الصادرات: نقطة انطلاق في (المشروع الاقتصادي) الحكومي .. فماذا حصل؟

الصادرات: نقطة انطلاق في (المشروع الاقتصادي) الحكومي .. فماذا حصل؟

تشكلت الحكومة الجديدة- القديمة في شهر آب 2014، وافتتحت نشاطها الاقتصادي برفع أسعار المازوت والبنزين للصناعيين، والسماح للقطاع الخاص باستيراد المازوت لأغراض الصناعة، وكان ذلك بداية الإعلان عن تسويق (مشروع اقتصادي) جديد محوره الأول هو (عقلنة الدعم)، والثاني (تحفيز التصدير) ودعم الإنتاج المحلي.

عشتار محمود

وبالفعل انطلقت منذ ذلك الحين، أخبار التصدير والمصدرين واتحادهم وهيئتهم، لتملأ صفحات الإعلام المحلي المهتم بالشؤون الاقتصادية. وكان الربط بين الفكرتين أي عقلنة الدعم وتحفيز التصدير، هو أن: (توفير الموارد للحكومة التي كانت مخصصة للدعم سيدفع إلى زيادة الاستثمار العام، ودعم الإنتاج المحلي لزيادة التصدير، وسيؤدي إلى توسيع الإنتاج، وزيادة التشغيل والدخول ويقلص البطالة، ويعيد ترميم القطع الأجنبي من خلال عائدات التصدير).

فهل حقق تحفيز التصدير الأهداف الرئيسية، أي توسيع الإنتاج المحلي وتحقيق عوائد من القطع الأجنبي؟ 

(فرط الحماس) الحكومي..

ومضاعفة الصادرات!

كانت الحماسة قد دفعت وزير الاقتصاد الحالي، ورئيس هيئة التخطيط سابقاً إلى الإعلان بشهر 5-2014 أن الصادرات السورية قد بلغت 2 مليار يورو خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، وعاد اتحاد المصدرين لينفي ذلك لقاسيون، ويقول: (أن الرقم الوحيد المعلن حول ذلك هو رقم مركز التجارة العالمي (ICT) الذي أشار إلى 31 مليون دولار في 3 أشهر الأولى).

بكل الأحوال فإن عام 2014 انتهى وبدأت تظهر أرقام أكثر (عقلانية)، ولكنها  متباينة. حيث أعلنت وزارة الاقتصاد بتاريخ 12-3-2015 بأن الصادرات في 2014 قد تضاعفت عن حجم الصادرات في 2013!، وذلك في معرض ردها على أرقام منشورة من مراكز أبحاث خاصة حول الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري، أي زيادة الواردات مقابل الصادرات. فهل تضاعفت الصادرات فعلاً، أم أن هذا التصريح من (فرط الحماس) الحكومي أيضاً؟

تتوافق الأرقام الرسمية حول صادرات 2013، مع الأرقام الدولية من مركز التجارة العالمي ICT، والذي أعلن أن مجموع صادرات سورية بلغت 1,3 مليار دولار، وهو الرقم ذاته الذي أعلنه رئيس هيئة تنمية وترويج الصادرات إيهاب اسمندر في 2014 حول صادرات العام الذي سبقه..

أما بالنسبة لصادرات عام 2014 فقد تباينت الأرقام الرسمية حولها، بين تصريح مدير عام الجمارك الذي أعلن أن قيمتها بلغت 1,3 مليار دولار في 2014 أي أنها لم تحقق نمواً يذكر عن 2013، وبين تصريح رئيس هيئة تنمية الصادرات الذي أعلن أن القيمة الفعلية للصادرات السورية في 2014 تصل إلى 1,8 مليار دولار، أي أنها حققت نمو بمقدار 38%.

وبكل الأحوال فإن الصادرات لم تتضاعف قيمتها وفق أي من التصريحات الرقمية الحكومية، أي نسبة نمو 100% لم تتحقق، ما يجعل تصريح وزارة الاقتصاد حول تضاعف الصادرات مبالغ به، أو بحاجة إلى تفسير.

8% نمو الصادرات الاستهلاكية 

تحسنت نسبياً في 2014 الصادرات المعدة للاستهلاك، أي المصنعة سورياً فبعد أن كانت نسبتها 20% في 2013، بلغت 28% في 2014، أما النسبة الباقية العظمى وهي حوالي 71% من الصادرات ما يسمى سلع وسيطة، أي سلع غير مصنعة كلياً في سورية بل مصدرة لتصنع في الخارج، وتُ ظهر بيانات ICT حول صادرات عام 2013، حيث شكلت الفواكه والمكسرات أبرزها بمقدار 220 مليون دولار، ليليها القطن بمقدار 123 مليون دولار، نصفها تقريباً قطن بشكله الخام بمقدار 61 مليون دولار، تلتها مجموعة الملح والكبريت والجص والحجر والكلس والإسمنت بمقدار 111 مليون دولار، ثم الحيوانات الحية بمقدار 90 مليون دولار، أما الخضار والجذور والدرنات بلغت 81 مليون دولار.

عوامل أمنية دعمت تكيف المنتجين

النمو البسيط في الصادرات الاستهلاكية النهائية بين 2013 و 2014، لم يتعدّ زيادة 8%، وهو ما يتم التحدث عنه حول تحسن الصناعات التحويلية في سورية، الصناعات الغذائية والألبسة والأدوية بشكل رئيسي، وهذا جيد، ولكنه يعود بالدرجة الأولى إلى تغيرات في الواقع الميداني المرتبط بمناطق التوتر، حيث أن الخسارة الكبرى في المدن الصناعية كانت في عامي 2012 و 2013 وأدت إلى توقف شبه كامل، لتعود كل من حسياء وعدرا الصناعية إلى العمل جزئياً في 2014 وهذا كان  أحد أهم المحددات في التحسن في نشاط الصناعات التحويلية، وتحسن ظروف النقل، وزيادة قدرة المنتجين على التكيف مع الظروف الطارئة المتعلقة بالأزمة، بعد تجربة ثلاث سنوات من التدهور المتسارع، واستقرار جزء منهم في المناطق الآمنة نسبياً.

السياسات عرقلت ولم تدعم!

إلا أن تحسن العامل الأمني المؤثر إيجاباً فتح احتمالات تحسن النشاط الإنتاجي إلا أنه لاقى إعاقة جدية في كافة السياسات الحكومية الاقتصادية التي سبقت وأعقبت الإعلان عن مشروع (تحفيز التصدير)!.

حيث نتج عن عقلنة الدعم وجملة سياسات ليبرالية اقتصادية أخرى خلال عام 2014، ارتفاع في المستويات العامة للأسعار، وبالتالي ارتفاع كبير في الكلف على المنتجين الصناعيين والزراعيين كافة، كان محركها الأول هو شعار الحكومة بعقلنة الدعم، وقبله تخفيض الإنفاق، الذي تُرجم بتراجع الحكومة في ظروف الحرب عن دعم المحروقات وبالتالي تحرير أسعار المازوت والبنزين على الأقل، ورفع أسعار الفيول بنسبة 70%، مما يزيد من كلف العمليات الإنتاجية والنقل. 

يضاف إلى هذه الخطوة -التي تعاكس تماماً دعم الإنتاج- السياسات التي أدت إلى تراجع كبير في قيمة الليرة السورية، وسوء إدارة احتياطي القطع الأجنبي، الذي انتقل للمضاربين من كبار الرابحين وكبار المستوردين، وما نجم عنه من زيادة قدرة هؤلاء على التحكم واحتكار مستلزمات الإنتاج الرئيسية، وهو ما يتضح جلياً في الزراعة أكثر من الصناعة، حيث تحملت خسائر كبرى أدت لتوقفات في الإنتاج، نتيجة ارتفاع كلف أسعار المازوت ومستلزمات الإنتاج غير المدعومة، بل وذات الأسعار الاحتكارية والمرتبطة بالدولار لأنها مستوردة بأغلبيتها العظمى، مثل البذار والأدوية، وأغلب المكونات العلفية، بالإضافة إلى الأسمدة التي تضاءلت كميات توزيعها، وأصبحت بجزء هام منها مستوردة ومدعومة بنسب ضئيلة، وينتقل الجزء الأكبر منها عبر الفساد المنظم إلى السوق السوداء لتصبح أسعارها (عالمية) وغير مدعومة.

تراجع في إنتاج الزراعات التصديرية

على سبيل المثال شهدت الزراعات التصديرية الفائضة تراجعاً في الإنتاج خلال عام 2014، وفي ظل سياسات تحفيز التصدير!، فالمعلومات حول البندورة المحمية، والحمضيات أشارت إلى تراجع 55% في الأولى، وهو التراجع في عدد البيوت البلاستيكية المزروعة من إجمالي العدد وذلك مع زيادة الكلف إلى 55 ل.س للكغ في 2014، بينما كانت 27 ل.س للكغ وسطياً في 2013 وفق تقديرات سابقة،  أما الحمضيات فقد شهدت (ازدهاراً) وفق الأرقام الرسمية، بينما تبين الوقائع القائمة على أخذ العينات من بلدات رائدة في الإنتاج، إلى تراجع بلغ النصف في بلدة يحمور على سبيل المثال والتي تساهم بنسبة 8-9% من الإنتاج السوري، وذلك بسبب تراجع قدرة أغلب المزارعين عن تمويل تكاليف عمليات الزراعة، التي بلغت حوالي 100 ألف ل.س للدونم، وحوالي 25 ل.س للكغ في 2014، ليتوقف الإنتاج لدى أغلب المشاريع التي تضطر للسقاية بالمولدات. 

تخفيض الرسوم على التجار

وزيادتها على المنتجين

يضاف إلى ذلك آخر السياسات الليبرالية التصعيدية التي تواجه ما تبقى من إنتاج محلي، والقائمة على تخفيض الرسوم الجمركية على المواد المستوردة حتى التي تتوفر لها بدائل محلية، وفرض ضريبة رسم الإنفاق الاستهلاكي التي تحمّل المنتجين المحليين رسوماً تصل إلى 24%، و16% وبأدنى حد 5%، بينما تحمّل مستوردي السلع المشابهة رسوم لا تزيد عن 5%، وأبرز مثال على ذلك، الخيوط المستوردة التي يفرض عليها رسم إنفاق 1%، بينما إنتاج الخيوط المحلية عليه رسوم بمقدار 5%. بحسب ما ورد في اعتراضات ومقترحات غرف الصناعة على فرض الرسم.

أي أن كل الإجراءات الاقتصادية في عام 2014، كانت بالمحصلة تتعاكس مباشرة مع محاولات الإنتاج المحلي للتكيف والاستمرار، حيث رفعت كلفه الأساسية  أي الوقود، وخفضت كلف استيراد التجار لبدائله، بينما لم تشهد الصناعة أو الزراعة المحلية أي شكل جديد من أشكال الدعم، في مواجهة تراجعه السابق بشكل شبه نهائي، حيث يتركز الدعم المتبقي اليوم في قطاع الكهرباء، ولكنه مترافق مع تدهور في عمليات إنتاجها ما يهدد برفع الدعم، وتسليم القطاع الخاص ومستوردي (الأمبيرات) مهمة (كهربة البلاد)!.

(معارض ولجان).. فخر الدعم الحكومي

ما تفتخر به الحكومة هو دعم مباشر للصادرات تظهر المعلومات حوله تراجع في الشركات والجهات القادرة على التصدير، حيث بلغ 50 مليون ل.س في 2013، مقابل 160 مليون ل.س في 2012، بالإضافة إلى التسهيلات والمساهمة في نفقات مشاركة المصدرين السوريين في المعارض الدولية في 2014، ومجموعة من القوانين واللجان والجهات المتعلقة بالتصدير، التي لن تستطيع حتى إن اجتهدت في العمل، أن تواجه حقيقة ترافق السياسات مع عملية لبرلة نهائية لاقتصاد أزمة، وتتركز أمواله وبالتالي قرارته والمصالح فيه، بيد الفساد والمضاربين ودعاة الربح السريع الرخيص وأمراء الحرب، ما يعني بالتجربة تضاؤل الإنتاج المحلي وازدياد الطفيليين انطلاقاً من التجارة بديلاً عن الإنتاج وصولاً إلى صناعة العنف عوضاً عن الإعمار، إن سياسات تتجاهل الفقر والحرمان في ظروف الحرب، ولا تنطلق منهما لا يمكن أن تخلق مجال عمل وحركة للإنتاج والمنتجين.

أسعار رسمية  لتخفيف عوائد التصدير!

خلف أسباب اختلاف حجم الصادرات وبالتالي العوائد المتوقعة منها، بين الرقم الرسمي والأرقام الحقيقية، تكمن نشرة أسعار الصادرات التي صدرت خلال الأزمة نشرتين منها عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لتسعر الصادرات بأسعار غير حقيقية، وأقل من أسعار المنتجات في السوق السورية بفوارق بلغت في نشرة عام 2013 حدود تصل إلى 100%  وأكثر في بعض المواد كالحبوب: فالبرغل بـ 35 ل.س، الحمص حب 60، وزيت الزيتون 150 ل.س!

لا يوجد أي تفسير لتسعير الصادرات بهذه الأسعار التي تسمى تأشيرية، سوى أنها تؤدي إلى تخفيض قيمة فواتير التصدير، التي يحدد على أساسها ما يجب أن يستعاد من قطع أجنبي، بالتالي هي تؤدي إلى تخفيض العائدات المطلوبة من القطع الأجنبي، والتي لا يدفع إلا نصفها بأحسن الأحوال (260 مليون دولار)، أو أقل من ربعها (130 مليون دولار) مع اختلاف التقديرات المبنية على تصريحات حكومية!.

خلاصة

- تختلف الأرقام على حجم (نمو) قطاع الصادرات في 2014، الذي ارتبط تحسنه أو توقف التدهور فيه، بالدرجة الأولى باستقرار نسبي في المدن الصناعية التي توقف أغلبها في 2013، وخرج بعضها بشكل نهائي عن الإنتاج.

- تعلن وزارة الاقتصاد أن (مشروعها الاقتصادي) القائم على تحفيز التصدير قد أدى إلى مضاعفة الصادرات، دون وجود أي رقم يثبت ذلك، لأن الأرقام الرسمية غير حقيقية بحسب الوزارة، ومبنية على أساس أسعار تأشيرية يبدو أن هدفها، تخفيض العوائد من القطع الأجنبي الناجم عن التصدير، الذي لا يستعاد منه إلا الجزء اليسير 10-25%.

- إن حجم زيادة قطاع الصادرات لا يبدو ذا شأن، وتحديداً إذا ما كانت كل السياسات الاقتصادية في النموذج الليبرالي المستمر في الحرب تؤدي حتماً إلى تراجع الدولة عن الدعم، بالتالي تراجع الإنتاج حتماً، وأوضح النتائج هو تراجع إنتاج الزراعات التصديرية بسبب زيادة الكلف، وتراجع الدعم.

- الوزن الأساسي في التصدير هو لكبار التجار، من أمثال تجار أسواق الهال، الذين يستجرون الفواكه والخضار من المنتجين بأسعار تقارب التكلفة، ويبيعونها خارجياً بالقطع الأجنبي، يضاف إليهم جزءاً قليلاً من الصناعيين الذين يعالجون المواد الأولية المحلية بالمستويات الدنيا، ليعلبوا زيت الزيتون، أو يجففو قشور الفواكه، وبأحسن الأحوال تصنيع الألبسة. وهؤلاء القادرون على الاستمرار في ظروف ارتفاع كلف الإنتاج بمستويات قياسية، ويتحولون تدريجياً إلى قطاع معزول عن السوق المحلية، التي تتراجع قدرتها الشرائية، ويخسرون قدرتهم على الاستمرار في ظروف ارتفاع الكلف، ومنافسة المستوردين، أو المنتجين الخارجيين.

- إن التصدير والتهريب لم يعد يتم اليوم من السلع الفائضة فقط، بل أصبح يتم على حساب الاستهلاك المحلي، فمقابل وجود منتجات متاحة للتهريب أو التصدير، يتواجد ملايين من السوريين الذين تقلصت قدرتهم على الشراء والاستهلاك للحد الأدنى، يفترض أن يكونوا نقطة انطلاق المشروع الاقتصادي الحكومي، عوضاً عن السماح بتهريب المنتجات المحلية بشكل شرعي أو غير شرعي.