دور الدولة الذكي

دور الدولة الذكي

تفتح لحظات الأزمات الكثير من الأبواب المغلقة سابقاً، وتسمح بمس مفاصل ومواقع لم تكن مسموحة من قبل، هذه الحقيقة لا تبدو جلية بالمستوى المطلوب في الواقع الاقتصادي السوري، وهذا يعود موضوعياً إلى وزن الفساد الكبير وقدرته على تمتين منظومته، حيث تظهر مصالحه طافية على أي توجه جدي لإيجاد الحلول..

ولعل مثل هذا الوضع هو ما يتطلب فعلاً «الدور الذكي للدولة»، والذكي هنا هو دلالة على دفع جهاز الدولة لينتزع المصلحة العامة انتزاعاً من متنفذي المصالح الخاصة ، والمهيمنين على هذا الجهاز، سواء كانوا بداخله من ناهبي المال العام وسماسرته الكبار، أو من خارج هذا الجهاز وتحديداً كبار تجار السوق «وحيتانه».ولكن كل خطوة مرنة لجهاز الدولة يفترض أن تسبقها خطوة لتعزيز قوة هذا الجهاز وزيادة هيمنته، وحتى موقعه في السوق.. فممارسة المرونة تتطلب القوة التي يستمدها جهاز الدولة من قوته الاقتصادية ووزنه المستقل، فكيف ستستطيع الدولة أن تكون منافساً قوياً في السوق إذا كانت أغلب مؤسساتها الإنتاجية تدور في حلقة مفرغة من الفساد خلال العقود الماضية، حيث تقاوم قوى النهب وأذرعها الممتدة كل الحلول العقلانية البسيطة التي تقدمها جهات قد تكون من داخل هذه المؤسسات وتعمل لمصلحتها.. وكيف ستلعب الدولة دوراً ذكياً مرناً «سوقياً»، والتوزيع لمنتجات قطاع الدولة الذي يعاني من مفارقة كبرى، حيث يتكبل بقيود كثيرة تمنعه من العمل بمنطق السوق وتحجز عنه الموارد المطلوبة، وبالوقت نفسه تسحب صلاحياته عن طريق الاتجاه التاريخي نحو استيلاء القطاع الخاص على التوزيع في القطاعات الأساسية..

لذلك لابد من القول بأن كل أدوات المرونة والعصرية والذكاء مطلوبة لإعادة إحياء مؤسسات القطاع العام الأساسية، وانتقائها بدقة لتكون روافع اقتصادية نسبية في هذه المرحلة، بحيث تتيح ترابطات عميقة اقتصاديا واجتماعياً. ومطلوبة أيضاً لانتزاع الموارد التي تنحصر في الظرف الحالي في أموال الفساد التي لابد من مصادرتها وإعادة توظيفها.. وقد تكون هذه القوة هي الخطوة الأولى التي تعطي المصداقية لمقولة الدور الذكي والمرن..

طالما أن نسبة الأجور للأرباح بسورية لا تزال %25 مقابل %75، فإن الدولة لا تزال تساعد على تجميع نسبة الأرباح لأصحاب الربح وتساهم بتركيزها، وقوة دور الدولة يفترض أن تنعكس هنا، أما المرونة فتبقى الأداة التي تتيح طرقاً عدة لتعديل النسبة المذكورة، باستخدام الأدوات المالية والسياسات الضريبية، ولكن يبقى الأهم وضع تعديل هذه النسبة كإستراتيجية أداتها الأساسية زيادة الوزن الاقتصادي النوعي لسورية وبناء نموذجها المستقل بأعلى نمو وأعمق عدالة اجتماعية.