شركات النسيج والمنافسة على إنتاج أكياس الطحين... خسارة بالمليارات بفعل الفساد المشرعن؟!
شركات الغزل والنسيج خاسرة بامتياز، وحتى عام 2003 وصلت الخسائر إلى 1,0796 مليار ل.س، وفي السنوات اللاحقة، وحتى عام 2012 الحالي بلغت الخسارة 3 مليارات سنوياً، وتم ضخ استثمارات في هذا القطاع بقيمة 37 مليار ل.س حتى 2003، فهناك جملة من التحديات الدائمة التي تواجه هذا القطاع، ويمثل الفساد المشرعن أهمها...
تحديات من نوع آخر
مشكلة قطاع الغزل ليس في المنافسة مع ما هو مستورد خلال السنوات السابقة، وليست القضية جودة الإنتاج، وليست عدم ضخ استثمارات أو اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي أبرم ولم يبرم، أو منطقة التجارة الحرة العربية والاتفاقيات الأخرى، هذه تحديات كان من الممكن التغلب عليها، ولكن هناك تحديات أخرى يتم إغفالها من المؤسسة والوزارة والجهات الوصائية الأخرى.
خسارات مشرعنة
ما يتم تجاهله، هو العروض التي كانت تقدم عن طريق مكاتب السمسرة التجارية في المواد الأولية أو في تبديل الخطوط وتحديثها وفي القطع التبديلية وفي المبيعات الداخلية، وفي التصدير، الأمر الذي أدى إلى فساد وإفساد ورشاوى وهدر وبالتالي زيادة في أسعار العقود المبرمة تصل إلى %40 وهذه النسبة هي الــ 10,796 مليار الخسارة لم يدخل هذا المبلغ إلى جيوب العمال حوافز وتعويضات ومكافآت، وإنما دخل إلى جيوب مجموعة أثرت على حساب الشركات في القطاع العام.
قطاع استراتيجي
يقول عمر الحلو رئيس الاتحاد المهني للغزل والنسيج إن صناعة الغزل والنسيج من أعرق الصناعات الوطنية في سورية وأقدمها ولها أهميتها الاقتصادية باعتبارها القطاع الاستراتيجي الثاني بعد النفط. وهي صناعة ذات بعد استراتيجي مستقبلي يعول عليها في رفد الاقتصاد الوطني بموارد كبيرة من خلال تطويرها وتحديثها وتوسيعها بما يسمح بتصنيع كامل إنتاج سورية من القطن المحلوج وبالتالي تأمين الدخل القومي، وتستمد صناعة الغزل والنسيج أهميتها من خلال البعدين الاقتصادي والاجتماعي.
مزايا اقتصادية
البعد الاقتصادي يتمثل في حجم الاستثمارات الكبيرة الموظفة في هذه الصناعة، والإمكانات الكبيرة في مجال تحقيق قيمة مضافة عالية تصل في حال تحويل القطن إلى ألبسة إلى ما تزيد عن %300، والتنوع الكبير في المنتجات من الغزول القطنية والممزوجة والصوفية والسجاد، والجوارب، والألبسة الداخلية، والجاهزة والحرمات، والقطن الطبي، والأربطة الطبية وإمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدر العديد من النشرات التابعة للمؤسسة النسيجية وتوزعها جغرافياً على مساحة سورية، والاعتماد شبه الكلي على الموارد المحلية، وخاصة القطن المحلوج، ومساهمتها في تطوير زراعة القطن، والتوسع في المساحات المزروعة، الحجم الكبير للتوظيفات، وفرص العمل في هذه الصناعة والزراعة والصناعة المرتبطة بها سواء في المعامل أو الورش مما يسهم في الحد من البطالة، وإمكانية التصدير الكبيرة التي توفرها هذه الصناعة بسبب الطلب المتزايد عالمياً على الصناعات النسيجية القطنية رفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة من الرسوم والضرائب والفوائض المتاحة...
اقتراحات مضادة
يبقى حديث رئيس الاتحاد نظرياً، ولا يؤخذ به، لأن ما اتخذ من قرارات خلال السنوات السابقة كان هدفه ليس إنهاء قطاع الغزل والنسيج، وإنما إنهاء القطاع العام بالكامل، وسبق وأن قال وزير الصناعة السابق «إن النفط والنسيج ليسا صناعة استراتيجية والاستيراد أفضل وأرخص.. وهناك ارتفاع في تكاليف المنتج النهائي الناتجة عن ارتفاع أسعار الأقطان وربطها ببورصة ليفربول، إذاً المسؤولية تقع على بورصة ليفربول وليس الفساد!».
مطلب دائم
كان المطلب الدائم معاملة شركات القطاع العام وفق قانون الاستثمار، وإعطاءها الصلاحيات والميزات والإعفاءات المعطاة للشركات المحدثة، وإنهاء التشابكات المالية، وإطفاء الديون والخسائر، وتسديد كامل رؤوس الأموال بعد إعادة تقييم الشركات، وإعادة تأهيل الشركات والتمويل، أما من وزارة المالية أو من أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ودمج الشركات بحيث يكون هناك تكامل في المراحل الإنتاجية، ودعم وتنشيط الصادرات، أو إنشاء صندوق خاص لذلك على مستوى كل مؤسسة أسوة بالدول التي تدعم صادراتها، ووضع ضوابط، وحماية للمنتجات النسيجية بفرض رسوم إغراق ودعم الصناعات النسيجية في مسألة الوقود والطاقة الكهربائية وتخفيف الرسوم والضرائب أو الإعفاء الكامل مقابل الدور الاجتماعي الذي يقدمه هذا القطاع.
لا قرار!
لم يتخذ أي قرار في هذا الاتجاه، بل تركت الشركات لمصيرها لتنهار واحدة بعد الأخرى، وكان هناك منافسة بين الشركات في إنتاج أكياس الطحين في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وكانت الأجواخ السورية التي تنتج هي الحديثة، والدبس، ودياب، والخماسية وغيرها، وتضاهي الأجواخ البريطانية، وفي هذا الصدد يقول وزير المالية محمد جليلاتي «صناعة الغزل في سورية تخسر سنوياً 3 مليارات ل.س باعتبار أن %50 من إنتاج هذه الصناعة يتجه إلى صناعة أكياس الطحين لمسح بلاط الأرضيات»، أليس غريباً أن يصدر عن الوزير تصريح كهذا؟!!
جزر منعزلة
لم تدرس رؤوس الأموال شركات الغزل والنسيج المؤممة، أو الشركات التي جرى إنشاؤها خلال العقود الماضية بواقعها، وجميع الشركات رؤوس أموال أقل من الرأسمال العامل. ولم تسدد الحكومة رؤوس الأموال ولا لأية شركة. أيضاً تركت كل شركة تعمل وفق خططها السنوية وحدها، وكل شركة في جزيرة معزولة عن الأخرى، وكانت شركات الغزل بحاجة إلى آلات طباعة وبحاجة إلى حراقات وكلفة هذه الخطوط مئات الملايين من الدولارات وسمح ضمن الخطط الاستثمارية بأن تستورد كل شركة مطبعة ومصبغة وحراق، والأصول أن تكون هذه الخطوط مركزية وتعمل لكافة الشركات، وبدل استيراد أربع مطابع، وأربع مصابغ، قمنا باستيراد واحدة تعمل للشركات كافة، وِلمَ يحدث هذا؟! فمن هنا بدأ الفساد، وانتشر وبدأت الخسارات، بالإضافة إلى عدم التكامل في عمل الشركات، حيث يمكن للشركة الأهلية أن تنتج الخيوط اللازمة لشركة الصناعات الحديثة، وهذا لم يحدث، كما أن تشابه المنتجات في العديد من الشركات، وحصول منافسة في شركات القطاع الواحد، شكل جزءاً آخر من الفساد في إنتاج أكياس الطحين!..