تضخيم فاتورة إعادة الإعمار بوابة الاستدانة من الخارج

تضخيم فاتورة إعادة الإعمار بوابة الاستدانة من الخارج

كثيرون هم من تحدثوا عن إعادة إعمار سورية قبيل أن يبدأ الدمار، وافتتح المزاد العلني لإعادة إعمار البلاد في أواخر عام 2011 بـ60 مليون دولار، ليرتفع الرقم أواخر العام 2012 إلى 60 مليار دولار، ليقول أحد الخبراء الاقتصاديين السوريين لاحقاً – بعد مرور عامين على الأزمة السورية (في شهر أيلول 2013) - إن تكلفة إعادة إعمار القطاع السكني والمرافق العامة تصل إلى 73 مليار دولار، أما الآن، فلم تعد الـ 200 مليار دولار تفي بالغرض على حد ادعاء خبراء المؤسسات الدولية ومسؤوليهم، وكذلك هو حال بعض الاقتصاديين السوريين، فهل هذه الأرقام حقيقية؟! أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!

لغة التشكيك التي نتحدث بها حول التكاليف التقديرية لإعادة الإعمار من جانب المؤسسات الدولية أو المحلية أو المسؤولين السابقين تحت غطاء دولي (الدردري)، لا يعني بأي حال من الأحوال نفي الدمار الهائل الذي أحدثته الأزمة  في البنية التحتية للاقتصاد السوري، بل إننا نقدر حجم الانكماش الاقتصادي المتزايد عاماً بعد آخر، والذي ارتفعت نسبته من 8% في نهاية عام 2012 إلى 40% في عام 2014 بحسب تقديرات غير رسمية، ولكن مبينة على الأرقام الرسمية. بفعل الشلل المتزايد والمتعاظم في النشاط الاقتصادي، بعد تدمير المنشآت الصناعية والزراعية والخدمية العامة والخاصة وتخريب البنية التحتية، وخصوصاً السكك الحديدية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، وآبار النفط، وخطوط نقل النفط والغاز على امتداد أربعة أعوام من عمر الأزمة السورية..

مخاوف مشروعة

هذا بمجمله يعني أن فاتورة إعادة الإعمار مكلفة وكبيرة دون شك، إلا أن تسابق جميع الاطراف للإعلان عن أرقام خرافية لإعادة الإعمار، ستدعونا للتشكيك والتساؤل، فما هي الأرقام الحقيقية لتكاليف إعادة الإعمار؟! وما هي الأسس التي تبنى عليها تلك التقديرات والأرقام؟! وهل من مصلحة لأحد من وراء تضخيم فاتورة إعادة الإعمار مؤسسة دولية أو محلية كانت أم دولاً؟! خاصة وأن تكاليف إعادة الإعمار قد تجاوزت حجم الناتج المحلي الإجمالي في البلاد بأكثر من عشرة أضعاف حسب آخر التقديرات، فتكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ 200 مليار دولار، بينما لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي حاجز الـ 20 مليار دولار!..

تقديرات ليست بالبريئة

وفي التحليل المرافق للأرقام، من حقنا أن نتساءل، هل تقديرات عبدالله الدردري - باسم الاسكوا – أن تكلفة إعادة الإعمار تزيد عن  200 مليار دولار بالبريئة؟! أم أنها تخفي رغبة تلك المؤسسات والدول الراعية والداعمة لها  في الدخول على خط إعادة الإعمار في البلاد لاحقاً؟! وكيف سيكون دخولهم على هذا الخط دون تضخيم فاتورة الدمار وتكلفة الإعمار، للقول إن لا قدرة للاقتصاد السوري بتعبئة الموارد وحجم معقول من التمويل، على إعادة الإعمار، لتكون الاستدانة من الخارج، على قاعدة (تقاسم الكعكة) السورية، هي الحل الوحيد، فتضخيم فاتورة الإعمار من جانب اقتصاديين سوريين أو مؤسسات دولية ليس بالبريء بطبيعة الحال، وإنما لغاية في نفس يعقوب، وعلى رأسها الإيهام بعجز الاقتصاد الوطني والقدرات السورية، والمالية منها على وجه التحديد عن تأمين وتوفير تكاليف إعادة الإعمار، للقول لاحقاً بأن الاستدانة من الخارج، بالشروط الاقتصادية والسياسية لتلك الدول والمؤسسات هي الحل الوحيد، وما كان أسلوب تضخيم فاتورة الدعم على المشتقات النفطية والمواد المدعومة لتبرير تحرير الأسعار ورفعها لاحقاً، إلا أسلوباً ابتكرته تلك المؤسسات وطبقته الدول لتصل إلى الأهداف ذاتها، ولهذا، لا نجد للضخ الإعلامي الذي تمارسه الكثير من الجهات الدولية والمحلية لتضخيم فاتورة الدمار وإعادة الإعمار إلا هدفاً واحداً، والإيحاء بأمر واحد، وهو أن "الحلفاء" هم من سيتكفلون بإعادة إعمار البلاد كل على اختلاف انتمائه، فلا أحد من هؤلاء يبحث عن الأرقام الحقيقية لتكلفة الإعمار، وهذا آخر همومهم، وجل اهتمامهم هو بتقاسم الكعكة التي يخافون أن لا يتقاسموها كما يشتهون ويرغبون...

إعادة الإعمار رهن الفساد

بالقدر الذي نتوجس به من التمويل الخارجي لإعادة الإعمار من جانب المؤسسات الدولية أو من جهات شاركت سلباً بالأزمة السورية، فإن توجسنا يكون أشد حدة إذا لم تظهر أطر سياسية وطنية جامعة تشرف على عملية إعادة الإعمار، لأن (خصخصة) إعادة الإعمار قد تكون البوابة لتقاسم جديد لثروات البلاد بين أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين والناهبين السابقين للاقتصاد الوطني، لتعود إعادة الإعمار بالخير على هؤلاء وحدهم، بما يزيد من ثرواتهم على اعتبار أن إعادة الإعمار البوابة المثلى لاصطياد الدولار، لنسمع بعد عقد من الزمن عن إعمار متعثر، وثروات منهوبة، لأن إعادة الإعمار - وكما عودتنا تجارب الدول السابقة (العراق، لبنان) – تحمل الكثير من الهدر والفساد والإخفاقات، لتكون إعادة الإعمار رهن الفساد وتقاسم الاقتصاد الوطني بين الناهبين السابقين..