هدر الطحين السوري بكميات كبيرة في عامين متتاليين.. والمسؤولون «لا نعلم السبب»!

هدر الطحين السوري بكميات كبيرة في عامين متتاليين.. والمسؤولون «لا نعلم السبب»!

124 ألف طن من الدقيق حتى نهاية شهر أيار الماضي لم تكن ضمن خطة وزارة التجارة الداخلية التي حددت بموجبها كميات استهلاك الدقيق لهذا العام بـ2 مليون و900 ألف طن.

ورغم الاستجرار الزائد للدقيق إلا أن الشركة العامة للمطاحن المسؤولة عن بيع الدقيق التمويني للقطاعين العام والخاص لم تحاول الوقوف على سبب هذا الاستجرار، رغم وصوله في العام الماضي إلى 160 ألف طن طحين زيادة عما تم تحديده للاستهلاك، أي أنها تقع في  المشكلة نفسها هذا العام وبشكل أكبر. الشركة العامة للمطاحن وضعت حداً أقصى لتزويد المخابز بمادة الطحين، لكن بعد أن وصلت كمية الاستجرار الزائد إلى 124 ألف طن طحين، وما تحدث به معاون مدير عام الشركة العامة للمطاحن مأمون عربش يؤكد وجود ما يشبه (سوق سوداء) لمادة الطحين فضلاً عن وجود أمور تهدر أموال الشركة بطريقة غير مسؤولة تزيد عبء الحكومة في تحملها للعجز المالي للشركة الموجود أساساً.

العجز بـ57 مليار ليرة

بالتوازي مع ما يعانيه الطحين من استغلال وهدر، وما تعانيه الشركة العامة للمطاحن من هدر لأموالها قال معاون المدير العام للشركة العامة للمطاحن مأمون عربش إن « قيمة العجز التمويني في دعم مادة الدقيق تقدر بحوالي 57 مليار ليرة سورية عام 2011، ونتوقع رقماً قريباً هذا العام، وهذا العجز ناجم عن الفرق بين سعر مادة القمح الذي نشتريه من مؤسسة الحبوب، وبين سعر الدقيق الذي تحدده الدولة بـ8 آلاف ليرة سورية للطن الواحد للمخابز العامة والخاصة، في حين يكلف شركة المطاحن 33515 ليرة سورية».

وفي السياق ذاته وحول ارتفاع تكاليف الشركة مقارنة في كل عام من عدة جوانب، بين عربش إن  «إلزام الشركة باستخدام الأكياس القطنية يشكل جانباً للهدر، حيث يكلف كل كيس قطني 42 ليرة سورية،  ورغم مطالبتنا بالانتقال لاستخدام أكياس النايلون التي تكلف 18 ل.س لكل كيس، والحصول على موافقة وزارتي الصحة والبيئة، عارضت وزارة الصناعة الطلب لأن الأكياس القطنية تعتبر مشغلاً لعدد من التجهيزات القديمة والعمال لديها»، مشيراً إلى أن « اللجنة الاقتصادية أصدرت مؤخراً قراراً يقضي بأن يستمر استخدام الأكياس القطنية لمدة سنتين تقوم وزارة الصناعة خلالهما بتحديث آلاتها ومعداتها، إلا أن هذا الوقت ليس في مصلحة المطاحن لأنه يشكل عبئاً وعجزاً على الشركة، خاصة مع زيادة الرواتب الدولية وارتفاع الأسعار، بما يعنيه ذلك من زيادة في التكاليف مع ثبات السعر لمنتجنا الأساسي (الدقيق التمويني).»

الاستجرار تخطى المتوقع

وحول أبرز جوانب الهدر في مادة الطحين بين عربش أن « الهدر بالطحين يتركز في الدرجة الأولى خلال العام الماضي والعام الحالي بظهور الاستجرار الزائد لمادة الدقيق، حيث تم استجرار 124 ألف طن زيادة عن خطة الوزارة حتى تاريخ 30 أيار، وتعتبر هدراً لأنها فائضة عن حاجة السكان الفعلية، لكن الموافقة تتم على منح الكميات للمخابز الآلية والاحتياطية بسبب التوجيه بأن تكون مخصصاتها مفتوحة تقريباً ضمن كتلة المحافظة، بينما تقوم مديريات التموين بتحديد مخصصات الأفران الخاصة من الطحين.»

«وكان الاستجرار بالحد الأكبر من المخابز الاحتياطية والخاصة» بحسب عربش، مضيفاً : «نحن نسعى لضبط هذا الاستجرار من خلال وضع حد أقصى لما يمكن تزويد المخابز به من دقيق، لأن الوضع يدل على وجود شيء غير طبيعي، فمن العام الماضي بدأت المشكلة حيث وصل الاستجرار إلى 160 ألف طن زائد عن الخطة، علماً أننا كنا في الأعوام الماضية نوزع أقل من خطة الوزارة دون أن يحدث أي نقص.»

«بعض الأفران توقفت عن العمل لكنها استمرت باستجرار كميات بغرض بيع الدقيق بسعر أعلى أو تنخيله لإنتاج أنواع أخرى من الطحين أغلى ثمناً إضافة لبيع النخالة التي وصل سعر الطن الواحد منها إلى 19 ألف ليرة سورية، فضلاً عن الاستفادة من المازوت المدعوم الذي يحصل عليه المخبز بسعر 7.5 ليرة سورية لكل ليتر في حين سعره الرسمي 20 ليرة سورية» بحسب عربش.

وعن دور الرقابة في تخفيف حجم الاستجرار، أوضح عربش إن «الرقابة غائبة ليس فقط عن المخابز بل عن كل القطاعات، وتبقى عمليات تهريب الدقيق من المخابز الخاصة أسهل منها في المخابز العامة لوجود أشخاص كثر تتطلب عملية التهريب دخولهم، بينما في المخبز الخاص الأمر متعلق بصاحب المخبز وحده».

شركة المطاحن تتحمل فوق طاقتها

الشركة العامة للمطاحن ملزمة ببيع الدقيق بسعر الدولة، بينما تضيف المؤسسة العامة للحبوب تكاليف نقل القمح من الفلاحين وغربلته لمطابقة المواصفات الطحينية التي تضعها المطاحن، وتعقيم القمح ثم النقل مجدداً للمطاحن، « كل هذا يضاف إلى الثمن الذي تدفعه مؤسسة الحبوب للفلاح عند شراء القمح الذي يحدد سعره أيضاً من الدولة بحوالي 22 ليرة للكيلو الواحد، ويعد السعر مرتفعاً لدعم وتشجيع الفلاح على متابعة العمل وزراعة القمح » ما شرحه عربش حول أسباب عجز الشركة المالي.

وأضاف عربش «لدينا 34 مطحنة 33 منها قديمة، وهناك مطحنة جبلة قيد الاستثمار وستشغل من الدولة، ومطحنة الكسوة التي ستدخل بالخدمة بداية العام القادم بطاقة إنتاجية تصل إلى 500 طن  قمح يومياً» مشيراً إلى أنه «هناك فرق بين خطة الطلب التي توضع من وزارة التجارة الداخلية وبين طاقات المطاحن في القطاع العام، لذلك يتم سد ة بينهما بالتعاقد مع مطاحن القطاع الخاص حيث نزودها بالقمح لتسلمنا دقيقاً، ومن غير المسموح لها بيع الدقيق التمويني إلى السوق، فهذه العملية محصورة بالشركة العامة للمطاحن».

وتصل طاقة طحن القطاع العام سنوياً إلى مليون و800 ألف طن، وننفذ الخطة الإنتاجية  سنوياً بنسبة 120 %، حيث تصل كميات الطحن إلى مليون و900 ألف طن أو مليونين طن، بينما تقدر الحاجة السنوية من الطحين بـ2 مليون و900 ألف طن حسب خطة الوزارة، وتقوم شركة المطاحن بالتعاقد مع مطاحن القطاع الخاص لتغطية الفرق بين خطة الوزارة والخطة الإنتاجية لها.

ونوه عربش في حديثه إلى تكاليف إضافية تتكبدها الشركة سنوياً عن طريق دفع أجرة للمطاحن الخاصة للقيام بطحن الكميات التي تعجز عنها المطاحن العامة، مضيفاً إن « تشغيل المطاحن الأربع من القطاع العام يغطي العجز بالطاقات الطحنية، إلا أن عدم إنجاز المشروع سيؤدي لاعتماد أكبر على القطاع الخاص، في ظل الزيادة السكانية وزيادة الاستهلاك»

4 مطاحن تحل المشكلة

وتجري مباحثات مع الجانب الروسي لتجهيز أربع مطاحن بطاقة إنتاجية 2400 طن يومياً من القمح، وفي حال تم التوافق يمكن تغطية العجز بالطاقات الطحينية، إلا أنه وبحسب عربش «فليس بالإمكان الاستغناء عن القطاع الخاص، فتجهيز المطاحن الأربعة يحتاج 3 سنوات وعدد السكان في تزايد بنسبة 2.45 %، أي أن الحاجة في تزايد».

وحول المطاحن الأربع، قال عربش إن «الموضوع أخذ الكثير من الجدل، فقد اقترحت الحكومة أن يتم تشغيل المطاحن وفق نظام B.O.T، وكنا نرى أن تشغيلها من القطاع العام أفضل لأن الأبنية جاهزة ولم يبق سوى التجهيزات، وفي حال الاتفاق مع الروس بغرض تجهيز المطاحن وفق مبدأ التبادل التجاري بما لا يكلفنا الأموال، وستكون مهمتهم في الفترة الأولى بعد التجهيز التركيب والتجريب ثم تقوم كوادر محلية بالعمل في المطحنة».

وفيما يخص أثر تراجع نسبة إنتاج القمح هذا العام على توافر الدقيق التمويني، بين عربش إنه « من المستبعد حدوث عجز بتأمين المادة خلال الفترة القادمة، لأن الكميات متوفرة والمخزون الاستراتيجي موجود ومحدد من رئاسة مجلس الوزراء بما يكفي لـ16 يوم شتاء و11 يوم صيف من الطحين، ولم تنقص الكميات في أعقد الظروف التي مررنا بها»، لافتاً إلى أنه « لا خوف من تراجع نسبة إنتاج القمح، لأن تأمين الكميات ممكن عن طريق الاستيراد من الدول الشرقية، كما لن تؤثر على السعر لأن تكاليف القمح المستورد أقل من القمح السوري، لذا ستنخفض تكاليفنا، فالقمح السوري بمعظمه من النوع القاسي ذو جودة عالية وغال عالمياً، وحتى الطري منه يصنف نصف قاس».

وكان مدير عام المؤسسة العامة للحبوب سليمان الناصر أكد أن «إنتاج محصول القمح انخفض هذا العام إلى أقل من المتوقع، حيث بلغت ما بين 30 إلى 40% وخاصة في مناطق الإنتاج الشرقية الرئيسية وأبرزها الحسكة».