«قوى مناهضة» لتحسن سعر صرف الليرة السورية!!
يقول الاقتصادي العربي المعروف جورج قرم: (نرى وبالرغم من استتباب الأمن وعودة جزء من الرساميل اللبنانية إلى الوطن أن سعر الليرة اللبنانية تدهور بشكل متسارع دون سبب اقتصادي وأمني واضح، بل نرى عند حصول موجات التفاؤل السياسي والاقتصادي تدخلاً قوياً لوقف تحسين الليرة ومساندة سعر الدولار، بل تثبيته عند مستويات عالية، مما يوقف دورة التحول من الدولار إلى الليرة اللبنانية، ومن ثم ينقلب ضد العملة الوطنية عند أول غيمة سياسية، دون أن يفيد حينئذ التدخل في سوق القطع لإيقاف تدهور سعر الليرة)... وذلك في كتابه: الإعمار والمصلحة العامة صفحة 61.
هذا ما رآه الأستاذ جورج قرم حول تدهور الليرة اللبنانية في السنوات التي تلت الحرب اللبنانية في عام 1990. نلاحظ هنا أن الأستاذ جورج يؤكد على فكرة أن تدخل المصرف المركزي حينها لم يؤد إلى تقوية سعر صرف الليرة مقابل الدولار رغم تحسن الظروف الأمنية والاقتصادية طالما أن هناك قوى أخرى في السوق تمانع عملية تحسين قيمة الليرة مقابل الدولار. وإن هذه الممانعة تستمر حتى يحين ظرف سياسي أو اقتصادي سيئ لتعاود الهجوم على الليرة مما يؤدي إلى تدهور جديد في قيمتها. ويرى (قرم) ضرورة مباغتة تلك القوى المناهضة للتحسن في السوق بالتدخل عبر ضخ الدولار لتقوية الليرة عندما تكون هناك لحظات تفاؤل سياسية في الجو العام في البلد كحل لمواجهة من يعمل على تخفيض قيمة العملة الوطنية بشكل مقصود، ويقول في المرجع السابق ذكره: (القضاء على الحلقة التضخمية لا بد أن يتم عبر تقوية سعر صرف الليرة عندما تكون الظروف السياسية والنفسانية مشجعة على ذلك).
التدخل في لحظات القوة لا الضعف
إن هذه الصورة تشبه إلى حد بعيد حال الليرة السورة اليوم، وخلافاً لحالة لبنان، فلسنا مضطرين للخضوع لسوق الصرافة وآلياته طالما أن اقتصادنا يتعرض لحالة هجوم، وكوننا مازلنا نملك آليات تدخل الدولة التي لم يتم إبعادها عن كل المجالات وهي الأكثر كفاءة في ظروف الحرب على الأقل. وإن سلمنا جدلاً أننا مضطرون لقبول آليات السوق التي تحدد أداة تدخل المصرف المركزي الرئيسية في هذه الظروف ببيع الدولار للصرافين لمواجهة تدهور قيمة الليرة، فعلينا كما يرى جورج قرم، كأضعف الإيمان، أن نتدخل في الظروف الاقتصادية والسياسية الأمثل وإلا سنفشل في التدخل.
(فرص ضائعة)..
في سياسة التدخل
وهنا نلاحظ أن تدخلات المصرف المركزي في الحالة السورية تتم في الظروف الأسوأ، فعلى سبيل المثال لم يتدخل المصرف المركزي لبيع الدولار في لحظة التراجع الأمريكي عن العدوان على سورية، وهي من اللحظات القليلة المثالية، بل ترك سعر الصرف دون تدخل، وإن تحسن قيمة الليرة حينها نتج بشكل رئيسي عن الظرف السياسي، إلا أنه كان من الممكن مباغتة السوق وقواه الممانعة بالتدخل لإعادة سعر الصرف لمستويات قياسية، كان من الممكن أن تصل إلى 120 ليرة مقابل الدولار حينها.
منذ انتهاء الجولة الثانية لمؤتمر جنيف، وبعد أن نجح الطرف الأمريكي بعرقلة المؤتمر، وبالتالي سيادة المزاج التشاؤمي حول الحل السياسي وارتفاع الحديث عن معركة الجنوب وما جرى لاحقاً في كسب، انعكس ذلك على سعر صرف الليرة، فبعد استقرار سعر الصرف عند حدود 145 ليرة سورية مقابل الدولار خلال الأشهر التي أعقبت انتهاء احتمالات العدوان العسكري الأمريكي في آب الذي تجاوز فيه سعر صرف الليرة 230 ل.س وصولاً إلى مؤتمر جنيف في كانون الثاني 2014 حيث استقر سعر الصرف وسطياً عند حدود 145 خلال الأشهر من تشرين الأول 2013 إلى كانون الثاني 2014.
عاد سعر الصرف للتدهور بناء على تلك الظروف التشاؤمية التي تستغلها القوى الممانعة لتحسن سعر الصرف لضربه. وفي ظل هذه الظروف عاود المركزي تدخلاته بزيادة ضخ الدولار، وكان آخرها جولتين للتدخل في الشهر الأخير، لكن النتيجة لم تكن سوى تدهور سعر الصرف دون أي تراجع جدي وخسارة مزيد من الدولارات لمصلحة قوى ممانعة تحسن سعر الصرف حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار من 145 ل.س في كانون الثاني 2014 إلى 170 في أيار الجاري.
لم يكن المصرف المركزي في الحالة السورية مضطراً للخضوع لآليات سوق الصرافة المحررة، طالما أننا نعيش ظروف الحرب التي تتحدث عنها الحكومة، لكن خضوع المركزي لهذه الآليات يعكس تفريطاً في قيمة الليرة السورية إحدى رموز السيادة كما يقول البعض، أو جهلاً بآليات السوق التي يلتزم فيها المركزي دونما سبب جدي محققاً أسوأ النتائج كما يقول آخرون.