(كيف يتم إيصال الدعم إلى مستحقيه)؟! الحكومة تلجأ إلى أضعف الحلقات وتترك (الهوامير الكبار)
منذ أكثر من 15 عاماً والتصريحات الحكومية تتوالى عن ضرورة رفع الدعم أو إيصاله لمستحقيه أو ألغائه بشكل كامل لأنه يستنزف خزينة الدولة، ومع هذه التصريحات كانت تتخذ قرارات برفع الأسعار تدريجياً بما يتناسب وأسعارها في دول الجوار والأسعار العالمية وذلك استناداً لوصفات «اقتصادية» بحته ذات طابع ليبرالي جوهرها وهدفها تقليص دور الدولة وخاصة في وظائفها الاجتماعية والاقتصادية.
قال رئيس مجلس الوزراء في اجتماعه مع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال أن «الحكومة تعمل على "عقلنة الدعم" وإيصاله لمستحقيه في إطار ترشيد الإنفاق العام والانتقال من الدعم الشمولي إلى الدعم الانتقائي لأن أعباء الدعم وحوامل الطاقة تستنزف الكثير من خزينة الدولة... وأنها تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحديد الأسعار وضبط تحريرها والتوزيع العادل للمشتقات النفطية والمواد الغذائية»!!
أين المواطن؟
يرد اتحاد العمال في تقريره الاقتصادي «لابد من الانتباه إلى موضوع هام جداً ويجب أن يؤخذ بالاعتبار رغم الظروف الحالية، ألا وهو ضعف الأجور والارتفاع غير المنضبط للأسعار والخدمات، مما يجعل الأجور في وادٍ والأسعار في وادٍ آخر، حيث كانت متوسط الزيادة الأخيرة في عام 2013 حوالي 30% من الأجور بينما كان ارتفاع الأسعار بحدود 300%!
السؤال الذي لا تجيب عليه الحكومة اليوم هو: كيف يعيش المواطن السوري بدخل هكذا ؟
لقد حار الجميع بحل هذه الأحجية، لذلك حدد تقرير النقابات المهمة الأولى للحكومة في المرحلة الحالية في البحث عن طريقة يتم من خلالها مقاربة مقبولة بين الأجور والأسعار تساعد المواطن على تحمل نفقات العيش بالحد المقبول خوفاً من تفشي ظواهر اجتماعية وأخلاقية تؤثر على تماسك المجتمع وأخلاقه.
من دفع الثمن؟!
إن المشكلة الأساسية أن الحكومة الحالية والسابقة ومن قبلها لم تتدخل لحل أو مناقشة اي أزمة يكتوي بنارها المواطن، فيه لاتنطلق أساساً في إجراءاتها من وضعه على سلم أولوياتها، فهي تتفرج على هذه الأزمات وترفع أسعار مواد أساسية كالمازوت والغاز والأسمدة والعلف، ومواد أخرى عديدة. فماذا يعني أن نسمع تصريحات عن رفع الدعم نهائياً عن هذه المواد بعدما تضاعفت أسعارها عدة مرات في الأعوام الثلاثة الماضية؟! أولم يدفع صاحب الدخل المحدود الثمن وحده؟ أي أن العامل والموظف هما من دفعا ثمن تدمير الاقتصاد السوري غالباً.
إن زيادة أسعار المازوت ومدخلات الإنتاج الأخرى تعني وبكل بساطة زيادة تكاليف الإنتاج في كل القطاعات من صناعية وزراعية إلى النقل وغيرها، وهذا يعني بشكل واضح ضرب التنمية في القطاعين العام والخاص المنتجين وهذا ما حدث فعلاً. إن ما حدث في السنوات الماضية كان عن سابق تصور وتصميم لتحقيق الهدف في ضرب الصناعة الوطنية في الصميم في القطاعين العام والخاص. لقد ضُرب القطاع الزراعي بشكل عام وخصوصاً السلع الاستراتيجية، حيث تراجعت زراعة القطن في السنوات الماضية وخصوصاً في هذا العام، كما أن غالبية شركات الغزل والنسيج توقفت عن العمل أو هي مضطرة لاستيراد القطن وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة للأراضي التي تروى بمياه الآبار فهي تعمل على المازوت أو الكهرباء، وبالتالي أصبح مورد زراعة القطن غير مجد فأقلع الفلاح عن زراعته.
كيف يتم إيصال الدعم إلى مستحقيه؟
ترافقت "سيمفونية رفع الدعم" وما تتكبده خزينة الدولة في هذا المجال مع فرض ضرائب على المواطن وذلك لتأمين بعض الموارد للخزينة، ولكن هذه الضرائب لم تتعب حديثي النعمة في فعالياتهم الحالية وفي أنشطتهم الاقتصادية بل أصابت ذوي الدخول المحدودة والمنتجين في قطاعات الزراعة والصناعة والأمثلة الضرائبية عديدة في هذا المجال. ولم تفكر الجهات الوصائية في تعويض لفاتورة المازوت للفلاح وفي هذا العام تحديداً، حيث امتنعت الحكومة عن التمويل النقدي للفلاح.
أما فيما يخص "إصلاحات الدعم" فقد اتخذت الحكومة في سنوات سابقة خطوات لتعويض المواطن بدفاتر لكل العائلات السورية وجرت تجارة وسوق سوداء في هذه الدفاتر وفشلت التجربة، كما أن التجربة اللاحقة القائمة على دفع مبالغ نقدية فشلت أيضاً، وكان السبب الرئيسي لكل ذلك الفشل هو الفساد الذي ولم تفكر الجهات الحكومة باتخاذ لو خطوة واحدة لمكافحته. ولو فكرت في ذلك لحصلت على موارد تفوق ما يدفع من دعم ولنا في عمليات الهدر في بونات البنزين وسيارات المدراء والوزراء والمسؤولين في مواقع عديدة موارد هامة، كما ظلت أموال الفساد والهدر والتهريب والتهرب الضريبي والجمركي بمأمن من محاسبة الحكومة..
إن هذه الأموال كافية لتأمين العجز الذي تبحث عنه الحكومة حيث قدر الاقتصاديون حجم الأموال المنهوبة عام 2007 من الاقتصاد السوري بـ (400) مليار ل.س وهذا الرقم يعادل بين (45-50%) من موازنة الدولة وحجم التهرب الضريبي (300) مليار ل.س وقد تضاعفت هذه الأرقام في السنوات اللاحقة فوصلت إلى أرقام فلكية. كما بلغ التهرب الجمركي في عام 2010 مبلغ (698) مليون دولار وبلغ خلال خمسة أعوام مبلغ (3.4) مليارات دولار كما جاء في قاسيون العدد «665».
ماهي البدائل؟
البدائل لتعويض خزينة الدولة واضحة وهي بعيدة عن رفع الدعم حتى ولو كان عن مادة واحدة، وإذا كانت الحكومة جادة في إيصال الدعم لمستحقيه فهناك إجراءات عديدة في هذا الاتجاه، كمنع ووقف التهريب الضريبي ووضع حد لنهب الثروة العامة من خلال عقود التصدير والاستيراد ومكاتب السمسرة والمحاصصة، ووقف الهدر في المصاريف الإدارية حيث بلغ مصروف سيارات الحكومة ومدراء الشركات العامة أكثر من (15) مليار ل.س على سبيل المثال، في حين كانت تتحمل الدولة في دعم مادة الأرز مبلغ (5) مليارات في العام 2010، وهناك إجراءات عديدة يمكن أن تتخذ بشكل مترابط ومتكامل وهو ما يؤدي للحد من العجز الذي يتحدثون عنه بشكل دائم.
بكل تأكيد ينبغي إيصال الدعم إلى مستحقيه فمن هم الذين يستحقون الدعم؟ هم عملياً أغلب الشعب السوري، أي العاملين بأجر وذوي الدخول المحدودة وهم 90% من الشعب السوري. فهل نعاقب أكثر هؤلاء من أجل الـ 10% من الأغنياء والذين لا يبالون أصلاً بالدعم أو اللا دعم.