الموبيليا السورية.. عراقة - «تحرير» - دمار..

الموبيليا السورية.. عراقة - «تحرير» - دمار..

صناعة الموبيليا السورية بعد أن دخلت العديد من المعارك والمنافسات للحفاظ على استمراريتها كونها تشكل مصدر رزق آلاف العائلات، ووصل صيتها وصناعتها إلى أسواق العالم، وخاصة عندما تمكنت إحدى المدن الحاضنة لها (سقبا) من التربع على عرش التميز، موصوفة بأنها أكبر تجمع لصالات المفروشات في العالم وترشحت لدخول موسوعة غينيس. وصفها حرفيوها بأنها باتت من الكماليات، وفقدت مناطقها الأساسية بسبب الدمار، والتحقت بركب الدولار لتعود بالخسارة على ممتهنيها ما لم يلحقو بالسوق..

التقت (قاسيون) رئيس الجمعية الحرفية لنجاري الموبيليا محمد الصمادي الذي قال إن «الموبيليا تعتبر من الكماليات في وقتنا هذا».. مسهباً في شرح آثار التحرير السابق للتجارة والدمار اللاحق للورش على هذه الحرفة السورية العريقة والمنتجة حتى الأمس القريب..

الحرفة في الأزمة وقبلها..

يشير رئيس الجمعية الحرفية لنجاري الموبيليا محمد الصمادي إلى مجموعة من صعوبات العمل الحالية والتي ترتبط أغلبها بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الوطنية العامة: «الصعوبة حالياً في العمل تكمن في غلاء المواد الأولية، حتى لو وجدت البضاعة فقد أصبح سعرها غير مناسب للقدرة الشرائية للمواطن».

وتابع الصمادي قوله إن «تأمين الخشب صعب جداً، والصناع يعتمدون على تداول الموجود من السابق، لكن تأثير الدولار على كل المنتجات أدى لوجود سعر جديد يومياً، علماً أن المواد ليست مفقودة لكنها مرتفعة الثمن كثيراً، فهناك مستودعات للأخشاب في اللاذقية فيها كميات كبيرة يتم حالياً الاعتماد عليها للتصنيع، ولا يوجد تقدير دقيق للمدة التي تدوم فيها هذه الكميات، منها خشب السويد والسنديان والشوح والخشب الكندي».

وحول وضع الحرفيين في الأزمة، بيَّن الصمادي أنه «يمكن القول إن معظم الحرفيين يعيشون أوقاتاً عصيبة، فمن بين الحرفيين المسجلين في الجمعية 60 حرفياً فقط يسددون التزاماتهم السنوية للتنظيم، وهذا إن دل على شيء يدل على الخسائر الكبيرة التي لحقت بهذه المهنة، فكل الورشات تقريباً تتواجد في ريف دمشق وليس داخل المدينة، بينما لا يوجد في دمشق من الحرفيين سوى الكبار والقدماء، بسبب إغلاق باب التسجيل في الجمعية بدمشق». ويضيف الصمادي أنه في عام 1987 تم إغلاق باب التسجيل في المدينة بسبب «توجه الحكومة لإخراج وتقليل الحرف داخل دمشق لأسباب بيئية، وطالبنا بإيجاد مناطق على أطراف دمشق للانتقال إليها وممارسة العمل دون جدوى.»

مرحلة التخلي الحكومي.. طالت الموبيليا

ولفت الصمادي إلى أن الأزمة الحالية ليست أزمة الحرفة الأولى، فأول أزمة طالت الحرفة كانت مع مرحلة التخلي الحكومية في المراحل السابقة التي طالت حرفة الموبيليا كغيرها من الحرف.. يقول الصمادي «الدولة تخلت عن تأمين الخشب والمواد الأولية للحرفيين، بعد أن كانت تستورده وتبيعه لهم بسعر زهيد، لكن مع دخول القطاع الخاص، بدأت أسعار الخشب ترتفع وأصبحت الأسواق تحت رحمتهم». وعن معاناته الشخصية، قال الصمادي «اختلفت منذ فترة مع مالك المحل الذي أستأجره، على قيمة الإيجار، حيث أصبح يريد تخمين القيمة بحسب سعر الدولار، في الوقت الذي خسرت فيه ورشاتي في جوبر وريف دمشق، وتحول المحل لصالة أعرض فيه ما بقي من نتاج عملي وما أتسوقه من الآخرين». أعقبت عملية التخلي الحكومية عن تأمين المستلزمات «بسعر مدعوم» استكمال عمليات انسحاب الدولة، بترك هؤلاء الحرفيين ليواجهو البضاعة الأجنبية التي دخلت السوق بكثافة بعد تحرير التجارة الخارجية بالكامل..

التجار مقابل الحرفيين..

نجارة الموبيليا التي يبلغ عدد الحرفيين المسجلين في جمعيتها الحرفية 1220 حرفياً، مقابل عدد يصل إلى 5 آلاف غير مسجل بين دمشق وريفها.. نالت نصيبها من تحرير التجارة الخارجية بشكل كامل بلا اعتبارات للأثر السلبي على الحرفيين وعوائلهم واستمرارية التشغيل في هذه المهنة السورية العريقة.. يوضح رئيس جمعية نجاري الموبيليا في دمشق محمد الصمادي فيما يتعلق بتأثير البضاعة الأجنبية الجاهزة التي دخلت الأسواق في السنوات الأخيرة قبل الأزمة التالي «عندما بدأت البضائع الأجنبية تدخل للبلاد تضررت الحرفة كثيراً، فالتجار عملوا على استقدام الموبيليا التركية والصينية ذات التصاميم الجميلة التي جذبت الناس، ما أضر بالعمل وقلل حجمه للكثيرين، كما أن البضائع التي كانت تستورد لم تكن ذات جودة عالية، فمن عمل على استيرادها اختار ما يلائم القدرة الشرائية للمواطن بغض النظر عن الجودة، ورغم ذلك لاقت إقبالاً كبيراً من الناس بسبب حداثتها ومظهرها الجميل، وهذا لا يعني أن الحرفيين المحليين لا يملكون القدرة على تصنيع هذه الأشكال، لكن هذا مكلف جداً لنا لأننا ما زلنا نعتمد العمل اليدوي عكس الخارج الذي يمتلك المكنات الحديثة، ومع هذا لم يتمكنوا من الوصول لدرجة الحرفية التي يملكها صناعنا وخاصة في الحفر».