«أزمة الفكر الاقتصادي الرأسمالي» في ورشة عمل.. فهم وتحديد طبيعة الأزمة سبيلنا في مواجهة الواقع الجديد

«أزمة الفكر الاقتصادي الرأسمالي» في ورشة عمل.. فهم وتحديد طبيعة الأزمة سبيلنا في مواجهة الواقع الجديد

عقدت كل من الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية وكلية الاقتصاد في جامعة دمشق السبت 25 أيلول ورشة عمل اقتصادية حملت عنوان «أزمة الفكر الاقتصادي الرأسمالي الراهنة، وتداعياتها على السياسات الاقتصادية».. شارك فيها عدد من الباحثين الاقتصاديين العرب من سورية ومصر والجزائر ولبنان، حيث جرت مناقشة مجموعة من النقاط الأساسية في الطريق إلى فهم مشكلات الفكر الرأسمالي ومكامن فشله في حل القضايا الاقتصادية، بغض النظر عن الأزمات الدورية التي يمر بها، والتي تمثل الأزمة الحالية أعظمها في التاريخ، وصولاً بالنقاش إلى حاجة البشرية لإيجاد بدائل عن النظام الرأسمالي، ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ هذا النظام..

«قاسيون» كانت حاضرة، وغطت النقاشات..

 

د. الحمش: الأزمة تشمل النظام الرأسمالي كله

بدأت أعمال الورشة بورقة قدمها د. منير الحمش رئيس الجمعية العربية، ميّز فيها ثلاثة أنواع رئيسية للفكر الاقتصادي: النظرية الاقتصادية التي تصوغ قوانين عامة حاكمة للعلاقات الاقتصادية متتبعةً خطا  مناهج العلوم الطبيعية حتى مرحلة التعبير الرياضي؛ السياسة الاقتصادية المتمثلة بالإجراءات التطبيقية المستوحاة من أفكار غالبة تعبر عن مصالح معينة؛ والمذهب الاقتصادي الذي يحمل محتوى أيديولوجياً يتضمن دائماً عنصري التبشير والتحبيذ.

د. الحمش أوضح أنه عند الحديث عن أزمة في الفكر الاقتصادي الرأسمالي، فيجب تحديد أي نوع من الأنواع الثلاثة تطاله هذه الأزمة؟ ورأى أنها تشمل الأنواع الثلاثة من الفكر الاقتصادي، كما أنها تشمل النظام الرأسمالي نفسه.

وفي السياق تعرض الباحث إلى عدد من المحاور ابتدأها بنشأة النظام الرأسمالي وعلاقته الجدلية بالفكر الاقتصادي منذ نشوئه، والتطور الحاصل في الفكر الاقتصادي والسياسات الاقتصادية خلال القرنين الماضيين، ثم تطرق إلى الفكر الاقتصادي الرأسمالي في «المسرح الجديد» للاقتصاد، مبيناً أثر ثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية فيه، وبيّن التطور الحاصل في أسواق المال وظهور الاقتصاد الجديد، وصولاً إلى صعود العولمة الاقتصادية وانكسارها، موضحاً أن جوهر العولمة الاقتصادية هو الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وهي تعميم النظام الرأسمالي وثقافة السوق في جميع أنحاء العالم وتنميط الحياة الاقتصادية والثقافية وفقاً للسلوك والقيم الغربية (الأمريكية تحديداً).

وتطرق د. الحمش إلى أبعاد الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة مبيناً أن للسياسات الاقتصادية والمالية المرتكزة إلى «توافق واشنطن» دوراً أساسياً في وصول الأزمة إلى ما وصلت إليه، ولخّص الباحث هذه السياسات بـ: تحرير الأسواق الداخلية والخارجية وعبادة السوق وآلياته؛ تحرير حركة رأس المال مع غياب الشفافية والرقابة في إطار العولمة المالية والاقتصادية؛ الوصول إلى حكومة الحد الأدنى بانسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي عبر تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الضرائب على الأغنياء، وتحميل الفئات المتوسطة والفقيرة نتائج هذه السياسات.

وبالنسبة لتحديات الفكر الاقتصادي المعاصر، أوضح أن تخلي أغلب المفكرين الاقتصاديين عن الاقتصاد كفكر متعدد الأبعاد، واقتصار أبحاثهم على الاستخدام المفرط للرياضيات، أدى إلى إنتاج علمي ضخم وغزير في العلوم الاقتصادية، ولكن المطلوب هو العمل على تطوير الفكر الاقتصادي من حيث أنه يعتمد على ثلاثة أبعاد: البعد البشري؛ والاجتماعي؛ والتاريخي. وأشار الباحث إلى الفشل الناجم عن التحول في منهجية علم الاقتصاد إلى نوع من ثقافة «الفردية الأنانية» وتعظيم المصلحة الخاصة غير المحدودة على حساب جميع الاعتبارات.

وأكد د. الحمش أن الاندفاع نحو العولمة في معظم بلدان العالم رافقه فشل في سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة على مختلف الأصعدة.

وبعد استعراض مسهب لمتطلبات النهوض بالفكر الاقتصادي وشروط الخروج من أزمة السياسات الاقتصادية والنظام الرأسمالي، اختتم د. الحمش ورقته بتساؤلات وملاحظات حول ضرورة التصدي لإحدى أهم المشكلات الاقتصادية وهي المشكلة الفكرية التي تعكس ظلالها على السياسات والممارسات والإجراءات الاقتصادية في مواجهة الأزمة المعاصرة للرأسمالية والنظام الرأسمالي ككل.

 

د. إبراهيم: الأزمات قاطرات التاريخ الرأسمالي

وتحدث د. غسان إبراهيم الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق في ورقة العمل الخلفية التي قدمها في الورشة بالمحور الأول «أزمة فكر أم أزمة نظام» عن العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع في النظام الرأسمالي، والتي لا تعني أن كل أزمة في الواقع ستنعكس أزمة في الفكر، ولو كان الأمر كذلك لانهار النظام الرأسمالي منذ نحو قرن.

وأوضح د. ابراهيم أن جميع الأزمات الرأسمالية تعتبر «قاطرات التاريخ الاقتصادي الرأسمالي»، والتي غدت تعبيراً عن ملامح مستقرة للتطور الدوري في النظام الرأسمالي، فإذا كان من الصحيح أن تحديد المسار اللاحق للتطور يقابله ثمن اقتصادي واجتماعي باهظ التكاليف، يتمثل في التوقيف المؤقت للتطور والتدمير الجزئي للقوى المنتجة، إلا أن ذلك، لا يخرج عن طبيعة الرأسمالية كنظام متناقض وقائم على عمليات وآليات تدميرية، وبتعبير معاصر «فوضى خلاقة».

وفي المحور الثاني - السياسات الاقتصادية واستقلالية الفكر- أشار د. غسان إلى أن العلاقة بين السياسات الاقتصادية والفكر الاقتصادي غير مباشرة في أحسن الأحوال، وإذا كان من الصحيح أن السياسات الاقتصادية تعتمد بإيحاء من الفكر الاقتصادي إلا أنها لا يمكنها أن تحيط به من كل جوانبه. وأوضح أن السياسات الاقتصادية - من الناحية النموذجية – تعد أنماطاً من تدخل الحكومة في الاقتصاد بقصد التأثير في التحولات الاقتصادية، أي أن العلاقة  بين الفكر الاقتصادي والسياسات الاقتصادية طابعاً كمياً أكبر منه نوعياً وكيفياً.

وفي المحور الثالث - الاقتصاد الرأسمالي، جلد الأفعى – أكد أن الأزمة تعد في أحسن الأحوال «معضلة استراتيجية» في ثنايا النظام الرأسمالي، والذي لا يعني أبداً انغلاق النظام الرأسمالي، أو أنه يعاني أزمة مدمرة، ولو حصل ذلك لكان تقزيماً للرأسمالية.

وأضاف أن الأساس التاريخي للرأسمالية ليس اقتصادياً فقط، بل إنه مركب معقد من علم ، وفكر ، وفلسفة، وثقافة، وقانون ، وحرية.. ولذلك استطاعت الرأسمالية - كفكر ونظام - أن تتجاوز أزماتها منذ نشوب أول أزمة اقتصادية في القرن التاسع عشر، ولغاية الأزمة الراهنة، وأن تجدد نفسها، وبأقوى مما كانت عليه سابقاً. ولعل السبب الجوهري يكمن في قوة مصطلح «حرية السوق» الذي يعبر عن اتجاهين أساسيين، الحرية بالمعنى الواسع، والسوق بالمعنى التاريخي. ولذلك تبدو الرأسمالية بأزماتها العضوية، كجلد أفعى، تجدد نفسها وتسبغ طاقة إضافية عليها أو تخلق قيمة مضافة جديدة. مشيراً إلى أن الذي يستولد الأزمة هو النظام، وليس الفكر الذي يقف.

وتطرق د. غسان ابراهيم في المحور الرابع - مكر الرأسمالية: السوق كظالم ومظلوم – إلى جذور الفكر الاقتصادي الرأسمالي التي لا تزال قوية جداً لارتباطها بالحرية، فالعلاقة بين الفكر الاقتصادي والسياسات الاقتصادية تتجلى على شكل علاقة ماكرة بين السوق، والتدخل الحكومي في الاقتصاد.

 

د. نجمة: حرب الخليج مدت بعمر النظام الرأسمالي

الباحث الاقتصادي الياس نجمة، رأى أن الأزمة الحالية ليست أزمة الرأسمالية فقط، بل هي أزمة الفكر الاقتصادي الآن، لأن المجتمع الصناعي أنتج أنظمة اقتصادية رأسمالية واشتراكية لاحقاً سيطرت على الفكر الاقتصادي، وتعرض هذا المجتمع الصناعي لهزة كبيرة بدءاً من الثمانينيات عندما بدأ الانتقال إلى المجتمع ما بعد الصناعي، فهذا النظام الجديد الذي يتشكل الآن، بهذه المرحلة الانتقالية، هو الذي يقف وراء أزمة الفكر الاقتصادي بشكل عام، التي رأيناها في الدول الاشتراكية سابقاً، ونراها اليوم في الدول الرأسمالية.

إن انهيار الاتحاد السوفيتي، وحرب الخليج، مدا في عمر النظام الرأسمالي، وأعطيا 10 سنوات من الراحة والازدهار، وأخرا الأزمة المتفجرة في النظام الرأسمالي، وبالتالي اعتقد أن العالم لديه أزمات متتالية، حيث إن متوسط الأزمات في القرن التاسع عشر مرة كل /14/ شهراً، حسب فريد زكريا، فهل أزمة النظام الرأسمالي حالياً أزمة اختناق أم ازدهار؟!

وأشار د. نجمة إلى أن إسقاطات الأزمة الرأسمالية الجديدة - رغم ضخامتها - لم تترك أثار اجتماعية وسياسية كالآثار التي تركتها أزمة عام 1929، وذلك يعود لتقدم الاتصالات، والتكنولوجيا، والحجومات الاقتصادية الكبيرة، فنحن أمام عالم جديد، لديه مشاكل ومفاهيم جدية، ومعالجتها يجب أن تتم بأدوات فكرية جديدة، مشاكل الطاقة، بدائل الطاقة، المناخ، إعادة توضع الأنشطة الاقتصادية.

 

د. مصطفى: قوى السوق غير مكتملة.. ولابد من تدخل الدولة

أكد د.سمير مصطفى عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية أنه منذ حرب 1973 حصلت انتقالات محيرة في التنمية الاقتصادية في البلدان العربية، والمستندة إلى قاعدة النمو مقابل التنمية، والصناعة مقابل التصنيع، ونقل التكنولوجيا مقابل إنتاجها، وبالتالي كل برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسات الاقتصادية قامت على هذا التحول المرعب في محتوى السياسات الاقتصادية.

وأوضح د. مصطفى أن قوى السوق غير مكتملة، ومختلة، ومتنمرة لدينا، فلذلك لابد من  تدخل الدولة في ضوء اختلالات السوق، وعدم نضج الأسواق. فالسياسات الاقتصادية هي دائماً إفصاح للأفكار الاقتصادية، وللفكر الاقتصادي لذلك فالأزمة أزمة فكر، وليست أزمة سياسات فقط.

 

د. قدري جميل: الرأسمالية قابلة للانهيار، ولكن هذا برسم الشعوب

إذا استطعنا تحديد طبيعة الأزمة العالمية الحالية، ومداها، ومخارجها، وإذا استطعنا الوصول إلى استنتاجات في هذا المجال، فيمكننا أن نصوغ موقعنا، ورؤيتنا، وسياساتنا في مواجهة الواقع الجديد، ولذلك، فإن البحث النظري في هذا المجال له قيمة عملية كبيرة.

ثانياً، وحول موضوع العلم، أتفق مع من تحدثوا بالقول إن مهمة العلم ليست تبريراً، وإنما تفسير، ولكنها ليست  تفسيراً فقط، وإنما هي تغيير أيضاً، والتغيير يجري عبر اكتشاف، وفهم، والتحكم بالقوانين الموضوعية، لذلك فإن العلم الذي لا يستطيع أن يتحكم هو دون شك لا يستطيع أن يفسر، وإن ادعى عكس ذلك.

القوانين الموضوعية تفعل فعلها في الاقتصاد، وهناك ما نعرفه عن هذه القوانين، وما لا نعرفه بعد، وهو ما يجب اكتشافه لفهم ما يجري، والتحكم بسير العمليات الاقتصادية، وهنا لابد من التأكيد على أن الاقتصاد تحديداً، وإذا عدنا إلى إنجلز، هو من أعقد العلوم، وأعتقد أننا اليوم أمام لحظة فاصلة من التطور النظري لعلم الاقتصاد، فخلال القرنين الماضيين جرى صراع شديد بين مدرستين أساسيتين؛ الميركانتيلية (النقدية) ومدرسة نظرية القيمة والعمل، وكان السؤال المطروح خلال كل هذه الفترة: ما هو أصل الثروة؟ وأجابت المدرسة الميركانتيلية عن هذا بأن المال يصنع المال، أي الثروة تصنع الثروة، أما نظرية العمل فرأت أن القيمة تأتي من العمل، وبالتالي، فإن الثروة تأتي من العمل، لذلك لدينا مشكلة في العالم الرأسمالي الذي يتبنى المدرسة الميريكانتيلية، وهي مشكلة لا مخرج منها، وهي مشكلة حساب الناتج المحلي الإجمالي حساباً مضخماً، يفرض بالتالي إصدارات نقدية مضخمة، تفرض بدورها تحول التضخم في الاقتصادات قدراً لا راد له، ومن الملاحظ أنه لا أحد في النظام الرأسمالي يضع هدفاً واضحاً كالقضاء على التضخم، وإنما تكون الأهداف دائماً الحد من التضخم، بينما هناك تجارب تاريخية، ومنها التجربة الاشتراكية، والتي أثبتت أنه يمكن التحكم بالتضخم، وجعله صفراً، وذلك عبر التحكم بالكتلة السلعية، وحسابها بالشكل الصحيح، وإصدار كتلة نقدية متوازنة معها.

الثورة الفرنسية قطعت رأس ماريا أنطوانيت ولويس السادس عشر، وقال أحدهم كلمة ذكية: «ما كان بالممكن قطع رأسيهما لولا مجيء كنت وجان جاك روسو وقطعهم لرأس الكنيسة قبل عدة عقود».. واليوم، قطعت الأزمة الحالية رأس المدرسة الميركانتيلية، ويمكنكم التقدير بأنفسكم إلى أين ستتجه الأزمة الحالية.. إنها ذاهبة إلى مكان جديد، فهذا لا يعني أن الرأسمالية لن تجد مخرجاً فهي دائماً تفعل ذلك، ولكن ما هو المخرج؟ الإجابة تتطلب دراسة الأزمات السابقة، الأزمة الأولى قبل الحرب العالمية الأولى، والأزمة الثانية قبل الحرب العالمية الثانية أثبتتا التالي: أن الأزمة تمر بمراحل؛ المرحلة الأولى تتمثل بالتداعيات حين ارتفاع الضغط، والثانية تتمثل بـ«الجلطة»، توقف الإنتاج عملياً، والثالثة هي الإنعاش عبر الحرب، أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة البدائل.. وكان هذا هو النظام في المرحلتين الأولى والثانية، أما اليوم فنحن ما زلنا بالمرحلة الأولى من تداعيات الأزمة.. وإذا كانت الأزمة الأولى قد حلت عبر التوسع الاستعماري، وإعادة تقاسم مناطق النفوذ، وإذا كان حل الأزمة الثانية هو دولرة العالم، وغزو الدولار للعالم كله شيئاً فشيئاً، فما الحل اليوم؟ إن إمكانيات التوسع أصبحت صفر، لأن العالم قد أغلق جغرافياً، والدولار قد شمل كل المعمورة، وعليه فإن الحل الوحيد اليوم هو حروب الآخرين مع تخفيض عدد سكان الأرض بحدود مليار أو ملياري إنسان، وحروب الآخرين ستتركز في قوس التوتر من باكستان إلى مضيق باب المندب إلى البحر المتوسط، ولذلك أعتقد أننا أمام حالة فيها ما هو متكرر، ولكن فيها أيضاً ما هو جديد، ويجب أن نقرأ الجديد لأن الرأسمالية قابلة للانهيار، ولكنها لن تنهار وحدها، والأزمة اليوم لا سابقة لها فهي تشمل كل الأزمات السابقة وتتعداها من حيث الحجم، ولكن ما لم تجد الرأسمالية من يواجهها خلال أزمتها فإنها دائماً قادرة على إيجاد المخارج، وإذا عرفت الشعوب المتضررة منها كيف تواجهها فيمكن لها أن تسد هذه المخارج، وأعتقد أننا أمام فرصة تاريخية مرهونة بقراءتنا الصحيحة للأزمة، وإيجاد الطرق الضرورية، والمناسبة لمواجهتها، ما يتطلب تكييف السياسات الداخلية بما يتناسب مع هذه الأزمة.

 

د. سلمان: تراجع الوزن النوعي لأمريكا أحد أسباب الأزمة

د.حيان سلمان الباحث الاقتصادي السوري أكد أن أحد أسباب الأزمة هو تراجع الوزن النوعي لأمريكا، والذي كان يعادل 50% من الاقتصاد العالمي قبل الحربين العالميتين، أما الآن فهو أقل من 20%، كما أن الأزمات ليست قاطرة النظام الرأسمالي بل هي نقاط استعصاء في هذا النظام، وتحل بطريقتين، إما بالحرب أو بالاستعمار، حيث شكلت الحرب العالمية الأولى والثانية، وحرب الخليج نقاط استعصاء قاتلة في النظام الرأسمالي، فالخلل في جوهر هذا النظام، وعلاقة هذا النظام، وتحول الرأسمالية من تجارية إلى صناعية إلى مالية.. إلخ

إن رأس المال والعمل بطبيعتهما مفهومان اقتصاديان يلبسان اللبوس الإيديولوجي مع كل مرحلة من المراحل، والتناقض بين السوق الحرة والتدخل. فخلال أزمة الكساد الكبير 1929 قام الرئيس الأمريكي بإنشاء معسكرات اعتقال، وهذا تناقض في جوهر الرأسمالية.

قال ساركوزي إن هذه الرأسمالية لا أخلاقية، وميركل دعت لإعادة النظر بالنظام الرأسمالي بأكمله، فالرأسمالية واضحة، ولكن المكر في ما مر عليه المكر، وليس هذا النظام على الإطلاق، فالرأسمالية تنتقل من أزمة لأخرى، ولولا الرقصة العربية، والصناديق السيادية، لكان النظام في أمريكا قد سقط.

 

د. منصور: الرأسمالية تعجز عن مواكبة الواقع

وبيّن د. محمود منصور الأمين العام للجمعية العربية لبحوث الاقتصادية أن النظرية الرأسمالية تعجز حالياً عن مواكبة ما حدث في الأمر الواقع، وعن إعطاء إنذار وتفسير لما حدث، متسائلاً: هل فشل الليبرالية الحديثة، وما نتج عنها، أحد تجليات العولمة، والحروب التي قادتها الرأسمالية؟! فهناك تغير في بينة الاقتصاد، ولا بد أن يواكبه تغير في النظرية الاقتصادية، كالتغيرات المناخية، والتكنولوجيا..

فالظواهر الاقتصادية الآن، لا تمس الاقتصاد، ولا تنتج عن عوامل اقتصادية فقط، وبالتالي يجب أن نقرأ من جديد النظرية الاجتماعية في تكاملها، فظاهرة التغيرات المناخية قادت إلى اعتماد سياسات اقتصادية متحركة، والتي تأخذ هذه التغيرات في الاعتبار.

د. فضليه: طبيعة النظام الرأسمالي هي من تخلق الأزمات

د. عابد فضليه نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق رأى أن الأزمة الحالية هي أزمة نظام، ولكن هذا لا يعني أنها ليست أزمة فكر، أو أزمة نظرية، أو سياسات في الوقت نفسه، إنها أزمة نظام، لأنه منذ ترسخ النظام الرأسمالي، بدأت هذه الأزمات، ولم تنته حتى اليوم، كما أنها لن تنتهي. وكانت الأزمة الأولى المؤرخة عام 1780. والدليل على أنها أزمة نظام، هو أن أي نظام يسمح بتركز رأس المال، والمضاربات، وتضخيم رأس المال المالي، ويسمح بكل هذه السلوكيات، هو نظام ستكون به أزمات.