أزمات تسبق قراراتها.. الحكومة ترفع سعر المازوت والبنزين رغم عدم توفرهما
منحت الحكومة السورية مجدداً الشرعية لمستغلي المواطن وسارقيه، بقراراتها الأخيرة القاضية برفع سعر كل من ليتر المازوت والبنزين، حيث جاءت هذه القرارات لتثبّت الزيادة في الأسعار وأجور النقل، التي حلقت في الفترة السابقة لصدور تلك القرارات...
ومن جديد فرضت السياسات الاقتصادية على المواطن السوري أن يدفع ثمن الأزمة من جيبه الخاوي، فضلاً عن تحمل نتائج تدهور قيمة العملة الوطنية وتردي الاقتصاد، وضعف الموارد، كما لو أن للمواطن السوري موارد لا تنضب !.
ونص القراران على تعديل سعر ليتر المازوت الحر من 60 ليرة سورية إلى 80 ليرة ويقضي الثاني بتعديل سعر ليتر البنزين من 120 ليرة إلى 140 ليرة.
معايدة حكومية
ويعتبر قرار رفع سعر ليتر المازوت، من أكثر القرارات حساسية، نظراً لارتباط هذه المادة بمعظم مناحي الحياة، من سلع وخدمات وأجور وغيرها..
وتناقلت وسائل الإعلام المحلية القرارات الصادرة بعناوين تتهكم فيها على التوقيت المختار لصدور القرارين، مسمية القرارات بـ(عيدية الحكومة السورية للمواطنين).
واعتبر الكثير من المواطنين أن إصدار مثل هذه القرارات، لا يمكن أن يكون في مصلحتهم، وأن انعكاساته أكثر سلبية على حياتهم، حيث قال أبو نور (رب اسرة فقد عمله بسبب الأزمة) «لم يعد هناك ما يفاجئ في هذه البلد، ونتوقع كل يوم قرار لرفع الأسعار وآخر لفرض الضرائب، حتى نصل إلى يوم سيتوقف فيه المواطن عن شراء طعامه وعن دفع التزاماته، ربما حينها ستشعر الحكومة بما قامت به».
سياسات بلا دعم
ومن جهته عبر صالح طالب في كلية الهندسة عن سخطه مما آل إليه الحال قائلاً «في البداية أشبعنا بالحديث عن دعم المواطن، ودعم السلع الأساسية، والتمسك بلقمة عيش المواطن، والآن بدأنا مرحلة الجوع، والبداية الحقيقية كانت برفع سعر الخبز التي شكلت صدمة جعلت ما بعدها أخف وطأة، حيث فتحت الباب على مصراعيه لكل ما صدر وسيصدر من قرارات، نتيجتها تجويعنا وإفقارنا»، مشيراً إلى أن المواطن البسيط لا يمكن أن يقنعه أي حديث عن نفقات وقلة موارد وغيره من أمور، ما دام هو نفسه لا يجد من يعيله وعائلته، ليرى كذلك دولته تصارعه على لقمة عيشه...
كما تخوف المواطنون من انتقال عدوى ارتفاع الأسعار لمواد أخرى أساسية وهامة، مثل أسطوانة الغاز، التي تعيش كل عام أزمتها الخاصة، تحديداً مع قدوم فصل الشتاء، وقلة توفر مادة المازوت، وبالتالي حاجة الناس لما يوفر لهم الدفء، في ظل صعوبة تأمين الوقود إضافة لندرة توفر الكهرباء التي ننسى وجودها في كل شتاء..
تطبيق فوري
وبالنسبة للتوقيت الذي تم إصدار القرارين فيه، لا بد من دراسته وأخذ الحيطة من عواقبه، وبالتالي كانت العطلة الرسمية بمناسبة عيد الأضحى وحرب تشرين، لمدة أسبوع أفضل جدار محتمل تقف وراءه الجهات الحكومية، حتى يمتص الشعب الصدمة ويصبح القرار (بايت)، وهو ليس بجديد على حكومتنا العتيدة، التي باتت تتقصد إصدار مثل هذه القرارات الحساسة والتي لها علاقة مباشرة ووثيقة بمعيشة ولقمة المواطن، قبل عطلة طويلة المدة.
إلا أن هذا التوقيت من جهة المواطن لم يكن الأفضل على الإطلاق، فتجار السوق أصبح لديهم المبرر الشرعي الحاسم، لرفع أسعارهم أضعافاً مضاعفة، بحجة رفع سعر المازوت والبنزين، خاصة قبل العيد وما يعنيه ذلك من حاجة ملحة لدى الكثيرين للشراء والتبضع..
واستطاعت وسائل النقل، تصدر قائمة ارتفاع الأسعار متفوقة على الخضار والفواكه واللحوم، التي حافظت على مستويات أسعارها تقربياً، وذلك رغم عدم صدور نسب الزيادة المترتبة على وسائل النقل رسمياً، طبعاً بسبب عطلة العيد..
حيث أصبحت التعرفة التي فرضها السائقون على المواطن قبل صدور قرار رفع سعر ليتر البنزين والمازوت مثبتة تماماً، بل أعلى، بعد ان تذرع السائقون بعدم توفر الوقود في المحطات الحكومية، واضطرارهم لشارئه من تجار السوق السوداء بقيمة مضاعفة عن سعره الرسمي، إذ يباع ليتر المازوت الواحد بسعر يصل إلى 250 ليرة في السوق السوداء في حين كان سعره رسمياً 60 ليرة سورية..
وعلى سبيل المثال لا الحصر، رفع سائقو سرافيس ركن الدين شيخ خالد تعرفتهم من 15 ليرة إلى 20 ليرة لأجزاء الخط، وقام سائقو الدوار الشمالي بتقاضي 25 ليرة بدلاً عن 20 ليرة، وباتت تعرفة الركوب بسرفيس ميدان برزة لأي مسافة كانت 25 ليرة، و40 ليرة لكامل الخط، أما باصات النقل الداخلي المخالفة أساساً لتسعيرتها المحددة بـ20 ليرة، أصبحت تعرفة الركوب فيها 30-35 ليرة سورية.
ومن جانبهم سائقو سيارات الأجرة الخاصة أو تاكسي، لم يوفروا مجهوداً بابتذال تعرفتهم الجديدة، طبعاً والسبب رفع سعر ليتر البنزين، رغم كون ما يتقاضونه سابقاً مخالفاً ولا يقل عن 200- 300 ليرة عن المسافة مهما كانت، بات السعر الجديد لأي مسافة بواسطة التاكسي 350 ليرة، ووصلت إلى 500 ليرة بحسب شكاوى مواطنين لقاء الوصول من المزة إلى جسر الرئيس، وطلب آخر مبلغ 1000 ليرة مقابل الوصول من ابن النفيس إلى جرمانا بحسب مواطنين..
وقام عدد من سائقي التاكسي بتطبيق ما سمي بتكسي سرفيس الذي أعلنت عنه محافظة دمشق في فترة سابقة، لكن على طريقتهم الخاصة، فالمحافظة أكدت أن الآلية المسماة تاكسي سرفيس لم تطبق لعدم تقدم أي من السائقين للعمل وفقها بسبب الأجرة المحددة بـ50 ليرة والتي وجدها السائقون قليلة، لكن هؤلاء السائقون أنفسهم أوجدوا الأجرة التي تناسبهم حيث يطلب من كل راكب 200 ليرة سورية لتوصيلهم إلى جسر الكباس من جسر الرئيس، والحجة طبعاً غلاء البنزين..
عكس السير
وبالنظر لأسعار المحروقات في الدول المجاورة كلبنان والأردن على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن القرارات في سورية من جهة ولبنان والأردن من جهة ثانية تسير باتجاهات متعاكسة تماماً، فالأردن قام في بداية أيلول الماضي بتخفيض سعر البنزين بنسبة 6% تقريباً، وكذلك الأمر في لبنان الذي شهد خلال الفترة الماضية انخفاضاً في أسعار المحروقات انعكاساً لأسعار النفط الأمريكي الخام عالمياً، إذ تصدر نشرة أسعار المحروقات فيه اعتماداً على السعر العالمي،
بينما الواقع في سورية يسير باتجاه واحد لا ثانيَ له، حيث بدأت سلسلة رفع أسعار المحروقات مسيرتها دون توقف منذ بداية الأزمة السورية، حتى باتت الشائعة تسبق القرار، وتمهد له، فالملاحظ في دمشق وريفها على الأقل، غياب وشح في المازوت تحديداً، لفترة من الوقت، ورفع لمعظم الأسعار والأجور، حتى بات الواقع مفروضاً تمهيداً لصدور قرار رفع السعر، بمعنى امتصاص الصدمة قبل تلقي القرار، وبالتالي تخفيف الاستياء العام من المواطنين، بعد تعايشهم مع الغلاء..