العلاقة غير المتكافئة كانت تفترض التحول الاقتصادي مبكراً..  الاقتصاد الوطني وضع «رهينة» بيد الأوروبيين.. وجعل من النفط ثروة ضائعة!

العلاقة غير المتكافئة كانت تفترض التحول الاقتصادي مبكراً.. الاقتصاد الوطني وضع «رهينة» بيد الأوروبيين.. وجعل من النفط ثروة ضائعة!

لم تكن الدعوة إلى التحول في العلاقات الاقتصادية شرقاً بالمعنى السياسي، مجرد طرح يبحث عن تغير شكلي في العلاقات الاقتصادية، أو نتيجة مزاج مؤقت رافض للعلاقة مع الأوروبيين ومع الكتلة الاقتصادية الغربية، وإنما هي نتيجة جملة من الضرورات الاقتصادية، وخصوصية الاقتصاد الوطني، وهو ما طالبنا به مراراً، ومنذ أيام حكومة العطري، رافضين إعطاء الأولوية المطلقة للعلاقات الاقتصادية مع الأوروبيين الساعين لفرض شروطهم في التبادل الاقتصادي، وبما لا يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني، مطالبين بتكوين علاقات اقتصادية مع الكتلة الاقتصادية للدول الصاعدة موازية للعلاقات مع الأوروبيين، وهذا ما كان يقابل بالرفض دوماً، فالتحول شرقاً في هذه الحالة، سيساهم في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي يتحمل تبعاتها المواطن السوري من أصحاب الدخول المحدودة بالدرجة الأولى، من خلال سلسلة الأزمات التي تلاحقه في طريق تأمين مستلزمات حياته اليومية، وقد ينتج عن هذا التحول توازن أكبر في الميزان التجاري، وشروط أكثر عدالة في استخراج النفط السوري..

تبادل غير متكافئ

خارطة التبادل التجاري لسورية مع الكتل الاقتصادية في دول العالم تبين حجم الاختلالات في هذا التبادل على أكثر من صعيد، حيث أن الصادرات السورية إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2003 وصلت إلى نحو %59 من إجمالي الصادرات، وانخفضت هذه النسبة إلى %37.3 في عام 2010، وهذا يعني أن السياسات الاقتصادية ساهمت في إحداث تشوه في العلاقة الاقتصادية مع الأوروبيين بالدرجة الأولى، وتراجعت الصادرات السورية %20 خلال ثماني سنوات، والمتزامن مع ارتفاع حجم المستوردات، وهذا خير دليل على الاختلال الذي أوصل الميزان التجاري السوري إلى خسارات متلاحقة منذ تسع سنوات حتى الآن، ومن جهة أخرى، فإن مقارنة نسبة الصادرات مع الاتحاد الأوروبي، بالتبادل التجاري لسورية مع الاقتصاديات الناشئة (روسيا الاتحادية، الصين، الهند، البرازيل)، توضح التبادل الهزيل مع هذه الكتلة مجتمعة، حيث بلغت نسبة الصادرات السورية إلى الدول الناشئة في عام 2003 ما يقارب %0.9 من إجمالي الصادرات، وارتفعت هذه النسبة إلى %1.3 في عام 2010 من إجمالي الصادرات، أي أن هناك تحسن في الصادرات مع هذه البلدان، ولكن نسبتها هزيلة مقارنة بالعلاقات الاقتصادية مع الأوروبيين..

رفض

وتدلل الأرقام الرسمية على أن السياسات الاقتصادية خلال العقد الماضي، سعت إلى زيادة التبادل التجاري مع الطرف الأوروبي، بما لا يحقق التوازن المفترض والمطلوب بالعلاقات مع الكتل الاقتصادية المختلفة بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني، حيث تبين الأرقام الرسمية، أن %20 من المستوردات السورية في عام 2003 كانت تأتي من الاتحاد الأوروبي، بينما ارتفعت نسبة المستوردات إلى %26 في عام 2010، بينما وفي المقابل، تشير الأرقام إلى أن التبادل التجاري لسورية مع الاقتصاديات الناشئة (روسيا الاتحادية، الصين، الهند، البرازيل) كان أقل نسبةً، حيث لم تتعدَ المستوردات السورية من هذه الكتلة الاقتصادية ولم تتجاوز في عام 2003 ما نسبته %13.3 من إجمالي المستوردات، بينما وصلت نسبة المستوردات السورية إلى %21 في عام 2010، فصحيح أن نسبة المستوردات قد نمت مع الكتلتين، إلا أن التبادل التجاري بقي لمصلحة الطرف الأوروبي دون سواه، وهذا ما جعل من العقوبات الأوروبية أكثر تأثيراً، وزاد في تأثيرها عدم سعي البعض، بل رفضهم القاطع، لإنتاج تحول جدي في العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، على الرغم من الحاجة الكبيرة لذلك...

غياب الأرضية للبديل عمق الأزمة

هذه الاختلالات في الميزان التجاري، أضرت بالاقتصاد الوطني، وبالقدرة على تحقيق احتياطي نقدي من العملة الصعبة في السنوات العشر السابقة، وهذه هي العوامل التي كان يجب أن تدفع إلى التحول الاقتصادي شرقاً، والذي يضاف إلى العقوبات الاقتصادية التي أحدثت سلسلة من الأزمات في معيشة السوريين، والتي ما كانت لتحدث بالحدة نفسها، لو أن هناك توازناً في العلاقات الاقتصادية مع الكتل الاقتصادية، لأن هذه العلاقات تعني وجود الأرضية لبديل حاضر واقعياً، ولم نكن عندها بحاجة إلى تحول في التوجه الاقتصادي، بل إلى زيادة في الاعتماد على الكتل الاقتصادية في الشمال والجنوب والشرق..

النفط بأيدي شركات أجنبية

دخول الشركات الأجنبية للاستثمار في سورية ليس بالجديد، إلا أن السياسات الاقتصادية خلال العقد الماضي هي من ساهمت في تغلغلها أكثر، لدرجة وصولها إلى حد احتكار إنتاج واكتشاف وحفر النفط في البلاد بدرجة كبيرة، وأهم الشركات الأجنبية والأوروبية هي، توتال الفرنسية، وشل الهولندية، وجلف ساندز بتروليوم البريطانية، حيث تنتج هذه الشركات الثلاث 78 ألف برميل من النفط السوري يومياً، وهو ما تعادل نسبته %20.2 من الإنتاج الإجمالي للبلاد، وهذا يعني دون أدنى شك أن الشركات الأجنبية تنتج %50 بالحد الأدنى من النفط السوري، وهي بأغلبها شركات أوروبية وأمريكية واسكندنافية، وإلا لما تراجع الإنتاج بعد العقوبات الأجنبية على سورية إلى نحو 220 ألف برميل يومياً!.. فليس من المنطق أن تنتج وتستكشف الشركات الأجنبية أكثر من %50 من النفط السوري، وتجني أرباحا سنوية تقدر بالمليارات، بينما الاقتصاد الوطني والخزينة العامة هي المكان الصحيح لها، وليس جيوب أصحاب تلك الشركات العملاقة متعددة الجنسيات..

التأميم هو الحل

هذه النسبة لم تأت من فراغ، لأن هناك عشرات الشركات النفطية الأوروبية والأمريكية التي كانت تعمل في البلاد، ومن هذه الشركات الأجنبية التي تعمل بصورة مباشرة، شركة دبلن الكندية، وشركة بتر وكندا، وشركة IPR الأمريكية، وشركة ستراتيك انرجي الكندية، وشركة دوف إنرجي، و»صنكور» الكندية، وتوقف هذه الشركات عن العمل بسبب العقوبات، وعدم وجود البديل، وحصتها الكبيرة من الإنتاج الإجمالي، وهو من خفّض إنتاج النفط السوري، وساهمت الإيرادات المتراجعة في زيادة أزمة الشعب السوري، وأكد أن حصة الدول الناشئة من إنتاج النفط السوري لا تتعدى %20 من حصة الاستثمار الأجنبي في سورية، وفي المحصلة، لن نسقط ما طالبنا به، وندعو إليه دائماً، وهو تأميم قطاع النفط السوري، في مجال الإنتاج والتنقيب، ولكن ليس بالمطلق، لكي لا يقول أحد إنها فكرة من الخيال، بل بشكل تدريجي، وبما يعطي الحصة الأكبر من الإنتاج للشركات السورية وليس العكس، فلو كان إنتاج النفط وطنياً لما كان تأثر بأية عقوبات أجنبية!.. فتأميم شركات النفط، كان هو الرد الحاسم والضروري على العقوبات الاقتصادية، وذلك حفاظاً على الثروة الوطنية بالدرجة الأولى..