البندورة المحمية.. خسارة نصف (البيوت) خلال عامين.. المزارع بلا دخل..
بلغ إنتاج البندورة المروية في عام 2011: 615486 طن، منها 532722 طن أي نسبة 87% تقريباً بندورة مزروعة في البيوت البلاستيكية وفق الزراعات المحمية، ومقدار 452322 طن منها منتجة في محافظة طرطوس، أي نسبة 73% من إنتاج البندورة منتجة في أكثر من 75 ألف بيت بلاستيكي مزروعة..
وتفيد الأرقام السابقة في التأكيد على أن الزراعة المحمية للبندورة في محافظة طرطوس، تستطيع أن تقدم صورة عامة عن وضع هذه الزراعة، وتحديداً في الظروف الحالية.
تراجع الإنتاج
خلال الأزمة تفاقمت ظاهرة تراجع الإنتاج، نتيجة عدم زراعة الكثير من البيوت البلاستيكية، الموجودة والمرخصة..
وإذا ما كان السبب قبل الأزمة هو ارتفاع التكاليف، وانخفاض نسبة ربح المزارع، فإن السبب خلال الأزمة هو الخسارات التي أصبحت حالة شبه عامة في زراعة البندورة في محافظة طرطوس، التي تغطي حاجة سورية مع تراحع إنتاج بقية المناطق (درعا- ريف دمشق).
فمزارعون في موسم 2013، زرعوا وخسروا النصف، أي باعوا بنصف التكلفة، ومزارعون لم يقطفوا ثمار البندورة، ليخففوا من تكاليف القطف، ويقللوا الخسائر.. ومن عاد للإنتاج فقد عمل على المناورة ليخفف التكاليف بتخفيف كميات السماد أو الأدوية، او المثبتات، ما انعكس على الإنتاجية.. وجزء كبير منهم زرع بيتاً، وترك الآخر، أو زرع موسماً وترك الآخر.. وهكذا.
خسارة ربع البيوت كل عام..
أشارت تصريحات من مديرية زراعة طرطوس إلى أن 30% من البيوت البلاستيكية لم تزرع في موسم العام الماضي، بينما في موسم 2014 فإن حوالي 55% من البيوت البلاستيكية لم تزرع، أي أن ربع البيوت البلاستيكية خرج من الإنتاج خلال عام واحد، وأكثر من نصفها خلال عامين. حيث زرع حوالي 57 ألف بيت بلاستيكي فقط، من أصل 124 ألف بيت بلاستيكي في المحافظة.
تنتج بأفضل الأحوال 285-342 ألف طن. أصبحت تشكل الإنتاج الرئيسي السوري باعتبار أن مناطق الإنتاج الرئيسية الأخرى في درعا، وريف دمشق تراجعت إلى حد كبير.. ليكون تراجع الإنتاج 25%-40% قياساً بـ 452 ألف طن بندورة بلاستيكية منتجة في طرطوس عام 2011.
فإذا ما استمر خروج المزارعين من زراعة البندورة بمعدل الربع كل عام من أعوام الأزمة، فإن موسم العام القادم سيشهد خروج 75% من البيوت البلاستيكية..
الحصار بين سوقين
يتحكم بالمزارع سوقان خلال الأزمة، بينما تغيب الدولة تماماً عن هذا القطاع كما في السابق. السوق الأولى سوق مستلزمات الإنتاج، والثانية سوق البيع بالجملة. لتشكل السوق الأولى ضغطاً إضافياً يزيد من التكاليف، وتشكل الثانية، ضغطاً يخفف من سعر بيع المزارع للبندورة.
الشركات: لا تمويل- ربح
ينتج البيت البلاستيكي بالعام حوالي 6 أطنان تقريباً، ولكنه يكلف بالوقت ذاته 330000 ل.س تقريباً، يدفعها المزارع.
تقدر تكلفة إنتاج كغ البندورة في الموسم الحالي 55 ل.س/ للكغ وسطياً.
35% من مستلزمات الإنتاج مستوردة عن طريق 7-8 شركات خاصة، تقلص عددها خلال الأزمة، لتزود السوق بأكملها بالمواد وتشكل تكاليفها مبلغ 109000 ل.س، من تكلفة البيت البلاستيكي، أي 18 ل.س من تكلفة الكغ.
وبينما يندر حصول المزارعين على الأسمدة من الدولة، أو القروض من المصرف الزراعي، وبينما لم تدخل مؤسسة إكثار البذار في بيع بذار البندورة، فقد جرت العادة أن تقوم هذه الشركات عن طريق الصيدليات الزراعية أو عن طريق مندوبيها المباشرين، بتسليف المواد للمزارع ليقوم بالدفع لاحقاً. ومع ارتفاع سعر الصرف، وصعوبات الاستيراد فقد تراجع عدد الشركات، وتوقفت تقريباً عن عملية التمويل، وبالمقابل فقد رفعت أسعار موادها بنسب كبيرة مع ارتفاع سعر الصرف. فظرف بذار يبلغ 15-32 ألف ليرة بينما لم يتجاوز سعره سابقاً 5 آلاف ليرة، أي نسبة ارتفاع 200-500%، أسمدة 20-25 ألف ليرة سابقا كانت بـ6-7 آلاف ليرة 200%. وينبغي الإشارة إلى أن أسعار المستلزمات الزراعية في السوق السورية حتى قبل الأزمة، كانت أعلى من نظيرتها في السوق التركية على سبيل المثال، على الرغم من أن الرسوم الجمركية السورية أقل.
*بفرض أن أرباح هذه الشركات لا تتعدى 30% من التكاليف البالغة 109000 ل.س، فإن ربح الشركات من البيت البلاستيكي الواحد 32700 ل.س، وهي جزء من الكلفة التي يدفعها المزارع.
العمالة
يستطيع العامل الزراعي أن يخدم 5 بيوت بلاستيكية، والطريقة المتبعة لحصول العامل على أجره، هي حصوله على نسبة من الإنتاج تتراوح بين 20-25%، يبيعها للتجار أيضاً، فلا يحصل العامل على أجرة أعماله إلا عن طريق البيع بالسوق، وفق العرض والطلب. وهو يبيع بسعر التكلفة، أو أقل في الموسم الحالي.
*لتقدير كلفة العمالة من البيت البلاستيكي الواحد، سيتم الافتراض بان العامل الزراعي يحصل على أجر 20 ألف ل.س شهرياً تقريباً، ليخدم 5 بيوت بلاستيكية، أي تقدير تكاليف أجرته من تكاليف البيت مقدار 48 ألف ل.س، وهي نسبة 14,5% ومقدار 8 ل.س من الكغ تقريباً.
التسويق والتجار..
الجزء الثالث من التكاليف هو التكاليف التسويقية فالمزارع يسعى سريعاً إلى تصريف منتوجاته خوفاً على تلف المنتج، ومن هنا فإن السمسار وهو التاجر الوسيط الذي يضمن البضاعة لينقلها للسوق، يأخذ الإنتاج بسعر جملة، ليضعه في البرادات أو يبيعه إلى سوق التصدير أو ينقله إلى المحافظات الأخرى، وهي العمليات التي لا يستطيع المزارعون أن يقوموا بها، ويقوم بها سماسرة السوق. ويحصل هؤلاء من المزارع على نسبة 5% من الإنتاج مباشرة وهو حق مضمون له وفق القانون!. بينما يحصل التاجر على حسميات عند وزن الإنتاج بمقدار 3% وهو عرف جرت العادة على أخذه.. ليشكل حوالي 5 ل.س من تكلفة الكغ.
*لتقدر حصة السمسار والتاجر المباشرة من الإنتاج 8% تقريباً، أي 480 طن من البيت الواحد وهو ما دفع المزارع تكلفته 26400 ل.س.
وبالمقابل لا يشارك هؤلاء السماسرة المشاركون في الربح في أي من التكاليف التسويقية، ليدفع المزارع تكلفة العبوات، والنقل، والعتالة. وتبلغ مجمل التكاليف التسويقية 15 ل.س بالحد الأدنى.
وبهذا فإن ما يدفعه المستهلكون السوريون، يعود بجزء هام منه إلى التكلفة المرتفعة لمستلزمات الإنتاج، ولكن أياً مما يدفعه المستهلكون لا يعود للمزارعين في الظرف الحالي، مع البيع بسعر التكلفة، فبينما يحصل العمال على أقل من حقوقهم، تحصل التجارة على جزء كبير غير مبرر مما ينفقه المستهلكون، مهددة في ظل استمرار انسحاب الدولة، بتراجع هذه الزراعة بنسب أكبر، تاركة عشرات آلاف العمال والمزارعين بلا دخل أو عمل.