في 5 أشهر.. 1,54 مليار $ للتجار!
في واحدة من ذرائع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أن الحكومة لا تمتلك الموارد لتعيد تأهيل كل ما دمرته الحرب من مرافق عامة، وأننا أصبحنا مضطرين للاستجابة (ليد المساعدة التي تمد لنا).!
إلا أن هذه الأقوال الحكومية تتناقض مع استمرار وتفاقم سياسة (هدر الاحتياطي النقدي السوري من القطع الأجنبي)، التي يقودها مصرف سورية المركزي تحديداً، وتوافق عليها الحكومة السورية ومجلس وزرائها يشيد بنتائجها ويؤكد عليها.
وتستمر (يد المساعدة) الحكومية بالتدفق والعطاء على سوق القطع الاجنبي بشتى الطرق والتي تعتبر تمويل المستوردات أهمها.
10 ملايين دولار يومياً
المصرف المركزي رفع وسطي تمويل مستوردات التجار اليومية بنسبة 100 % ليصل إلى 10 ملايين دولار يومياً. بحسب ما أعلنه مصرف سورية المركزي عن طريق صحيفة الوطن بتاريخ 22-6-2014.
وبالتالي فإننا نتحدث عن تمويل التجار لمدة 154 يوماً، سينتقل خلالها للمستوردين: 1540 مليون دولار، أي أكثر من 1,54 مليار دولار. خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من العام الحالي 2014.
خلال خمسة أشهر فقط..
تبرر هذه السياسات كما قلنا وكررنا، بأنها تساهم في تخفيض أسعار مواد الاستهلاك الجاهزة المستهلكة وهي بشكل أساسي مواد غذائية، ومستلزمات أولية للصناعات التي عادت للعمل.
والنتيجة الواضحة هي عدم تأثير تغيرات سعر الصرف انخفاضاً على أسعار المواد المستوردة في السوق. إن إنفاق هذا المبلغ قادر على تخفيض المستوى العام للأسعار إذا ما استخدم بطريقتين رئيسيتين:
1,5 مليار $ = نصف محروقات عام 2013
يستطيع هذا المبلغ أن يغطي نصف تكلفة شراء المحروقات (بناء على كلف استيراد شركة محروقات للمشتقات النفطية في عام )2013، أي أن يدعم أسعارها بنسبة تفوق 50%.
مبلغ 1,54 مليار دولار = 258 مليار ل.س (بسعر صرف 168 ل.س/$) إذا لم تعطها الحكومة للتجار وأنفقتها على شراء المحروقات (التي تستوردها من الخط الائتماني الإيراني بلا دفع نقدي حالياً) مقابل عدم رفع أسعار المستهلكين، فإن سعر ليتر المازوت سيكون 30 ل.س، جرة الغاز 500 ل.س، ليتر البنزين 60 ل.س وغيرها..
1,5 مليار$= غذاء لمدة 4 أعوام
يستطيع مبلغ 1,54 مليار دولار ستقدمه الحكومة للتجار لتمويل مستورداتهم في خمسة أشهر، أن يمول سلة غذائية من الأساسيات لكل أسرة سورية، بتكلفة 24 ألف ل.س لمدة عامين. أما إذا دفعت الأسر نصف التكلفة فإن ما تقدمه الدولة للمستوردين في خمسة أشهر تستطيع تحويله إلى غذاء مضمون ورخيص لكل أسرة سورية لمدة 4 سنوات!
الصناعة تنفي استفادتها
تشير التبريرات الحكومية إلى أن تمويل المستوردات يخفف نفقات الصناعة المحلية ويحفز نموها. الرد ياتي من تصريح رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي الذي نفى ذلك، حيث كان من أوائل المنددين بعملية (هدر الاحتياطي) كما أسماها، في تصريحه لصحيفة الوطن المحلية بتاريخ 22-6-2014 التي نقلت عنه التالي:
«أكد رئيس اتحاد غرف الصناعو السورية فارس الشهابي، أن سياسات المصرف المركزي ذات تداعيات كبيرة، ولها دورها في عرقلة إعادة الإعمار ومنع عودة رؤوس الأموال وفي محاربة ما تبقى من قطاع أعمال وطني، مبيناً لـ«الوطن» أن هذه السياسة تسهم في هدر الاحتياطي النقدي وذلك منذ بداية الأحداث في سورية «وتبلورت مع عدم وجود سياسة نقدية ومصرفية وقائية واضحة وقد وصلت إلى درجة التحكم بشكل ارتجالي ومنفرد بسياسة الاستيراد والتمويل دون أي رؤية تنموية أو أي تشاركية فعالة». وأضاف: باسم جميع الصناعيين ندعم بقوة محاسبة المسيئين والفاسدين، وهذا الكلام تتفق عليه جميع الفعاليات الاقتصادية، ونملك من الأدلة والوثائق ما يثبت كلامنا بخصوص المركزي، ونطالب بلجنة تحقيق مستقلة للنظر في هذه الإساءات»
إن ما يبدو من الإصرار على سياسة هدر مقدرات الاقتصاد السوري الأخيرة، تهدف إلى جعل مد يد المساعدة إلى الجهات الدولية مضمونة تماماً.. حيث لا بد أن تنتهي موارد الدولة فعلياً لتنجح ذريعة: (الدولة غير قادرة.!). والحكومة تبذل الجهود الحثيثة لهدر الموارد المتبقية على أقوياء السوق.