من الإعالة إلى توزيع الثروة..
يعيل دخل كل قادر على العمل من السوريين عدداً من الأشخاص معه، إما من الاطفال أو غير العاملين أوالكبار في السن. وتعتبر عملية الإعالة هذه عبئاً كبيراً على الدخل الفردي المنخفض بطبيعة الحال.فدخل الفرد المنتج الناجم عن عمله يفترض أن يغطي حاجاته مع من يعيل من أسرته..
الأرقام الإحصائية تأخذ المتوسطات وتعبر عن الاتجاهات، فبحسب أرقام عام 2011 فقد كان كل سوري قادر على العمل من القوى العاملة يعيل بدخله أكثر من ثلاثة أشخاص وسطياً. ووفق تقديراتنا فإن نسبة إعالة العاملين فعلياً من السوريين في أعمال شرعية معلنة ومسجلة، هي 1 إلى 6، أي دخل من يعمل عملاً شرعياً يجب أن يعيل ستة أشخاص اليوم وسط هذه الظروف المعيشية المتدهورة، وعلينا أن نتصور حجم العمل غير الشرعي الناجم عن هذه النسبة الكبيرة وغير المنطقية تحديداً مع تراجع فرص العمل، وتراجع خدمات الدولة، وزيادة كبيرة في الجهات غير الشرعية والأعمال الناجمة عنها.
المعيل السوري يختلف كثيراً بين من ينتمي إلى العاملين الذين دخلهم عبارة عن أجور شهرية متوسطها في عام 2011 : 14 ألف ل.س، وبين من دخلهم هو عبارة عن أرباح تتفاوت كثيراً بين من يحصل على ربح من استثماره لأرضه الزراعية الصغيرة، أو ورشة يعمل فيها لحسابه، وبين أصحاب الأعمال ( ولا توجد تقديرات دقيقة لمتوسط الأرباح الشهرية لدى مراكزنا الإحصائية) ولكن وحدات الربح تصل لدى أصحاب مشاريع الأعمال إلى ملايين الليرات السورية شهرياً، وإلى مليارات سنوية في (قطاعات النخبة).
كما أن الدولة بخدماتها تستطيع أن تخفف من إعالة دخل الفرد لأكثر من ثلاثة أشخاص عندما تساهم في تعليم الأطفال، وبجزء من الطبابة المجانية وخدمات الصحة، وبجزء من كلف التدفئة، أو المعونات الاجتماعية، وهي تزيد من عبء الإعالة عندما تتراجع عن خدماتها ليبحث المجتمع عن حلول أخرى غير مستقرة تعيله..
فتعيل القنوات الأخرى غير الحكومية من لا يستطيع دخله إعالة من يتحمل مسؤوليتهم، وهذه (القنوات الاجتماعية) تتنوع بين مصادر داخلية وخارجية، (فالمتصدقون) من أصحاب الأرباح يعيلون عن طريق الجمعيات باتجاهاتها وأهدافها المختلفة، حيث يسحب هؤلاء أكثر من 75% من الدخل الوطني سنوياً في عام 2009 (تصل إلى 80% حالياً)، ويعيدون توزيعه (إحساناً) أو مقابل خدمات أو ولاءات على من تبقى من السوريين أصحاب الأجر!
أو عن طريق منظمات دولية تساهم في الإعالة والمساعدة لأسباب متنوعة نحن خارج إطار الخوض فيها الآن.. ولكن وفق الآلية ذاتها أي من يحصل على الجزء الأكبر من الدخل العالمي يتصدق على من يحصل على النسبة الهامشية منه أيضاً مقابل خدمات وولاءات وتبعية..
وهكذا يساهم تفاوت توزيع الثروة في تفتيت الدولة الوطنية، ويحول أغلب سكانها من الارتباط بانتماءات وطنية، إلى مرتبطين بلقمة معيشتهم بمن يسرقون بشكل شرعي أو غير شرعي الدخل الوطني المنتج كل عام في داخل الدولة الواحدة أو على مستوى العالم.