الأزمة الاقتصادية والتوتر الاجتماعي

الأزمة الاقتصادية والتوتر الاجتماعي

تمّ خلال المرحلة السابقة المأزومة اقتصادياً تكريس هيمنة قوى السوق، وهو ما اقتضى الانحياز الضروري لآليات عمل الاقتصاد نحو مصلحة هذه القوى الكبرى، ويأتي في مقدمة هذه الآليات تهميش المنافس الرئيسي المتمثل بجهاز الدولة الإنتاجي السوري، فتباطأت مؤسساته الإنتاجية المباشرة، وتقلصت أذرعه الإنتاجية غير المباشرة والتي يمثلها الدعم الزراعي والصناعي، والدور الحمائي والخدمي السابق..وهذا أعطى قوى الاحتكار في الأزمة الاقتصادية الحالية،  القدرة على التحكم والاستفادة من ظرف التوتر، مقابل ظهور جهاز الدولة بمظهر المتواطئ أو الراضخ.

ولدت الأزمة الاقتصادية بمستواها الأول أي في مرحلة «الصدمة الليبرالية» ظواهر اجتماعية، ناجمة بشكل أساسي عن تهميش جزء كبير من السوريين ورميهم في دوامة البطالة، وتهميش جهاز الدولة وقدرته الإنتاجية وتحويله إلى أداة تعمل لمصلحة القوى الاقتصادية الكبرى أو تعمل لذاتها محققة مصالح الفساد المتحكم بمفاصل اقتصادية هامة في جهاز الدولة.  

وكان الحاضن الموضوعي للأزمة السياسية، وسلوك كل أطرافها هو الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي ولدتها مرحلة «الصدمة الليبرالية»..ابتداءً من الاحتقان الشعبي ووصولاً إلى سلوك قوى الفساد المتعنتة،ومروراً بقابلية اختراق صفوف السوريين من قبل قوى النهب العالمية وأذرعها، وحتى المعارك والعنف الدائر، وتبني السلاح.

واليوم بعد عام ونصف تقريباً على بداية الأزمة السياسية فقد دخلنا في المستوى الثاني للأزمة الاقتصادية، حيث يستمر الظرف الاقتصادي الاجتماعي السابق ولكن بمستوى أعلى من التدهور.. حيث وصل التراجع الاقتصادي في القطاعات الحقيقية إلى درجة تقارب الخمول والتوقف، ومن أهم مؤشرات ذلك، تراجع إنتاج القمح السوري إلى النصف تقريباً وتوقف عدد كبير من المنشآت الصناعية.. ويستمر مع هذا التراجع زيادة أعداد العاطلين عن العمل  ودخول فئات أوسع من السوريين في إطار التهميش تحت ضغط التردي الاقتصادي. أما الجانب الآخر فهو الانحراف الاقتصادي لمصلحة قوى الفساد وقوى السوق الكبرى الذي ازداد كثيراً خلال الأزمة، ويدل على هذه الزيادة مستوى خسارات الشعب السوري الواضحة.

تضاعفت نسبة البطالة «حسب الأرقام الرسمية»، ولا يزال الريف السوري وعشوائيات المدن المشتعلة موطئ قدم مناسب لكل الكاسبين في معركة خسارة الشعب السوري، أما جهاز الدولة فيستمر بخموله وعدم قدرته على تصحيح الانحرافات الكبرى بعد أن خسر كثيراً من قدرته على المواجهة والوقوف لمصلحة أصحابه الحقيقيين، أي الشعب السوري. كل هذا يجعل التساؤل مشروعاً حول العمق الذي سيصل إليه المستوى الثاني من التوتر الاجتماعي الناجم عن تعمق التردي الاقتصادي الاجتماعي في طور الأزمة الاقتصادية الثاني وتجلياته..!