مؤشـر الحرمـان.. تركيب الفقر والبطالة وحرمان التعليم
في تقرير لهيئة التخطيط الإقليمي يعتبر مؤشر الحرمان من فرص التنمية والتطور تركيباً لثلاثة مؤشرات تنموية أخذتها الحكومة من بيانات المكتب المركزي للإحصاء في عام 2009، لتعبر عن جوانب هامة من واقع مناطق وقرى محافظات سورية.
تعبر هذه البيانات التي سننشرها هنا عن واقع التنمية بأبعاد ثلاثة الفقر والبطالة والحرمان من التعليم، قبل الأزمة السورية. اختلفت المعطيات اليوم كثيراً، وتدهورت مناطق بأكملها لتخرج من كل إمكانيات التعليم والتشغيل، بينما الفقر فقد وسع خارطته إلى الحد الأقصى ليشمل بمستوياته جميع المناطق السورية، والغالبية العظمى من السوريين.
أهم ما تشير إليه البيانات أن المناطق السورية كافة تعاني من جانب من جوانب الحرمان، فحتى المناطق التي تصنفها الحكومة بمرتبة (أ) أي الأقل حرماناً والأعلى فرصاً، يرفعها جانب من جوانب التنمية، بينما تشهد جوانب أخرى انخفاضاً كبيراً. فإذا ما انخفضت البطالة، انخفض التعليم، والعكس بالعكس ما يشير إلى الخلل الذي يشمل المناطق كافة.. ويدل على فشل مشروع التنمية في سورية بأبعاده..
خارطة الحرمان لمناطق سورية الـ 235
بحسب تقرير هيئة التخطيط الإقليمي، فإن مؤشر الحرمان من فرص التنمية، مركب من خمسة مؤشرات فرعية هي :
مؤشر فجوة الفقر، مؤشر التسرب من التعليم، مؤشر نسبة الأمية، مؤشر البطالة العام، ومؤشر بطالة الشباب (15-35 سنة)، وهي بمجملها تغطي ثلاثة أبعاد تنموية هي الفقر والحرمان من التعليم، والبطالة، التي بمجموعها تركب معامل الحرمان من فرص التنمية والتطوير.
بناء على مؤشر الحرمان تصنف النواحي التابعة للمدن في المحافظات المتنوعة ضمن خمسة تصنيفات من الأقل حرماناً (أ) إلى أكثرها حرماناً (هـ) وسننشر هنا نسب الحرمان في كل محافظة سورية، والمحددة عن طريق نسبة المناطق غير المحرومة أو ذات الفرص الأعلى في التنمية والتطور (أ) من إجمالي المناطق، ونسبة المناطق المتوسطة (ب)+ (ج)، والمناطق المحرومة (د)+ (هـ) كنسب من إجمالي مناطق كل محافظة.
• مناطق ريف دمشق كافة المدرجة ضمن ب-ج: هي (ب)، ومحافظة ريف دمشق بعد دمشق تعتبر أفضل المناطق تنموياً، وتحوي أعلى فرص التنمية والتطور.
• مناطق الحسكة كافة المدرجة في المنطقتين ب-ج =: هي (ج )، ولا تضم الحسكة أي منطقة ذات فرص تنمية وتطور مرتفعة سواء (أ) أو (ب).
• المنطقة الوحيدة ذات فرص تنمية وتطور عالية في محافظة دير الزور هي منطقة (هجين).
• المنطقة الوحيدة ذات فرص تنمية وتطور عالية في محافظة الرقة هي منطقة (مركز منطقة تل أبيض).
• محافظة طرطوس 22 منطقة منها في المستوى الثاني من مؤشر الحرمان، أي (ب) أي ان فرص التنمية والتطور جيدة ولكن لا توجد أي منطقة تصنف (أ).
• محافظتا الرقة والحسكة تضمان أعلى نسب للمناطق المحرومة بنسبة 31% للحسكة، و30% من مناطق الرقة، تليها حلب التي تعتبر نسبة 17,5% من مناطقها عالية الحرمان، ثم اللاذقية بنسبة 9%.
• محافظتا دمشق وريفها من أعلى المناطق تنمية حيث تصنف دمشق بكاملها كمنطقة توفر فرص تنمية، وكذلك 67% من مناطق ريف دمشق، ليليها إدلب بنسبة 52%، ثم درعا بنسبة 47%.المناطق والنواحي الأعلى بمعامل الحرمان والأقل فرص تنمية وتطور (د)-(هـ)
• تعتبر مناطق شران في حلب، العريشة في الحسكة، والجرنية في الرقة هي أعلى مناطق سورية حرماناً وأقلها فرصاً في التنمية والتطور.
• الجرنية في الرقة هي المنطقة الأقل حرماناً في سورية قبل الأزمة بمعامل حرمان:0,52 مركب من:
معامل فقر: 0,25- معامل حرمان من التعليم: 0,57، معامل بطالة: 1,00 وهو أعلى نسبة بطالة.
(الجزيرة السورية) في المرتبة الأولى ثم من..؟
لدى محافظتي الحسكة والرقة في الجزيرة السورية أعلى مؤشرات الحرمان وأكثر نسبة من المناطق المحرومة، أما دير الزور فتشهد معاملات فقر مرتفعة جداً كما في موحسن 0,86 مؤشر فجوة الفقر، ومؤشرات حرمان تعليم مرتفعة 0,56 في موحسن، 0,52 هجين، 0,49 في مركز منطقة البوكمال. لتكون الجزيرة السورية بمحافظاتها الثلاث هي المنطقة التي تتركز فيها أعلى معاملات الحرمان.. فمن يليها؟
• تعتبر محافظة حلب هي المحافظة الثالثة في نسب المناطق المحرومة من الإجمالي.
• تعتبر محافظة اللاذقية أكثر المحافظات التي تشهد ارتفاعاً في معامل الفقر بعد محافظات الجزيرة، على الرغم من نسب التعليم المرتفعة، ففي قسطل معاف معامل الفقر: 0,55، عين شقاق: 0,34، البهلولية: 0,32 صلنفة: 0,28. بينما معاملات الفقر في ريف دمشق كنموذج هي بين 0,01 في حرستا ودير عطية، وبين 0,21 في رنكوس، أما في السويداء فإن نسب الفقر بين 11 و0 في المزرعة، و 0,17 في الغارية.
• تعتبر محافظة طرطوس هي أكثر المحافظات التي تشهد ارتفاعاً في معامل البطالة: 0,62 برمانة المشايخ، 0,46 الشيخ بدر، 0,45 القمصية، 0,42 بانياس، 0,46 تالين، 0,42 مشتى الحلو. بينما نسب البطالة في ريف دمشق مثلاً جميعها بين 0,0 – 0,1، وفي حمص أعلى نسبة بطالة هي 0,30 في السخنة المنطقة الوحيدة (د) في المحافظة.
مفارقات من واقع المناطق السورية
تشير البيانات إلى فوارق في نمط حياة السوريين، لتدل أن الحرمان يشمل بأحد جوانبه على الأقل المناطق السورية كافة، فمناطق عالية التعليم محرومة من فرص العمل، ومناطق نسب التشغيل فيها عالية والبطالة قليلة لكنها محرومة من التعليم بنسب عالية، ما يعطي دلالات حول طبيعة النشاط الاقتصادي السوري ضعيف الاعتماد على التعليم.
وحيث يتراجع المؤشران أي التعليم والتشغيل فإن الفقر يرتفع والحرمان بإجماله يزداد وهو ما يتكثف في المنطقة الشمالية الشرقية أغنى المناطق السورية!
مناطق (أ): مؤشر بطالة منخفض + مؤشر حرمان التعليم مرتفع
الكثير من مناطق عالية التنمية (أ) تحوي مفارقات توضحها طبيعة الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث أن فرص التنمية المرتفعة تترافق بالضرورة مع معامل بطالة منخفض، ولكنها لا تشترط انخفاض معامل حرمان التعليم وكأمثلة:
• الحمراء في حماة (أ) بمؤشر حرمان من التعليم هو الأعلى باستثناء المناطق الشرقية: 0,50، وبطالة منخفضة 0,09.
• النشابية ريف دمشق (أ) بمؤشر حرمان من التعليم: 0,46، وبطالة منخفضة 0,08.
• منبج حلب (أ) بمؤشر حرمان من التعليم: 0,41، وبطالة منخفضة: 0,03.
• داريا ريف دمشق (أ) مؤشر حرمان التعليم: 0,36، بينما مؤشر البطالة منخفض: 0,09.
وتعتبر هذه الحالة سمة عامة في مناطق ريف دمشق، وبعض مناطق حلب، وحمص، وحماة، وكذلك في درعا نسبياً، حيث تعتبر الاعمال الزراعية أكثر جدوى في هذه المناطق نتيجة اتساع المساحات الزراعية ومراكز المدن الكبيرة، ويضاف إليها أن 80% من الصناعة السورية متركزة في المدن الثلاث الكبرى الأولى (دمشق وريفها- حلب- حمص). حيث أن أغلب فرص العمل في سورية لا تزال غير مرتبطة بدرجة التعليم، مع دلالات ذلك على تخلف النشاط الاقتصادي في سورية، وضعف اعتماده على التعليم.
مناطق (ب) مؤشر حرمان التعليم منخفض + مؤشر البطالة مرتفع
العديد من المناطق المصنفة (ب) أي في المرتبة الثانية من حيث فرص التنمية والتطور، يعتبر انخفاض نسب الأمية والتسرب من التعليم هو رافعة التنمية، بينما تشهد معدلات بطالة عالية، ومعدلات فقر كذلك.
• شين في حمص (ب) مؤشر حرمان التعليم 0,00، ومؤشر بطالة مرتفع: 0,37.
• الدالية في اللاذقية (ب) مؤشر حرمان التعليم 0,00، ومؤشر بطالة مرتفع: 0,48.
• الفاخورة في اللاذقية (ب) مؤشر حرمان التعليم 0,00، ومؤشر بطالة مرتفع: 0,58.
• الشيخ بدر في طرطوس (ب) مؤشر حرمان التعليم 0,00، ومؤشر البطالة 0,62 وهو الأعلى باستثناء مناطق في الجزيرة السورية.
تشير بيانات هذه المناطق أن ارتفاع مؤشر التعليم في سورية، لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع المؤشرات التنموية الأخرى، أي لا يؤدي حتماً إلى التشغيل وإلى تخفيض الفقر، لذلك فإن المناطق التي تعتبر الزراعة ضعيفة فيها نتيجة الحيازات الصغيرة أو الطبيعة الجغرافية، ولا تشهد نشاط صناعي فهي تعتمد على العمل الحكومي بشكل أساسي ما يجعل نسب البطالة مرتفعة في هذه المناطق.