موازنة 2015: لا نيّة للسحب من الربح المتراكم إلى الصالح العام!

موازنة 2015: لا نيّة للسحب من الربح المتراكم إلى الصالح العام!

إحدى أهم مهام الحكومة أن تحصل على الإيرادات التي يفترض أن تخصص للصالح العام إما من نشاطها الاقتصادي، أو من نشاط بقية المجتمع، عن طريق الضرائب والرسوم.

في ظروف الحرب، ينشط الأقوياء اقتصادياً فقط، ويزداد الطابع المضاربي لهذا النشاط، فالأرباح تكبر في ظروف الفوضى في السوق السوداء من سوق الإتجار بالبشر، وصولاً إلى سوق المضاربة على قيمة الليرة، مروراً بالمضاربة على أسعار قوت الناس ودفئها، وقد يفسر هذا أن الحكومة السورية تزيد من اتكائها على أصحاب الأجور،  في تحصيل إيراداتها، فهم أقل قدرة على الاعتراض وأكثر التزاما بالتسديد. و لكنه لا يفسر تقديمها (حسومات مغرية) لكبار الرابحين!. ولا شيء يفسر تجاهل مستوى المساس (بالسيادة الوطنية) و(هيبة الدولة) الذي يمارسه تجار الحرب، والمتسقون معهم.
ويظهر في موازنة 2015 التي تناقش اليوم، بعض جوانب الإيرادات التي تدل على سياسة (ترك) الحكومة للمال الخاص المتراكم بطرق شرعية وغير شرعية في الحرب، والاعتماد على إيرادات ترفع مستويات الأسعار، وتدفعها الأجور تحديداً.
زيادة الضرائب على الأجور
على الرغم من ثبات كتلة الأجور والرواتب التي ستدفعها الحكومة لعمالها، في عام 2014 و 2015، حيث يزداد مجملها مع التعويضات وكلفة فرص العمل الجديدة بمقدار 5 مليارات فقط، بينما تنخفض كتلة الأجور والرواتب السابقة بمقدار 6 مليارات، نتيجة التسريح والتسرب. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في القيمة الحقيقية لهذه الأجور مع ارتفاع الأسعار، فإن الحكومة تسعى لتحصّل إيرادات إضافية من هذه الكتلة! حيث تعلن موازنة 2015، أن ضريبة دخل الرواتب والأجور، سترتفع من 12 مليار ل.س في عام 2014، إلى 15 مليار ل.س في عام 2015.
ونستطيع أن نستنتج بأن: الحكومة تنوي سحب جزء هام من الزيادة الطفيفية التي ستزيدها، على كتلة الأجور الإجمالية.
الضرائب على الأرباح
أما بالنسبة للجزء الآخر من الضرائب المباشرة، أي ما تسميه الحكومة ضريبة دخل المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية، والتي تخلط فيها البيانات الحكومية (الحابل بالنابل) أي تضم ضرائب الأرباح على كبار المكلفين، وصولاً إلى الضرائب أصغر ورشة نجارة أو حدادة في آخر أصقاع الريف!. فإن الحكومة تقدم حسومات لأصحاب الربح، وتخفف من توقعاتها بتحصيل إيرادات من أصحاب الربح، وتعلن بأن مجمل هذه الضرائب سينخفض إلى 32 مليار ل.س فقط من كل هؤلاء، الذي يندرج ضمنهم مؤسسات الدولة العامة التي تلتزم بالدفع.
فهل حقاً أصحاب الربح غير قادرين على سداد أكثر من 32 مليار ل.س!! (الجدول المرفق)
ينبغي التذكير بأنه يتراكم على المصارف الخاصة ضرائب غير مدفوعة حتى عام 2013 تبلغ 5,3 مليار ل.س /حسابات قاسيون/، وتسجل بيانات شركات الاتصالات الخليوية دفع ضرائب بأقل من النسب المطلوبة ففي عام 2013 على سبيل المثال، دفعت mtn  ضريبة 431 مليون، بينما يفترض أن تدفع 671 مليون، وفق نسبة ضرائب ربح للشركات المساهمة 22%. وهذا ينطبق على الكثير من المنشآت الخاصة، وكبار المكلفين المتهربين ضريبياً حيث وصلت تقديرات مجمل التهرب الضريبي من الضرائب والرسوم  إلى 400 مليار ل.س من قبل خبراء اقتصاديين في عام 2012.
المثال في مادة قاسيون بعنوان (الحكومة تتهرب ضريبياً! ضريبة المستوردين أكبر من تقديراتها) حول المستوردين يعطي نموذجاً (فاقعاً)، عن تقليص الحكومة لتقديرات ضرائب الربح، فالتقدير الأولي لإيرادات المستوردين والضرائب التي يجب أن يدفعوها يشير إلى إمكانية تحصيل ضرائب بأكثر من 43 مليار ل.س من هذا القطاع فقط، بينما مجمل ما تريد الحكومة تحصيله من ضرائب ربح في 2015 هو 32 مليار ل.س!.
ونستطيع أن نستنتج أن: الحكومة غير راغبة أو قادرة  على مكافحة التهرب الضريبي كما تكرر وتعلن، وتحديداً بعد تشكيل الحكومة الجديدة- القديمة.
ماذا عن الاتصالات؟!
لم تصدر شركات الاتصالات بياناتها للعام الحالي 2014 كاملة، بل أصدرت بيانات الربع الأول التي تشير  في حالة سيرتيل إلى تضاعف صافي الربح في الربع الأول من عام 2014، عن الفترة ذاتها في عام 2013، حيث ارتفع الربح الصافي بنسبة 128%. وربما تعطي هذه النسبة الدلالة على أنه من غير المنطقي توقع ثبات أو تراجع إيرادات الشركتين، وتحديداً بعد رفعهما لأسعار الخدمات بنسبة وسطية 45%، وفي بعض الخدمات 100%.
على الرغم من كل ذلك فإن الحكومة تنقل رقم إيراداتها من عقود الخدمة في شركات الاتصالات من عام إلى آخر ثابتاً، 40 مليار ل.س في 2013-2014-2015، مع العلم أن الحصة وفق بيانات الشركات يفترض أن تبلغ أكثر من 50 مليار ل.س في 2013: /21,5  مليار ل.س من mtn + 29,25 مليار ل.س من سيرتيل= 50,7 مليار ل.س/.
 إلا أن الحكومة (تكتفي) برقم 40 مليار  وتترك الباقي من الأرباح لأعضاء مجلس إدارة أكثر الشركات السورية ربحاً وتمركزاً، حيث يملك أقوى 5 أعضاء في سيرتيل نسبة 81% من الملكية، والـ 5 الأكبر في mtn يمتلكون 97,7% من ملكية الشركة الكبيرة.
إن تثبيت الحكومة لحصتها من إيرادات الشركتين، بمقدار 40 مليار ل.س فقط، يعني بأن السعي إلى خصخصة الشركات لا يزال قائماً، لأن الحكومة تتنازل عن توسيع حصة المال العام القانونية في إيرادات الشركات.!
إيرادات رفع الأسعار
تستمر إيرادات الحكومة من فروق الأسعار الناتجة عن فروق أسعار بيع المحروقات بنسبتها العظمى، وتبلغ هذا العام 161 مليار ل.س، سيدفعها مستهلكي المحروقات!.
ختاماً
تدل أرقام الموازنة، حول الإيرادات التي ستسعى الحكومة لتحصيلها في عام 2015، إلى أن النيّة هي تقليص عمليات السحب من المال الخاص إلى المال العام، ونقصد بالمال الخاص هنا الربح الكبير المتراكم خلال الحرب. وبينما لن تزيد الحكومة الأجور، ولن تقدم على سياسات تزيد الأجور الحقيقية، أي لن تخفض أسعار المحروقات، ولا تضع في موازنتها مخصصات لدعم سلة غذائية، فإن هذا يعني استمرار انتقال بقايا أجور السوريين خلال العام القادم، إلى أصحاب الربح أولاً، وعلى شكل إيرادات حكومية ثانياً.
وهذا هو المنطق الطبيعي لليبرالية الاقتصادية التي تسخر السياسة الاقتصادية لخدمة الأقوياء اقتصادياً.

آخر تعديل على الأحد, 16 تشرين2/نوفمبر 2014 14:04