الدواجن.. تكيّف المنتجين مع الخسارة ـ المستهلكين مع الغلاء!
تبدي بعض القطاعات مرونة للتكيف مع الظروف الأمنية والتغيرات الكبرى خلال الأزمة، وتحديداً القطاعات التي ترتبط بمنتجات الطلب عليها غير مرن، أي أن استهلاكها لا ينخفض مع التراجع العام في استهلاك السوريين نتيجة أهميتها، وعرضها في السوق أي عملية إنتاجها ترتبط بشريحة واسعة من المنتجين والموزعين ومن يعملون في تخديم العملية الإنتاجية، وهؤلاء سرعان ما يتوقفون عن الإنتاج في الظروف الطارئة نتيجة عدم قدرتهم على تحمل الخسائر، ولكنهم سرعان ما يعودون مع تأمين أي مستوى من الاستقرار وتحسين شروط العمل، وتوفر المستلزمات..
الأمثلة كثيرة في قطاع الزراعة تحديداً وفي بعض المهن والحرف، التي استطاعت أن تصمد، ولم تطلّها البدائل المستوردة وعمليات إيقاف تأمين مستلزمات إنتاجها. ويعتبر قطاع الداوجن الذي يشمل أكثر من 5% من القوى العاملة السورية أي حوالي 290 ألف عامل قبل الأزمة! واحداً من أهم الأمثلة..
وهو يبدي استعداداً هاماً للتكيف خلال الأزمة، على الرغم من التوقفات الكبرى وارتفاع الأسعار بشكل كبير جداً.
انخفاض الأسعار الناجم عن توسع الإنتاج خلال الفترة الأخيرة ظاهرة تحتاج إلى الرصد والتصحيح، وإلا فإنها سترتد تراجعاً كبيراً في العرض والإنتاج وموجة جديدة من ارتفاع الأسعار وتوقف مداجن ومنشآت مرتبطة.
وأول خطوات التصحيح، وهي مهمة الدولة تحديداً، تبدو واضحة، في مواجهة أسواق التهريب وتنظيم تأمين المستلزمات من حيث التدفق والسعر، والأهم والأكثر ضماناً هو إيجاد حلقة توزيع بديلة عن فوضى السوق، أي شراء الدولة للمنتجات من المنتجين الزراعيين لتضمن لهم هامش الربح، وتضمن للمستهلكين بيعاً بسعر منخفض.
تعافي الإنتاج يتحول إلى (نقمة) على المنتجين!
يبلغ سعر كغ فروج اليوم وسطياً 425 ل.س، بينما سعر بيض المائدة 1800 غ: 580 ل.س (30 بيضة تقريباً) وهذه الأسعار المسجلة لدى صالات المؤسسة العامة للخزن والتسويق في دمشق بتاريخ 16-6-2014، تنخفض عن أسعار شهر نيسان أي منذ شهرين تقريباً بشكل كبير حيث كان سعر كغ الفروج يسجل وسطي 500- 600 ل.س/ للكغ، بينما كان بيض المائدة 1800 غ يتراوح بين 600-700 ل.س..
الأثر الإيجابي لانخفاض السعر نسبياً على المستهلك، يخلف من ورائه آثاراً سلبية كبيرة على المنتجين، ما يهدد عملية الإنتاج لاحقاً، وبالتالي يعود ليؤثر سلباً على المستهلكين مع تراجع الإنتاج وارتفاع السعر!.
الدواجن التي يبلغ وسطي دورتها الإنتاجية 40 يوما، تعتبر من القطاعات المعرضة لتقلبات في الأسعار وتحديداً في ظروف الأزمة، مع توسع الجزء المستورد من كلفها إلى أكثر من 60% من الكلف. ما يجعل المنتجين عرضة لخسارات هامة يعوضونها في مراحل لاحقة من تحسن السعر في الحالات الطبيعية.
القطاع يشغل حوالي 290 ألف عامل قبل الأزمة متوزعين بين المداجن التي بلغ تعدادها قبل الأزمة (10250) مدجنة مرخصة وغير مرخصة، بالإضافة إلى مداجن البياض (بيض المائدة( والمقدرة بحوالي (1500)، مع العاملين في القطاعات المرتبطة بها (أعلاف-مسالخ- تسويق المنتج النهائي من الفروج والبيض).
بينما من يؤمن مستلزمات الإنتاج المستوردة والتي تشكل نسبة 63% تقريباً من التكاليف، أي مستوردي أعلاف الدواجن والأدوية والصيصان فنستطيع أن نتكهن بأنهم يعدون على أصابع اليد الواحدة.
تأقلم نسبي
إن فائض العرض في السوق هو حتما السبب في انخفاض الأسعار، لتوسع الإنتاج وبالتالي العرض أسباب متعددة وفي مقدمتها ما يقال عن عودة مناطق إنتاجية مهمة في الدواجن كريف ادلب إلى الإنتاج، حيث بلغت نسبة توقف المداجن في المحافظة 90% ، بالإضافة إلى بعض مناطق حمص وحماة وكذلك درعا، حيث يبدو أن هناك تأقلماً من نوع ما مع الظروف الأمنية في هذه المناطق التي تعد مناطق ساخنة، والتي خرجت في فترات سابقة من الإنتاج.
مستلزمات إضافية!
للمسألة بعد آخر حيث يستلزم لتأمين هذا التوسع في الإنتاج (بعودة هذه المناطق إلى العمل) تأمين مستلزمات الإنتاج، وإذا كان ممكنا نظريا استيراد مواد الأعلاف الخام بكميات تواكب الزيادة وإيصالها إلى هذه المناطق بشكل ثابت، فإن الجزء الآخر الرئيسي من المستلزمات وهو الصيصان التي يصعب استيرادها والتي انخفض إنتاجها محليا بشدة نتيجة ارتفاع كلف تربية الأمهات والظروف الأمنية معا.
مما شجع على ظاهرة تهريب الصيصان أو بيض الفقس بكميات كبيرة من البلدان المجاورة وعلى رأسها تركيا ودفع إلى السوق كميات كبيرة منها خلال وقت قصير، مما ساعد على زيادة الإنتاج وتحفيز عودة بعض (المناطق الساخنة) إلى التربية.
هناك قسم ضئيل من بيض الفقس أو الصيصان يتم استيراده قانونيا، كما أن معلومات متداولة بين المربين تشير إلى عودة بعض الأماكن إلى تربية الأمهات مجددا، مما سيرفع أيضا كمية الصوص ويزيد نظريا إمكانية تربية الدواجن ويخفض أسعارها..
يضاف إلى ذلك تأثير طفيف ومتغير لعوامل أخرى تفعل فعلها منذ أكثر من عام، وتحديداً تهريب الفروج المبرد أو المجلد من البلدان المجاورة بشكل مباشر وأيضاً من تركيا، حيث تمتلئ الأسواق الحلبية بمنتجات الدواجن التركية وكذلك منطقة الجزيرة، وقد وصل بعضها إلى محافظات أخرى ومنها دمشق خلال فترات متباعدة.
النتائج غير مضمونة
مجمل هذه العوامل مع استقرار نسبي في سعر الصرف، شجعت ازدياد العرض بكميات كبيرة وبسرعة مما خفض أسعار منتجات الدواجن بشدة لتنعكس متأخرة بشكل إيجابي على المستهلكين، ولكن بالمقابل خسائر المربين كبيرة جداً ما يهدد بتراجع كبير في الإنتاج والعرض والعودة إلى ارتفاع الأسعار من جديد. في دورة الفوضى التي يخسر فيها المربي أو المستهلك أو كلاهما معاً. وتحافظ الحلقات التجارية الوسطية على هامش ربحها ثابتا في الحالات العادية، ومتوسعاً في ظروف اضطراب العرض زيادته أو انخفاضه.
حوالي 10% خسائر!
احتسبنا في مقالنا السابق منذ حوالي الشهر حول قطاع الدواجن (قطاع الدواجن.. الخسارة تتراوح بين المستهلك والمربي(! بتاريخ 17-5-2014، كلف الإنتاج في تلك المرحلة التي يباع إنتاجها في هذا الوقت بعد أربعين يوماً تقريباً من الإنتاج.
الكلفة في شهر آيار-2014
بالانطلاق من شهر آيار الحالي بسعر صرف: 170 ل.س/$، فإن كلفة إنتاج 1 كغ فروج حي بأرض المزرعة على الشكل التالي:
• متوسط 1 كغ علف : 80 ل.س حيث يستهلك الطير حوالي 4 كغ علف.
• سعر الصوص: 150 ل.س (محلي)
• كلف أدوية: 35 ل.س للطير الواحد. (مستورد)
• كلف العمالة+ نشارة (تفرش بها الأرض وتتجدد مع كل فوج جديد)+كهرباء وماء:
• ل.س للطير الواحد. (محلي)
530 تكلفة تربية الطير الواحد.
• تكلفة نفوق وإصابات 6% من الكلفة: 30 ل.س تقريباً
مجموع التكلفة: 560 ل.س
وزن الطير التقريبي: 1,8 كغ
تكلفة الكغ الحي: 311 ل.س/كغ.
سعر شراء الكغ الحي من المدجنة: 280 ل.س/للكغ.
خسارة المنتج في الكغ: 30 ل.س.
يبيع المنتجون اليوم لتجار الجملة الفروج الحي من أرض المدجنة والذي بدأت عملية إنتاجه في شهر آيار وبلغت تكلفته 311 لسٍ/ للكغ بسعر : 280 ل.س/ للكغ، بخسارة في الكغ تبلغ 30 ل.س، حوالي 9,6% من التكاليف.
انخفض السعر إلى ما دون كلفة الإنتاج منذ حوالي الشهرين تقريبا، ولكنه بلغ مستوى قياسياً خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
تشير تقديرات أخرى إلى أن الكلف لم تنخفض عن 340 ل.س/ للكغ، وأسعار بيع المنتجين للتجار تراوحت بين 260-300 ل.س للكغ، أي بخسارات تصل 40-80 ل.س/ للكغ.
الخسارة تساوي الربح بحده الأعلى!
بفرض مدجنة صغيرة تربي في الفوج الواحد 3000 طير أي حوالي 1600 كغ، تبلغ تكلفتها : 500 ألف ل.س (497 ألف بالدقة)، تلحق بها خسارات بمقدار 48 ألف ل.س.
بينما تربح بالحالات المثلى وفق نسبة ربح 10% من التكلفة وهي النسبة المتعارف عليها لأرباح المربين: 50 ألف ل.س
أي أن خسارات المربين تساوي مع توسع الإنتاج أرباحهم الاعتيادية، لتتحول (النعمة إلى نقمة)! بظل غياب سياسات تنسق فوضى السوق، وتنهي دوامة الخسارة الحتمية لأحد الطرفين المنتجين أو المستهلكين، والربح الحتمي للحلقات الوسيطة التجارية.