كيف تتجاوز سورية مأزق العقوبات الاقتصادية الحالية؟!
تساؤلات عديدة بات يطرحها الشارع السوري حول مدى تأثير العقوبات الاقتصادية الأوروبية - الأميركية - العربية التي فرضتها هذه الكتل الاقتصادية الكبرى على الاقتصاد السوري منذ شهور عدة، والإجابة على هذه التساؤلات، تستدعي النظر إلى واقع التجارة الخارجية، وإلى الميزان التجاري (استيراداً وتصديراً)، كما تستدعي الإجابة على سؤال يتعلق بالبدائل المتاحة أمام سورية بعد فرض تلك العقوبات، والتي شملت أشخاصاً ومؤسسات ومصارف بالإضافة إلى قطاع النفط.
دعم خلبي
اتفاق التعاون الاقتصادي مع المجموعة الأوروبية تم التوقيع عليه في عام 1977، وقد منحت العديد من المزايا للسلع السورية التي تدخل الأسواق الأوروبية، إضافة إلى بروتوكولات مالية وفرت بعض الدعم لبعض المشاريع، وقدم دعم آخر لإقامة ندوات وورش عمل، وجميعها خلبية، واستفاد منها مالياً وزراء ومدراء، وكانت سورية تلهث لتطوير هذا الاتفاق إلى شراكة، وكانت أوروبا تماطل وتطرح شروطاً سياسية، وكان النائب الاقتصادي في حكومة العطري موافقاً عليها بالكامل طبعاً، وكان يتحفنا بتصريحات يومية عن بدء توقيع الشراكة مع دول أوروبا.
صادرات خام بمعظمها
جرى التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية تعاون أخرى عام 2004، والتي لم تكن اتفاقية شراكة مع الأوروبيين بكل ما للكلمة من معنى، والوقائع تقول: إن الأسواق العربية استقطبت ما نسبته نحو 41% من إجمالي الصادرات السورية لعام 2010، أو ما قيمته نحو 5.7 مليار دولار، وتتوزع على أوروبا وغيرها، أما استيراداً، فقد بلغت قيمة إجمالي المستوردات السورية نحو 16.9 مليار دولار، وقد كانت حصة السوق العربية منها نحو 2.3 مليار دولار، أي ما تعادل نسبته 14%، والباقي يتوزع على دول العالم الأخرى التي تقيم سورية علاقات اقتصادية معها، مع الإشارة هنا إلى أن أغلب الصادرات السورية إلى أوروبا هي مواد خام، ويأتي النفط في مقدمتها، وقد تراجع الاستيراد إلى 75% مع شطب أوروبا من الخارطة، وانخفضت التجارة السورية استيراداً وتصديراً إلى 50%...
فالسوق العربية هي الأهم بالنسبة للصادرات السورية، ولكن لم تستطع أن ترقى إلى مستوى الطموح رغم السوق العربية المشتركة وعشرات الاتفاقيات الأخرى؟! أما في مجال الواردات، فتتوزع على أوروبا ودول أسيوية عدة، بمعنى أن السوق الأوروبية مهمة إلى حد كبير في قطاع الواردات، وتتحدث عن البديل المُتاح ألا وهو روسيا والصين وبعض الدول الأخرى (بريكس) وأمريكا اللاتينية.
وفي ظل هذه الظروف والمعطيات التي هيأت لها السياسة الاقتصادية للحكومة السابقة، يسير الوضع الاقتصادي إلى تأزم، والخلل الاقتصادي الذي نشهده اليوم واضح، والارتفاع بالأسعار يومي تقريباً، والمترافق مع انخفاض مستوى المعيشة للغالبية العظمى من الشعب، وتظهر في هذه الأزمة الاقتصادية الحالية القطاعات السياحية والصناعية كأبرز المتضررين.
تراجع التبادل التجاري
كانت الحكومة السابقة تردد بأن السياحة قاطرة النمو بعد أن ضربت القطاع العام الصناعي، وكانت تتجه إلى تصفيته بالكامل، والسياحة الآن أصيبت بشلل كامل، ولا تتوقف المشكلة عند هذا القطاع فحسب، فالبلاد تشهد تراجعاً كبيراً في حجم التبادل التجاري، وكانت وزارة الاقتصاد و التجارة قد فرضت حظراً على استيراد السيارات والسلع الكمالية المستوردة، وذلك للحد من نزيف رصيد الدولة من احتياطي العملات الأجنبية، ولكن سرعان ما تراجعت عنه بعد احتجاجات ومذكرات رفعت من تجار حلب ودمشق إلى الحكومة.
مشاريع بعهدة مافيا الفساد
النفط يمثل الشريان المالي الرئيسي للاقتصاد السوري، وذلك بصرف النظر عن المكان الذي تذهب إليه عائداته، ومنذ سنوات، ونحن نطالب بإنشاء مصفاة، أو تطوير وتحديث مصفاة حمص، ولكن الجهات الوصائية لم تفكر بذلك أو تعره أي اهتمام، أما بالنسبة لليرة السورية، فهي أمام انخفاض يومي أمام الدولار، وذلك على الرغم من المحاولات الحثيثة لحمايتها، إلا أنها في هبوط مستمر، مما جعل التفكير يتجه في التعامل مع الروبل الروسي والعملة الصينية عوضاً عن اليورو، وقد أوقفت هذه الأوضاع الصعبة نشاطات الآلاف من رجال الأعمال، وتم تسريح آلاف العمال لينضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل.، في حين توقفت أكثر من 20 شركة في القطاع العام عن الإنتاج، ليس بسبب الحصار فقط، وإنما بسبب السياسة الاقتصادية لحكومة العطري، كما أن القدرة الشرائية للمواطن السوري تتهالك، وهو العاجز عن الوفاء حتى بالمتطلبات الحياتية الأساسية، بالإضافة إلى الأزمات التي تأخذ وقت المواطن في البحث عن المازوت والغاز، ومتطلبات أخرى أساسية، في حين يجري تهريب المليارات من مافيا الفساد الذين كان يتم الاتكال عليهم لإقامة مشاريع استثمارية.
تكاتف الظروف
إذا كانت الأسواق العربية تستقطب ما نسبته 41.5% من إجمالي الصادرات السورية، أو ما يعادل قيمته 5.7 مليار دولار، فإن قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بتوقيع عقوبات اقتصادية وسياسية، وهي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة العربية، يعني هذا الشكل سيضيق الخناق على الاقتصاد السوري، وبالمحصلة على المواطن السوري أولاً وأخيراً، وسيكون قطاع المواد الغذائية والمنسوجات من أكثر القطاعات تضرراً، وفي الوقت نفسه فقد توقفت أكثر المشاريع الاستثمارية العربية، والواقع يقول، إن القطاع المالي والنقدي من أكثر القطاعات تأثراً، وفي هذا الاتجاه، تتكاتف عدة ظروف في آن واحد، ومنها سعر صرف الليرة السورية المتذبذب، والذي يشكل أكثر العوامل ضغطاً على الاقتصاد السوري.
الناتج المحلي الإجمالي السوري لا يتجاوز 40 مليار دولار والفاتورة النفطية الاستهلاكية تصل إلى 60% من الناتج المحلي. وهذه كارثة اقتصادية بكل المعايير مع توقف الشركة الأميركية والأوروبية عن العمل وأبرزها شركة توتال المشتركة مع شركة دير الزور للنفط والتي تعمل في سورية منذ العام 1990.
الاعتماد على الذات هو الحل
ترك القطاع العام في سورية خلال السنوات الماضية أمام مواجهة مصيره ومشاكله، والمتمثلة بالروتين والفساد الذي ينخر مفاصله، والتي تكونت بفعلها ثروات طائلة، ورغم ذلك فقد بقي القطاع العام عبر العقود الأربعة الماضية عنوان التنمية الاقتصادية – الاجتماعية في سورية، وهذا يعني أنه وأمام ما عصفت بسورية من أزمات، وما تواجهه من تحديات الآن، لا حلول إلا بالعودة للاعتماد على الذات، فالواقع الاقتصادي الحالي يستدعي صيانة قانون لإصلاح شركات القطاع العام، وللإقلاع بالشركات المتوقفة قسراً، والمخسرة بالأساس، وهذه مهمة ليست مستحيلة أمام الحكومة بل إنها تحتاج لقرارات جريئة..