التهجير الداخلي .. إعالة مضاعفة في المجتمع السوري
وجدي وهبي وجدي وهبي

التهجير الداخلي .. إعالة مضاعفة في المجتمع السوري

يؤدي ارتفاع نسبة الإعالة في المجتمع إلى ارتفاع الأعباء التي يتحملها أبناؤه, والتي تثقل كاهل الاقتصاد وتبطئ معدل النمو الاقتصادي, وذلك من أجل تلبية احتياجات الفئات المعالة, ولكن الأزمة السورية توسع مفهوم الإعالة لتأخذ أشكالاً جديدة تتجاوز إعالة الفرد للفرد, وتنتقل لإعالة المجتمع لجزء منه, والتي تتم بطرق متعددة عن طريق الدولة أو المنظمات الدولية أو الجمعيات الإغاثية أو من خلال (القنوات الاجتماعية) في المجتمع. إن هذا النوع من الإعالة لا يبطئ النمو الاقتصادي فحسب, بل يمتص طاقات الاقتصاد والمجتمع, الحالية والسابقة مع استمرار  اتساع دائرة العنف والدمار وتعطل الحلول والتوافق..

نوعان تقليديان + نوع جديد

تصنف الإعالة إلى نوعين بالإحصائيات الطبيعية ويرتبط النوعان ببعضهما البعض، ونضيف المفهوم الجديد المرتبط بالأزمة والذي يرتبط توسعه بتوسع أنواع الإعالة الأخرى:

• الإعالة العمرية

• الإعالة الاقتصادية

• "إعالة المهجرين"

القوة البشرية تعيل الفئات الأخرى

الإعالة العمرية: وفق هذا المعدل تفترض الإحصائيات أن الحالة الطبيعية هي أن يعيل جزء السكان المصنفين قوة بشرية عاملة (15-64 سنة)، كل الفئات العمرية الأصغر (أقل من 15 سنة)، والأكبر أي السكان فوق عمر (65 سنة).

لتعبر نسبة السكان أقل من 15 سنة والسكان الهرمين 65 سنة  فأكثر إلى مجموع السكان في القوة البشرية (15-64) سنة عن معدل الإعالة العمرية. وقد بلغت نسبة الإعالة العمرية 70,4% في عام 2010, أي كل 100 فرد من داخل القوة البشرية (15-64) يعيلوا أنفسهم بالإضافة إلى إعالتهم 70,4 فرداً من خارج القوة البشرية.

ويعتمد ارتفاع نسبة الإعالة العمرية أو انخفاضها على معدل النمو السكاني وتغير التركيبة العمرية داخل المجتمع, لذلك يأخذ التأثير في نسب هذه الإعالة فترة زمنية طويلة من أجل تغيير نسبتها. 

تقسم الإعالة العمرية إلى إعالة الفئات الطفليَة:  وهم الأطفال دون 15 سنة, وقد : بلغت نسبتهم 37,1% من مجموع السكان, في حين بلغت نسبة إعالتهم 63,09%.

إعالة السكان الهرمين: وهم الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر , وقد بلغت نسبة المسنين  4,1% من مجموع السكان, في حين بلغت نسبة إعالتهم 6,9%.

العاملون يعيلون الآخرين

تعني الإعالة الاقتصادية العبء الذي يتحمله الأفراد في قوة العمل لإعالة الأفراد الذين لا يعملون, سواء أكانوا أطفالاً أم مسنين أو حتى في سن العمل وهم خارج قوة العمل. 

وقد بلغ معدل الإعالة الاقتصادي 3,6 فرد في عام 2011, أي أن كل فرد من داخل قوة العمل يعيل 3,6 فرد من السكان. 

ويعتمد التأثير في نسبة الإعالة الاقتصادية على تأمين مستوى من النشاط الاقتصادي التضميني, الذي يعتمد على توسيع مشاركة القوى العاملة في العمل.

(إعالة المهجرين)

إعالة المهجرين إن صح التعبير؟.  لا يوجد في العلوم السكانية مؤشر إعالة المهجرين, لأنهم يندرجون ضمن الإعالة العمرية والإعالة الاقتصادية, ولان حالة  التهجير حالة غير طبيعية.

ولكن إذا عرفنا إعالة التهجير  - بنفس منهجية حساب مؤشرات الإعالة- على أنها نسبة السكان المهجرين داخلياً إلى السكان غير المهجرين و المقيمون على الأراضي السورية, لبلغت نسبة الإعالة (45,4- 54,5 )% حيث تم تقدير عدد المهجرين (5-6) ملايين مهجر وعدد السكان المقيمين وغير المهجرين 11 مليون نسمة, ويكون العدد الكلي للسكان السوريين المتواجدين يفوق 17 مليون نسمة.   

أي  كل 100 فرد  غير مهجر يقوم بإعالة 54,5 فرد مهجر, وإذا أضفنا معدل الإعالة الاقتصادية إلى معدل إعالة المهجرين, لتبين أن مستويات الإعالة في سورية وصلت لنسب خطيرة. 

مجتمع يعتمد على الإعالة!

ولكن ليست النسبة المرتفعة للإعالة هي الحالة الخطرة, بل التطور النوعي في الإعالة هو الذي ينذر بالخطورة, فظهور نمط جديد من أنماط الإعالة –إعالة المهجرين- هي الحالة التي تستدعي التوقف عندها, نظرا لطبيعتها المختلفة عن الإعالة العمرية والإعالة الاقتصادية, اللتين تعبران عن نسبة إعالة فرد لعدد من الأفراد. أما إعالة المهجرين: فهي إعالة المجتمع السوري لجزء منه, أي تعطل فئات واسعة من المجتمع بشكل كامل واضطرارها إلى الاعتماد على المساعدات. فطبيعة هذه الإعالة تختلف عن جميع انماط الإعالة, سواء من حيث التعامل معها أو من حيث أثارها. فنسبة المهجرين المرتفعة, عبارة عن تجميد وتدمير ذاتي لطاقات المجتمع. 

إلا أن التأثير  بهذه النسبة أسرع من  التأثير  في الإعالة العمرية التي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة للتأثير فيها, وممكن بطرق أكثر  تنوعاً من التأثير في الإعالة الاقتصادية التي تعتمد على توسيع النشاط الاقتصادي، وتأمين حق العمل لجميع القادرين عليه, ويمكن تخفيض نسبة إعالة المهجرين بطريقتين,  الأولى: العمل على إعادة المهجرين إلى أماكن إقامتهم الاصلية وإعادة تمكينهم اقتصاديا ليعودوا منتجين، وهي مهمة  قد تطول أو تقصر بالاعتماد على المدة الزمنية لوقف العنف, والثانية: من خلال تأمين فرص عمل للمهجرين بحيث يكونون قادرين على تلبية احتياجاتهم دون انتظار انتهاء حاسم للصراع.

آخر تعديل على الثلاثاء, 17 حزيران/يونيو 2014 12:58