس: سخرية التصريحات.. وتعنّد السياسات
تحولت التصريحات الحكومية إلى واحدة من مواد السخرية الدسمة للسوريين. حيث تأتي السخرية المريرة كردة فعل طبيعية على المفارقة بين قسوة وفجاجة السياسات الاقتصادية التقشفية في الإنفاق على الحاجات العامة والأجور، وبين الردود الرسمية التبريرية الواهية.
كأن يصرح وزير التجارة الداخلية بأن تدهور نوع الخبز نتيجة التوفير في كميات الطحين، مفيد للصحة العامة، أو أن يقرر وزير الاتصالات بأن زيادة أسعار المكالمات الخليوية ليست كبيرة، وقبلها وزير الاقتصاد الذي قرر أن أجور السوريين لازالت أفضل من جيرانهم، وسبقها دعوة وزير المالية للسوريين للتقشف كأنهم يملكون الخيار!، ثم تعداد رئيس مجلس الوزراء لقائمة الخدمات التي ستغطيها 4000 ل.س تعويض نفقات المعيشة! يضاف إلى هذا وذاك المفارقة الدائمة بين المهمة المعلنة لحاكم المصرف المركزي، وهي حماية العملة الوطنية وبين تزويد وكلاء السوق السوداء بملايين الدولارات مع كل مضاربة على قيمة الليرة..
السياسات الاقتصادية التقشفية الليبرالية خلال الحرب، معنّدة ومستمرة بثبات، غير مكترثة بالرأي العام، أو بفعالية التبريرات الوزارية وجدوى تأثيرها على السوريين، الذين بدورهم يعلمون أنها مجرد محاولة فاشلة للتعاطي مع الاحتقان الناجم عن كل إجراء اقتصادي يزيد من مرارة الحرب، ووحشية المستفيدين منها.
المحددات التي تسير عليها السياسات واضحة، وهي تتضمن أولاً: تخفيض الإنفاق العام إلى الحدود الدنيا الممكنة، أي تقليص دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، لتتقلص الأرقام في الإنفاق على الكثير من القطاعات، أما الأرقام التي ازدادت فتفقد قيمتها في ظل تراجع قيمة الليرة. ويشكل رفع الدعم عن بقايا المواد المدعومة أحد أهم أدوات تخفيض الإنفاق، وشرط تحقيق المحدد الثاني في السياسات، وهو هيمنة السوق والتحرير الكامل.
تبرز في هذا السياق خصخصة القطاعات الكبرى، ليُسمح للقطاع الخاص باستيراد المحروقات ويُكسر دور الدولة المحوري في إنتاج وتوزيع الطاقة، ويُسمح بخصخصة الجزء الكبير المُستثمر من شبكة الخليوي، ويتم الاعتماد على القطاع الخاص في استيراد كل احتياجات البلاد من المواد الأساسية، وتُسلم مفاتيح معامل الدولة الفعالة للشراكة مع القطاع الخاص، كما في الاسمنت، والاحتمالات لا تزال مفتوحة في قطاع الكهرباء الذي تتم إعادة هيكلته الآن، ما قد يؤدي إلى الاعتماد على القطاع الخاص في التوليد والتوزيع بأسعار محررة.
تخفيض النفقات، وتسليم السوق مفاتيح القطاعات الكبرى، هي أهم دعامات إقامة نموذج الدولة الهشة، المطلوب غربياً، والمثالي لمرحلة إعادة إعمار تبيح البلاد لسماسرة المال الخارجيين وشركائهم في الداخل، وكل هذا هو نتاج جهاز الدولة المستلب من الفساد، بينما السوريون ممنوعون من الدفاع عنه.