مؤشرات الواقع: «استعدوا للأسوأ»!
ودعّ السوريون آخر أعوام الخطة الخمسية العاشرة بفارغ الصبر وبكثير من القلق، فحال العام الماضي لم تكن أفضل من حال سابقه، ولكن سرعان ما أدركوا وجود مؤشرات كثيرة تدل على أن حال العام الجاري لن تكون أفضل، خاصةً وأن الحكومة تابعت تجاهلها لملف دعم المحروقات ورمت بآمال المواطنين عرض الحائط حتى اللحظة!.
وإذا كان «أجمل» ما حمله 2011 هو انقضاء زمن الخطة العاشرة التي أرهقت الناس وفاقمت مشكلاتهم، فإن أسوأ ما حمله لم يكن انقضاء زمن الدعم إلى غير رجعة فحسب، بل دلائل كثيرة على أن المستقبل سيشهد ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات جديدة بعد أن عاشت مرحلة شبه استقرار «مزيفة/رقمية» خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا الإنذار حقيقي طالما أن المشهد الاقتصادي الجاري رسمه للوصول إلى معدل قدرته الحكومة متفائلةً بـ5.8% لا يبشر بالقضاء على المشكلات التي خلفتها الخمسية العاشرة فقط، فما بالك بالمشكلات المتراكمة التي لم تستطع «المغدورة» حلها؟
أضف إلى ذلك ما يرجح أن تحمله الخطة الحادية عشرة من مفاجآت غير سارة، والتي قد تقود إلى ازدياد أعداد الفقراء واستمرار جمود الأجور وتآكل البنى التحتية وغير ذلك من مصائب تدور في فلك التدهور، خاصةً وأن الخطة الحادية عشرة لم تنطلق من ظروف أفضل من تلك التي انطلقت منها الخطة العاشرة، كما أنها لم تضع أهدافاً تتجاوز بها تقصير الخطة السابقة بكل تأكيد، بدليل أن معدل النمو المستهدف فيها «أوطى» من سابقه.
تقول مؤشرات الواقع إن أبسط الأمور التي بثت الرعب في نفوس الناس في مطلع الخمسية الجديدة كان ارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية والأساسية بمجرد دخول العام، وليس السكر وحيداً بطبيعة الحال، والله وحده يعلم كم ستكون انعكاسات ذلك سلبية على القدرة الشرائية المتهالكة تحت مطارق فجار التجار!.
وفي هذا السياق كان مصرف سورية المركزي قد أعلن مؤخراً أن استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية بمختلف أنواعها في الشهور العشرة الأولى من 2010 رفع معدل التضخم الوسطي لهذه الشهور إلى 4.12% بزيادة 1% عما كان عليه للفترة نفسها من 2009 (ما يعني أن معدل التضخم التراكمي بات قريباً من 50% انطلاقاً من 2005 كسنة أساس)، ومن الواضح وفق هذا التطور «المتوقع» وغير المبرر للأسعار، أن تتابع مباعث القلق الأخرى التي عرفها السوريون خلال السنوات السابقة مسيرتها خلال 2011، فالأسعار لن تعرف حدوداً في ظل تحرير الأسواق المتزامن مع ضعف أجهزة الضبط وحماية المستهلك في ممارسة عملها الرقابي ضد الجشع، ولاسيما مع استمرار تجميد الأجور بحجج نقص الإيرادات وعجز الموازنات.
للأسف، إن الفشل في ضبط الأسعار خلال سنوات خمس طويلة، وهي أصغر تفاصيل «اقتصاد السوق الاجتماعي»، لا يطمئن الناس إلى أن بقية الأمور قابلة للضبط في المستقبل، ابتداءً بالإنفاق الاستثماري للحكومة وليس انتهاءً بمعدلات النمو. وخلاصة القول هي إن عام 2011 سيكون عاماً مفصلياً آخر في تاريخ السوريين الذين سيسجلون أرقاماً لم يتخيلوا قط أن يروها تتراقص فوق الخضراوات والزيوت وأصدقائهما من السلع، فمقدمات 2011 الواقعية الملموسة حتى الآن، وما رافقها من إصرار حكومي على متابعة النهج الليبرالي سيئ الصيت ومفجر الاضطرابات الاجتماعية- السياسية (في تونس ومصر حتى الآن على الأقل)، إنما هي مقدمات تبعث على القلق، والناس مدعوون من الآن وصاعداً إلى وضع خططهم الخاصة لإدارة مشكلاتهم الاقتصادية كل على حدة، فالمشكلات ستزيد تفاقماً بكل المستويات وهذا تحذير لهم وللمتجاهلين..
شدوا الأحزمة، واستعدوا للأسوأ، لأن المزيد من المساوئ قادم لا محالة طالما استمرت الحكومة بالسير في ركب الليبرالية المستوردة رغم تقهقرها في كل بلاد المنشأ وتحولها إلى «حقبة» يبصق كل من يذكرها!.